تابعنا
اليوم يزدادُ رفض الفتياتِ العاملاتِ من يَتَقَدَّمُ لهنَّ بسبب أموالِهن، هذا الرفض أصبحَ ينمو باطّرادٍ مخيف، وقصصه الغريبةُ العجيبةُ تزدادُ معه، ولكل واحدة مسوّغُها.

أجملُ مَا يحدثُ في الحياةِ هو العثورُ على رفيقِ عمرٍ لا شريك.. فالزواجُ ليسَ شرِكَةً نهايتُها تركة! إنما رحلةٌ جبليةٌ صعبةٌ ذاتُ استراحاتٍ على أطرافِ جرْفٍ! ومرافئَ بيضاءٍ تصنعُها السكينة، ونضالٌ وتعرجاتٌ وأخاديدُ، تسْتَلزمُ اليدَ التي لا تفلتُ بل تتمسك في السَّراء والضراء.

لكنَّ هذه صورةٌ تكادُ تصبحُ نادرةً، إذ أصبح الزواجُ في هذه الأيامِ يأخذ احتمالين: إما طريقُ روتينيّ وسُنّةُ حياةٍ يُتَّخذُ فيها الرفيقُ بانتقاءٍ عشوائيٍّ مثل "بطيخة" يصيبُ لونُها أو يَخيب، وإما زواجٌ مدروسٌ محسوبُ الأبعادِ يقوم على عروسٍ ذات رصيدٍ بنكي يضمن مساهمَتها في الحياةِ أو الاعتماد عليها كليّاً لإدارةِ النفقاتِ، فيما أصبحت أي صورة خارج هذا التأطيرِ نادرة في ظروفٍ متقلبة تعيشها المجتمعاتُ العربية.

واليوم يزدادُ رفض الفتياتِ العاملاتِ من يَتَقَدَّمُ لهنَّ بسبب أموالِهن، هذا الرفض أصبحَ ينمو باطّرادٍ مخيف، وقصصه الغريبةُ العجيبةُ تزدادُ معه، ولكل واحدة مسوّغُها.

فهناك فتياتٌ تجاوزن سنَّ الثلاثين أو اقتربن منه، وما زلن يرفضن بصوتٍ عالٍ من يتقدم دون خوفٍ أو وجل من مستقبل قادمٍ، ودون أُذُن تنصت لأقوال مجتمع يقول: "ضِلّ راجل ولا ضلّ حيطَة".

مال المرأةِ.. عصبُ حياتِها

ميرا محمد، تونس، 26 عاماً، مقيمةٌ في إسطنبول، وتعمل في السكرتارية والإدارةِ، تقول لـTRT عربي: "الزواجُ بالنسبةِ إليّ يُبنى على الشخصيةِ والحبّ لا المال، فإذا كانت المرأةُ هي التي ستصرفُ فما فائدةُ قوامَةِ الرجل؟".

تؤكّد ميرا: "أنا أرفض الزواجَ إذا تبيَّنَ لي أنَّ المتقدمَ نيته ماديةٌ، لا يسودها مودةٌ ورحمة وعاطفةٌ حقيقية، فحينها ضِلّ حيطَة ولا ضِلّ راجِل".

وعن أهمية المالِ في حياةِ المرأة تبيّن ميرا لـTRT عربي:" المالُ هو عصبُ الحياةِ لكلِّ أنثى، يجعلها قادرةً على سدِّ جميع احتياجاتِها دون اتّكاءِ على أحد، فحاجةُ المرأة الماديةِ هي ما قد يجعلها تتنازَل لأي طرفٍ آخر، لهذا لو خُيّرت بين مالي والحصولِ على زوج فسوف أختار المالَ بكل تأكيد".

ترى عديد من النساء أن المال هو عصبُ الحياةِ لكلِّ أنثى، يجعلها قادرةً على سدِّ جميع احتياجاتِها دون اتّكاءِ على أحد (Getty Images)

الحبُّ للفتاةِ أم لوظيفَتِها؟

من زاويةٍ أخرى تقول هدى عثمان، 28 عاماً، فلسطينية، تعيشُ في قطاعِ غزة المحاصر -الذي يعاني نسبةِ بطالةٍ وعنوسةٍ مرتفعَة جعلت الحصول على عروسٍ ذاتِ رصيد ماليٍ مبتغَى كل ساعٍ للزواج- لـTRT عربي: "عندما تَقدَّم لي شخص كان يعمل معي فرحتُ جدّاً، إذ بيَّن لي أنه مُعجَبُ بشخصيتي وفرادتِي، كما أوهمَني، وتكلمنا لمدَّة يومين حتى استطاع الحصولَ على عنوان بيت أهلي كي يرسلَ أهله في طلبي".

تتابعُ هدى في شيءٍ من اليأسِ والخيبة:" عندما أرسل أهلَه وقابلتُهم، أبدوا إعجابهم الشديدَ بي، بخاصةٍ أنهم يعلمون أنني أعمل معلمةً في مدرسة حكومية بعقدٍ يومي لا عقدَ تثبيت، وهذا يعني أني سأترك العملَ بعد مدة معينة".

تضيف هدى: "هذا الشخصُ المتقدم كان على علمٍ ودرايةٍ بتقدُّمي لامتحاناتِ توظيفِ وكالةِ الغوث واللاجئين، ونجاحي بها، ولا يتبقى للحصول على الوظيفةِ الدائمة إلا اجتيازي مقابلةَ التوظيف".

وتوضح لـTRT عربي: "كان احتمالُ اجتيازي مقابلةَ التوظيفِ كبيراً، وهذا يعني حصولي على عقدِ عملٍ دائمٍ وراتب شهري قد يتجاوز 800 دولار... وعندما لم أجتز المقابلة بنجاح، لم يبعث أهله ليؤكدوا طلَبهم لي، فاختفى من حياتي مثلما اختفتْ معه قصتُه الكاذبة عن إعجابه بي وحبّه وهيامه".

عزوبية أبدية!

أما غزل عيسى، 27 عاماً، مغربيةٌ، مقيمة في إسطنبول، تعملُ في مجال صناعةِ الملابس، فتعبّر لـTRT عربي عن وجهةِ نظرِها في زواجِ المالِ وإن كانت ستضحِّي مع مرور العمرِ وتتنازل مقابل حصولها على عاطفةِ الأمومة، بقولها: "لا أتنازل أبداً عن الشروطِ التي أريدها في رفيقِ حياتي، ولا أهتمّ بحصولي على عاطفةِ الأمومة بقدر اهتمامي بتمضيةِ العمر مع شخص يحبني لذاتِي وأحبه لذاته دون مصالحَ بائنةٍ او ضامرة".

وفي مفاجأةٍ منها، عكست غزلُ السؤالَ على صحفيَّةِ TRT عربي عندما قالت لها: "هل تقبلِين لنفسك بذلك؟ شخص يرى أنك فرصةٌ ماديةٌ، فقط لا غير؟"، لتردّ بكل تأكيد: "لا".

القَبولُ بشرطِ الوضوحِ والحدود

ومن المملكةِ العربيَّةِ السعودية تقول نوف على لسانِ إحدى قريباتِها: "كانت قريبتي ذات سعةٍ ومال، إلى أن تَوَفّى الله زوجَها بحادثة سير، تاركاً لها طفلةً صغيرة، فبعد انقضاءِ فترة حدادِها، انهالَ عليها المتقدمون للزواج، وكانت تعلم في قرارة نفسها أنَّ كل المتقدمين لها وضعهم الماديّ سيئ ويرونَ فيها فرصة إنقاذهم مما يعانونه في الحياةِ، فبقيت لفترة طويلة ترفض".

وتتابع: "مؤخراً تقدّم لها شابّ من غير الجنسية السعوديةِ، لكنه كان واضحاً معها منذ البدايةِ، إذ وضح أنّ نيّته من وراءِ هذا الزواج هي الحصول على فرصةِ الاستقرارِ بالمدينةِ المنورةِ له ولزوجتِه الأولى وأولاده، مقابلَ أن يفتتحَ لها بيتاً وينظّم أمورَ الحياة بين الزوجتين بشكل عادل".

تضيف: "وافقتْ حينها، لأن ما يهمُّها رجلٌ صادق مع نفسِه قبل أن يكون صادقاً مع غيره، وهو أوضح لها نيته الحقيقيةَ، وأوضاعه المادية متيسرة".

الأمانُ.. لا الغريزة

أما مجد، فهي فتاةٌ أمضت أغلب حياتِها في سوريا، واقتربت من الأربعين من العمر، تنقلت بين مناصبَ عملٍ مختلفةِ، في الدوائر الإدارية بالمؤسساتِ والشركات، تقول لـTRT عربي إنها بعد قصةِ حبّ طويلةٍ وعاصفة أخذتْ سنوات عشرينياتها كلها، وجدتْ نفسها على عتبةِ الثلاثين بمواجهة من يتقدمون لها بسببِ ما تملك.

بعد قصةِ حبّ طويلةٍ وعاصفة، وجدتْ مجد نفسها على عتبةِ الثلاثين بمواجهة من يتقدمون لها بسببِ ما تملك (Getty Images)

عن آخرِ المواقفِ التي عايشَتها تقول مجد لـTRT عربي: "تَقدَّم لي شابّ عن طريق أحدِ أقربائي، كان الكل يمدحه، لكني لم أرتحْ، فسألت عنه حتى توصلت إلى أنه سبَق وكان خاطباً، ولم يطلّق زوجته حتى جعلَها تتنازلُ عن كل قرش صرفه على فترة خطوبتهِما بما في ذلك المواصلاتُ والهدايا والخروجات، وجعلها أيضاً معلَّقة في ذمَّته لمدة عامٍ كامل حتى تتنازلَ عن حصتها في المهرِ الذي تقدم لها به".

تتابع مجد: "لقد صُعقت من هذا الشخص، إذ ظهر لي أنه ماديّ بحت وعلى دراية بأن لي شقةً مسجلةً باسمي، ولم أكَد أُتِمّ هذا الحدث حتى تقدم لي شاب متزوجٌ وله أولاد عدة، ويريدني زوجة ثانيةً له، كصرّاف آلي له ولأولاده ولزوجتِه الأولى".

تؤكد مجد لـTRT عربي: "لستُ نادمةً على الرفض؛ الحياة تحتاج إلى رفيق حقيقي يبعث فينا الأمان، هذا الشعورُ يمكن استجلابه من خلال الزوجِ الصالح، الأخِ، الأبِ، الصديقةِ الصَّدوقة، أما الغريزةُ فبوسع الأنثى أن تتحكّم بها على عكس الرجلِ، لهذا نجد كثيراً من الفتياتِ لا يبالين كثيراً بمسألة عزوبيتهن التي تطول أو العزوبية الأبدية.. لأن مسعاهن يكون للحصولِ على شعورِ الأمان ذاته".

لا تمدنَّ عينك

وفي الختامِ يذكرُ أحد المنشورات الفيسبوكية التي لاقت انتشاراً على مدىً واسعٍ نصيحة أُمّ لولدِها المقبل على الزواج إذ تقول له: "يا ولدي لا تمدَّن عينك إلى ما في يدِ النساءِ، فإن ذمّتها هي عصَاها التي تتوكأُ عليها حين يسحبُ الزمن رصيدَ صحّتها ويبدّد ملامحَ شبابها".

وتتابع نصحه: "يا ولدي، كنْ رجلاً لزوجك، وافعل لها دوماً من الخيرِ الكثير، واستعمل من مالِك ما يُسعِدها ويُدخِل السرورَ على قلبها، وابتعْ لها جميلَ الأشياءِ فلا تُشعِرْها بنقصٍ تمدّ به عينَها، وأعطِها من مساحتِها الشخصية ما به تفرج عن همِّها وحزنها، فالمرأة متقلبةُ الحال، مزاجية، كما تهوى الحب فإنها تهوى الحريةَ، فلا تقيّدها إلا بما فيه طاعة، ولا تتجبر عليها، وتَذكَّر أنها ضعيفةٌ فكن لها سنداً".

فيقول ذلك الشاب عن أمه: "علَّمتني أن لا أكون نطعاً أتسولَ جيوب النساء، وذهَبَهُن وحُلِيَّهن، علّمتني أن لا أكون جباناً، وأن أكونَ رجلاً،وأخبرتني أن ما يُنتقص به الرجل أخلاقه، وشؤم أخلاقِ الرجالِ (النطاعةُ والبخلُ)، ورائحةُ عرقك هي أحلى الريحِ ما دامت من كسبِ حلال".

فيا ليتَ كل الأمهاتِ والأبناءِ كتلك الأمِّ وابنها، إذاً لأصبحت كل البيوتِ تقوم على الوئامِ، وعمادُها اثنان اتّحدَا على الودِّ واتفقا على الصدقِ وخشِيَ كلاهما على الآخر من صروفِ الزمن، فاتَّكآ وتساندَا بخيرٍ مطلق، لا بنِيَّات ضامرةً خلفه، ولا مداهنة ولا مصالح، فكل ما يهمّها هو اجتيازُ عتبة الحياة بسلامٍ آمنين.

TRT عربي