وقّعت بولندا مؤخراً سلسلة صفقات لشراء دبابات وطائرات وأسلحة أخرى من كوريا الجنوبية / صورة: AP (AP)
تابعنا

كثيراً ما تتعهّد واشنطن بزيادة القدرات العسكرية للدول الأوروبية، بخاصة إذا كانت هذه الدول متاخمة للنفوذ الروسي. وليس بعيدًا عن هذا الإطار محاولة بولندا امتلاك أكبر قوة برية في القارة العجوز، ضمن توجُّه عامّ لدى وارسو إلى تحديث جيشها، في إطار مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

ووقّعت بولندا مؤخراً سلسلة صفقات لشراء دبابات وطائرات وأسلحة أخرى من كوريا الجنوبية، قدّرَت تقارير إعلامية قيمتها بين 10 و12 مليار دولار.

وحسب تقارير صحفية، فإن لدى بولندا بالفعل دبابات ومدافع هاوتزر أكثر من ألمانيا، وهي في طريقها لأن يكون لديها جيش أكبر بكثير، وتحاول أن تحقّق هدفها المتمثل في تكوين جيش من 300 ألف جندي بحلول عام 2035، مقارنةً بـ170 ألفاً لدى ألمانيا حاليّاً، متبنّية في سبيل ذلك حملة تجنيد جديدة تحظى باهتمام البولنديين جميعاً على اختلاف أحزابهم وتوجُّهاتهم.



صراع بدائل أمريكية؟

عن الصدارة المطروحة لبولندا عسكريّاً على مستوى القارة العجوز يقول المفكر السياسي الدكتور عبد المنعم سعيد، الرئيس السابق لمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية: "أشكّ أن تصبح بولندا الدولة الأولى أوروبيا في القوات البرية، أو التسليح عموماً".

وأضاف أنه في وقت الحرب ترفع جميع الدول المعنية جاهزيتها العسكرية بعدة طرق، منها زيادة ميزانية الجيش، والتعبئة العامة، وتلجأ إلى شحن حماسة مواطنيها عبر وسائل عدة، منها الآلة الإعلامية، والدفع بتصريحات سياسية وعسكرية.

وأوضح أن من نتائج الحرب الروسية-الأوكرانية لجوء بولندا إلى مثل هذه الإجراءات، مستبعداً أن تكون بولندا أكبر قوة في أوروبا، مضيفاً: "من الصعب وصول قدرة بولندا إلى هذا المستوى، فهي دولة في وضع حذر، وهو وضع فرضته الحرب الروسية-الأوكرانية، فرسالة بولندا من زيادة قدراتها العسكرية تقول فقط: لدينا قوة، فاحذروها".

وأوضح سعيد أن بولندا "تحمّلت عبء الحربين العالميتين الأولى والثانية وتخشى أن تكون ضحية حال حدوث حرب كونية ثالثة"، مضيفاً أنه لكي تحصل بولندا على هذه المكانة لا بد من أن تمتلك قوة اقتصادية عظمى، في حين أنها دولة تُعتبر أقلّ من المتوسطة قياساً إلى دول أوروبا.

وعن حصول بولندا على أسلحة ثقيلة من كوريا الجنوبية، علّق أستاذ العلوم السياسية بقوله: "تريد بولندا تحصين نفسها، لذا سعت للحصول على أسلحة من كوريا الجنوبية"، منوّهاً بعدم تزويد ألمانيا لبولندا بأي تسليح ثقيل خوفاً من توريط أوروبا في حرب مباشرة مع الروس.

وأشار إلى وجود "نزعة قومية متطرفة داخل بولندا تحرّك الأحداث"، وهذه النزعة القومية، حسب سعيد، بينها وبين روسيا صراع تاريخي، يمكن أن يورّط أوروبا كلها ميدانيّاً في الحرب الروسية-الأوكرانية حال توريد ألمانيا أسلحة ثقيلة إلى بولندا".

وقال إن حرص حلف الأطلسى على عدم دخول صراع مباشر مع روسيا هو سبب عدم تفعيل ما عرضته ألمانيا على بولندا نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من تزويدها بقاذفات صواريخ باتريوت.

ورجّح سعيد أن بولندا لا يمكنها أن تحلّ محلّ بريطانيا أو ألمانيا لدى أمريكا، لا على المستوى العسكري ولا على أي مستوى آخر، لافتاً إلى روابط قوية بين أمريكا وبريطانيا، فضلاً عن علاقات تاريخية ودينية متشابكة بينهما، وبالتالي لا يمكن لأي دولة أوروبية أن تنزع هذه العلاقة وتحلّ محلّ قوى كبرى.

لماذا بولندا؟

تعمل بولندا مع الولايات المتحدة على دعم كييف عسكرياً عبر تزويدها بمقاتلات بولندية، فيما تزيد كييف الضغط على الغرب لتعزيز قدرات سلاحها الجوي حتى تتمكن من صد الهجمات الروسية.

يشار إلى أنه في النصف الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2022، حصلت بولندا على الدفعة الأولى من شحنة أسلحة ثقيلة من كوريا الجنوبية، قيمتها الكلية 6 مليارات دولار.

وتضمنت الشحنة دبابات K2، بالإضافة إلى شحنة مدافع هاوتزر ذاتية الحركة ستُسلَّم قريباً.

وأقرت الولايات المتّحدة الثلاثاء صفقتين عسكريتين لبيع أسلحة ومعدات عسكرية تشمل مروحيات ودبابات إلى بولندا وكوريا الجنوبية.

ووافقت واشنطن على بيع وارسو 116 دبابة إضافية من طراز "أبرامز" وأسلحة ثقيلة أخرى، في صفقة تبلغ قيمتها الإجمالية 3.75 مليار دولار، وتأتي بعدما اشترت بولندا 250 دبابة من هذا الطراز في أبريل/نيسان الماضي.

من ناحية أخرى، جاء في تقرير لموقع "بوليتيكو" عن "القوة العسكرية العظمى القادمة في أوروبا"، على لسان مسؤول كبير بالجيش الأمريكي في أوروبا: "أصبحت بولندا أهمّ شريك لنا في أوروبا القارية"، مشيراً إلى الدور الحاسم الذي لعبته بولندا في دعم أوكرانيا وفي تعزيز دفاعات الناتو في دول البلطيق.

وفي آخر أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال الوزراء البولندي ماثيوز موراوسكي، في مراسم أداء اليمين لجنود لواء الدفاع الإقليمي الثامن عشر في العاصمة وارسو: "عند إنشاء قوات الدفاع قبل سنوات قليلة، تَعرَّضت للسخرية والاستهزاء"، حسب موقع pap المتخصص في الشأن البولندي.

واستدرك موراوسكي بأن "هذه الشكوك هدأت الآن، وأصبحنا نوجّه أفكارنا ودعمنا للجيش البولندي والجندي البولندي وقوات الدفاع الإقليمية، والقوات العملياتية".

وفي حين أن ألمانيا، الحليف الرئيسي لأمريكا تقليديّاً في المنطقة، لا تزال محوراً رئيسيّاً كمركز لوجستي، قال المسؤول الأمريكي إن "مناقشات برلين التي لا تتوقف حول كيفية إحياء جيشها، وافتقارها إلى ثقافة استراتيجية، عاقت فاعليتها كشريك".



TRT عربي