وفاء الأسود.. كيف يقود أبناء المهاجرين المغاربة منتخبهم إلى إنجاز مونديالي؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

يُعد المغرب أحد أكبر البلدان التي تملك جاليات واسعة من مواطنيه بالمهجر، إذ يبلغ تعداد مغاربة العالم حوالي 5 ملايين نسمة، أغلبهم منتشر في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وهو ما ينعكس على تركيبة تشكيلة أسود الأطلس المشاركة في كأس العالم، الجارية منافساتها حالياً في قطر، إذ تتكون في أغلبها من لاعبين يحملون جنسيات بلدان مولدهم ومنشئهم.

ويضم المنتخب المغربي 14 لاعباً من أصل 26 ولدوا خارج أراضي المملكة، اثنان منهم وُلدا في إسبانيا، وأربعة في هولندا، وثلاثة في فرنسا، وثلاثة آخرون في بلجيكا، وواحد في إيطاليا وآخر في كندا. هذا إضافة إلى اللاعب عبد الحميد الصبيري الذي يحمل الجنسية الإيطالية بالرغم من ولادته بالمغرب، والمدرب وليد الركراكي المولود في مدينة كورباي إيسون الفرنسية.

ومع ذلك، نجحت هذه التشكيلة في خط إنجاز مونديالي لأسود الأطلس في قطر، إذ نجحوا، في التغلب على منتخب إسبانيا والتأهل لأول مرة في تاريخ المغرب إلى ربع النهائي كأس العالم.

وعلى حد وصف المدرب، فإن هؤلاء اللاعبين "مستعدون للموت من أجل الفريق والخطة"، في تأكيد لالتزامهم العاطفي والروحي تجاه بلدهم الأم، والتزامهم بالدفاع عن الألوان الوطنية. والذي أبان عنه أغلبهم من قبل، عبر اختيارهم اللعب للمغرب، بالرغم من العروض التي قدمت إليهم من طرف منتخبات بلدان المنشأ.

وهو ما يدفع الكثيرين لطرح أسئلة حول الأسباب الاجتماعية والرياضية التي تقف وراء هذا الاختيار، كما حول القيمة الكروية المضافة التي يملكها المنتخب المغربي انطلاقاً من تحصله على هذه الأسماء الكبيرة في الساحة العالمية لكرة القدم.

اختاروا تمثيل وطنهم الأم!

بالنسبة لأشرف حكيمي فإن القرار واضح منذ البداية، وهو ما أعرب عن أسبابه في حوار سابق مع صحيفة "ليكيب" الفرنسية، بالقول: "ثقافتي مغربية، في البيت نتحدث العربية، نأكل الطعام المغربي، أنا مسلم (...) شاهدت المباريات في المغرب مع والدي، الذي أخبرني الكثير عن اللاعبين الرائعين في البلد".

حكيمي الذي يعد من أفضل الاعبين في مركز الظهير الأيمن في عالم كرة القدم اليوم، بشهادة زميله في "نادي باري سان جرمان" النجم كيليان مبابي، هو ابن أسرة مغربية مهاجرة في إسبانيا ومولود في مدينة خيتافي. بدأ حكيمي مسيرته الكروية في مدرسة نادي "ريال مدريد"، ولعب لفريقه الأول، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا مع نادي "بروسيا دورتموند"، ثم نادي "إنتر ميلانو" الإيطالي، وبعدها إلى نادي العاصمة الفرنسية الذي يلعب فيه اليوم.

وخلال هذه المسيرة الحافلة، وقبل تمثيله للمنتخب المغربي الأول، كان حكيمي على قائمة أهداف كشافي المنتخب الإسباني، الذين حاولوا جاهدين ليكون اسمه ضمن تشكيلة "لاروخا"، غير أنه رفض بشكل قاطع. وهو ما تحدث عنه اللاعب في حوار أخير، قائلاً: "شعرت أنه لم يكن المكان المناسب لي لم أشعر أنني في وطني دون سبب محدد".

هو الارتباط العاطفي ذاته الذي قاد زميله حكيم زياش إلى اللعب للأسود. هو المولود في هولندا، وتدرج في نادي "تفينتي" الهولندي ومنه إلى "أياكس أمستردام"، قبل أن يقوده "قلبه" إلى تمثيل المغرب. الأمر الذي أكده في حوار له عام 2015، وحتى قبل أن يلعب أولى مبارياته الرسمية بالبدلة الحمراء والخضراء، قائلاً: "لم أختر المنتخب المغربي لتأخر هولندا في استدعائي، بل اخترته لأنه اختيار القلب".

ولا يقف هذا التفضيل عند من هم أكبر سناً مثل زياش وحكيم، أو الأخوين أمرابط واللاعب نصير مزراوي الذين اختاروا المغرب عوضاً عن اللعب لهولندا. بل يمتد إلى اللاعبين الأصغر سناً، كما هو الحال بالنسبة لبلال الخنوس ذي الـ18 ربيعاً، نجم فريق جينك البلجيكي، والذي لبى نداء الركراكي بعد أن استدعاه ضمن تشكيلة المونديال في قطر.

وفي هذا الصدد، أوضح الخنوس: "لبّيت نداء القلب، واخترت اللعب مع المغرب على حساب بلجيكا، وأنا سعيد بهذا القرار، زملائي وعائلتي في بلجيكا والمغرب كانوا سعداء لاختياري تمثيل المنتخب المغربي، فرغم الضغط الذي عانيته مؤخراً، إلا أنني مقتنع بأن اللعب مع المنتخب المغربي، سيكون في صالحي، أنا سعيد بالخطوة التي أقدمت عليها، وإن عدت إلى الوراء سأختار اللعب لبلدي الأصلي".

وغير هؤلاء اللاعبين، تضم التشكيلة المغربية كلاً من سفيان بوفال وأمين حارث ورومان سايس المولودين بفرنسا، وزكرياء بوخلال الذي ولد في هولندا لأب ليبي وأم مغربية، وسليم أنلاح وإلياس الشاعر الذين ولدوا ببلجيكا، ووليد شديرة المولود بإيطاليا، والحارس ياسين بونو المولود بكندا.

نداءات القلب وأسباب أخرى

بالنسبة إلى المحلل الرياضي المغربي أيمن زيزي، فإن "نداء القلب" يبقى العامل الرئيسي في اختيار اللاعبين من أبناء الجالية تمثيل منتخب وطنهم الأم، عوضاً لمنتخبات بلدان المولد والمنشأ. وأوضح زيزي في حديثه لـTRT عربي بأن: "هؤلاء اللاعبين اختاروا اللعب للمغرب بدرجة أولى بعيداً عن أي اعتبارات رياضية، بل لاعتبارات عاطفية أخلاقية وتربوية".

ويضيف المحلل المغربي بأنه: "هنا نقف عند الدور الكبير الذي لعبه الآباء في زرع حب الوطن في أبنائهم، وتنشئتهم على الثقافة المغربية والتشبث بالأصول، وبالتالي هؤلاء اللاعبون لا يحسون بأن لديهم انتماء لبلد المنشأ، عكس انتمائهم الكبير لبلد الآباء والأجداد وهذا ما يجعلهم يختارون المنتخب المغربي".

وحسب المتحدث ذاته فإن هذا الأمر يتعلق بظاهرة واسعة الانتشار في أوساط الجالية المغربية بالمهجر، ولهذا "أصبحنا نعاين خلال العشرين أو ثلاثين سنة الأخيرة، إقبال العديد من اللاعبين المغاربة بالمهجر إلى تمثيل المنتخب الوطني، وأصبح المنتخب بدوره يستفيد من خبرة هذه العناصر المتمرسة".

هذا الارتباط الذي يفسره أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الأول فريد بوجيدة، في حديثه لـTRT عربي، بحضور الوازع الديني الذي يعبّر لدى المهاجرين عن الانتماء الثقافي والهوياتي إلى البلد الأم. وصرح بوجيدة: "في الحقيقة مفهوم الوطن ملتبس عند المهاجرين، خاصة في أوروبا، لأنه يتداخل بشكل بنيوي مع الدين، وهو ما أظهرته عدة دراسات. وبالتالي هم لا يميزون بين الوطن كمجال ترابي بالدرجة الأولى، وبين الهوية عامة التي يحضر فيها الدين بشكل واضح".

ويضيف أستاذ علم الاجتماع المغربي: "من هنا يمكن أن نتحدث عن الروابط الاجتماعية التي تشد المهاجرين إلى وطنهم. فهم، أي المهاجرين، يتشبثون بالوطن مخافة الاقتلاع ويتكتلون حالياً، بخاصة في ألمانيا، ويحاولون الحفاظ على الوطن لا كذاكرة تشدهم إلى بلدهم الأصل فقط بل كهوية مختلفة".

خيار ضد العنصرية؟

حسب الأستاذ بوجيدة، ثمة دافع آخر يقف وراء اختيار هؤلاء المغاربة الانضمام إلى أسود الأطلس، وهو التمييز الذي يتعرضون له أثناء لعبهم في بلدان المنشأ، والذي يأخذ في بعض الأحيان أشكالاً عنصرية. وهو ما يوضحه بالقول: "فهناك في اعتقادي دوافع أخرى تتعلق بمسارات اللاعبين. إنهم حقاً يريدون إثبات الذات وسط تنافس قوي بين جنسيات مختلفة، وفي سياق ثقافي يذكرهم دائماً بامتداداتهم الإثنية والذي يتخذ في كثير من الأحيان طابعاً عنصرياً".

وفي السياق ذاته، يرى منير الصبار، محلل الأداء المحترف بنادي "الاتحادي الإسلامي الوجدي" بالمغرب، بأنه "غالباً ما يأتي قرار اللعب للمنتخب الوطني بعد وقوف الآباء ووكلاء الأعمال واللاعبين على تجارب مجموعة لاعبين آخرين جرى تهميشهم بسبب اعتقادهم أنهم جزء من قميص منتخب المنشأ، ثم صدموا بعد ذلك بأنهم كانوا مجرد أداة جرى تأمين استعمالها مستقبلاً بإقحامها في مباراة رسمية".

وفي أمثلة على ذلك، يذكر المحلل المغربي لـ TRT عربي، اللاعبين أنور غازي وإبراهيم دياز، قبل أن يشدد على أنه "بالمقابل لا تتخلى البلاد الأم عن أبنائها"، وظهر ذلك مع زياش ومزراوي وحمد الله.

إضافة إلى هذا، يعاني مغاربة المهجر ضغوطاً كبيرة عند اختيارهم اللعب للمغرب، مثل تلك التي عاناها اللاعب حكيم زياش في هولندا، حيث تحاملت عليه الصحافة والجمهور، ووصفه نجم المنتخب الهولندي السابق ماركو فان باستن بـ "الغبي" لذلك الاختيار.

وفي حوار سابق له لصحيفة "فولكس كرانت" الهولندية، يحكي حكيم زياش عن تلك الضغوطات قالاً: "عندما فضلت المغرب على هولندا قالوا عني لاعب منتهٍ لا فائدة مني وكانت تصحبني صافرات الاستهجان في كل مكان". هذا قبل أن يجدد رضاه عن ذلك الاختيار قائلاً: "سعيد بارتداء قميص المغرب ولا يمكنني أن أفعل أي شيء للهولنديين ولم يعد يعني لي منتخب هولندا شيئاً، اخترت أسود الأطلس بقلبي وفخور بقراري".

يقودون بلادهم نحو إنجاز مونديالي

وبفضل هذه التشكيلة، المكونة بشكل كبير من مغاربة المهجر، بمن فيهم المدرب وليد الركراكي، نجح أسود الأطلس في العبور إلى دور الـ16. وهو ما يحيل على الإضافة الكبيرة التي يقدمها هؤلاء اللاعبون للمنتخب المغربي، وكون ذلك المنتخب يتوفر على خزان لاعبين متميزين من أبناء الجالية المهاجرة.

ويرجع المحلل الرياضي أيمن زيزي هذا الأمر إلى "وجود سياسات كروية متطورة في أوروبا، تجعل من أولئك اللاعبين أكثر تنافسية في تمثيل القميص المغربي، مقارنة باللاعبين المحليين". وهو ما يبرز، حسبه، في "وجود كفاءات في تدريب وتوجيه اللاعبين كما بنية تحتية رياضية متطورة، ما ينمي بشكل كبير موهبة هؤلاء الاعبين، عكس اللاعبين المحليين الذين لا يحظون بإمكانيات مماثلة لتطوير موهبتهم".

وبشكل أكثر تقنية، يوضح محلل الأداء منير الصبار، بأن "جميع اللاعبين المغاربة، سواء في المغرب أو في الخارج، في سن 6 سنوات يكونون على درجة الصفاء الذهني والاستعداد البدني والفطرة الفنية نفسها، ومع تدرجهم في التكوين من الأسفل إلى الأعلى تتسع الفجوة الذهنية والبدنية والفنية".

ويضيف مفسراً: "على المستوى الفني، في أوروبا، في سن 12 يكون الطفل جاهزاً للعب كرة القدم في ملعب 11 ضد 11، ولكن محلياً، طفل 12 سنة يعاني من تأخر في التكوين، فيجد المكون نفسه يعيد معه أبجديات كرة القدم التي من المقرر أن يكون قد أتقنها في سن 9 أو 10 سنوات".

وعلى المستوى المحلي، يورد الصبار، "تمرن الأطفال بدنياً على التوافق الجسدي والسرعة والتسارع بدون كرة أو بإشراك جزئي للكرة، كأنهم سيلعبون مباراة نهاية الأسبوع، ولكن في واقع الملعب كل حركات الطفل الجسدية ستكون مُسخرة لعمل بدني خاص مع الكرة وفق لحظة مكانية لها ظروفها، واللاعب الأوروبي تجري تنشئته على ذلك، على العمل البدني مع الكرة".

وبهذه الكفاءات الكروية، قاد اللاعبون المغاربة من أبناء المهجر كتيبة أسود الأطلس في مباراة مصيرية، ضد إسبانيا كللت بالفوز والتأهل لربع نهائي مونديال قطر.

TRT عربي