تبلغ واردات إسبانيا من الغاز الجزائري 12 مليار متر مكعب سنوياً. (Anis Belghoul/AP)
تابعنا

في 19 مارس/ آذار الماضي، وقف وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس يوم الجمعة أمام الصحفيين في برشلونة، وأعلن: أن "إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي المُقَدّمة في 2007 (من المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة بوليساريو. مؤكداً فحوى الرسالة التي بعث بها قبل ذاك رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي محمد السادس.

خطوة استقبلتها الرباط بحفاوة، كونها أتت خاتمة لأزمة ديبلوماسية دامت لشهور طويلة مع جارتها الشمالية. وأثمرت هذه الخطوة زيارة سانشيز للمغرب، التي كرَّست تطبيع العلاقات بن البلدين، وفتح الحدود بينهما، وعودة النقل البحري ووقعت اتفاقيات شراكة اقتصادية وثقافية واجتماعية بين الطرفين.

فيما على الجانب الآخر، في الجزائر، ردَّت على التغير المفاجئ في الموقف الإسباني بسحب سفيرها من مدريد، احتجاجاً على ما أسمته "قراراً غير مقبول". لكن وعلى عكس ما حصل سابقاً مع المغرب، لم توقف الجزائر إمداداتها من الغاز نحو إسبانيا، ما دفع عدد من المراقبين للتساؤل حول هذا الإجراء.

موقف "غير مقبول"... ولكن؟

خلال مقابلة صحفية له الأحد، عاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى التغيير الذي طال الموقف الإسباني من ملف الصحراء، وردة فعل بلاده إزاء ذلك. وقال تبون إنّ الجزائر "لها علاقات طيّبة مع إسبانيا"، لكنّ الموقف الأخير لرئيس الحكومة الإسبانيّة بيدرو سانشيز من القضيّة "غيّرَ كل شيء".

وأضاف: "لن نتدخّل في الأمور الداخليّة لإسبانيا، ولكنّ الجزائر كدولة ملاحِظة في ملفّ إقليم الصحراء، وكذلك الأمم المتحدة، تعتبر أنّ إسبانيا القوّة المديرة للإقليم ما دام لم يُتوصّل إلى حلّ لهذا النزاع. وبالتالي نطالب بتطبيق القانون الدولي حتّى تعود العلاقات إلى طبيعتها مع إسبانيا التي يجب ألا تتخلّى عن مسؤوليتها التاريخيّة، فهي مطالبة بمراجعة نفسها".

بالمقابل، أشار تبون بأنه رغم الأزمة لم تطرأ أي تغييرات على اتفاقات توريد الغاز بين البلدين. وشدد على أنّ بلاده "لن تتخلّى عن التزامها تزويد إسبانيا بالغاز مهما كانت الظروف". وفي ذات السياق، سبق وأعلنت شركة "سوناطراك" الجزائرية أنها "لا تستبعد مراجعة أسعار صادراتها من الغاز نحو إسبانيا".

وصرّح الرئيس المدير العام لـ"سوناطراك" توفيق حكار بأنّه "منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والبترول"، وتابع: "وقد قرّرت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقديّة الملائمة نسبياً مع جميع زبائنها، غير أنّه لا يُستبعَد إجراء عمليّة مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني".

لماذا تحرص الجزائر على تصدر الغاز لإسبانيا؟

تمتلك إسبانيا عقود استيراد طويلة الأمد للغاز الجزائري، الذي تعتمد عليه بشكل كبير في سد حاجاتها من هذه المادة الأساسية، إذ يبلغ حجم الواردات إسبانيا من هذا الغاز حوالي 12 مليار متر مكعب سنوياً. وبالتالي تكون تكلفة فسخ هذا النوع من العقود كبيرة، لكونها غالباً ما تحتوي على شرط جزائي ثقيل.

وسادت مخاوف في مدريد حول ما إذا كانت الجزائر قادرة على الإيفاء بالتزاماتها، ذلك مع قرارها بإيقاف التصدير عبر خط "المغرب العربي-أوروبا" المار من الأراضي المغربية، نظراً للقطيعة الدبلوماسية بين البلدين المغاربيين. لكن السلطات الجزائرية طمأنت الطرف الإسباني بقدرة خط "ميد غاز" على الإيفاء بهذه الالتزامات، إذ تبلغ قدرته الاستيعابية 16 مليار متر مكعب، حسب أرقام "سوناطراك".

فيما يزداد الطلب الأوروبي على الغاز الجزائري مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وسعي الأوروبيين إلى التخلص من الغاز الروسي. هذا ما تؤكده الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي للجزائر، وتوصل البلدين إلى اتفاق بتعزيز صادرات الغاز نحو إيطاليا بـ 9 مليار متر مكعب في السنة، ليبلغ مجموع الواردات 31.5 مليار متر مكعب.

وفي هذا الظرف العالمي تسعى الجزائر إلى مضاعفة أرباحها منه، الأمر الذي يفسر خطوة "مراجعة أسعار الواردات" التي أعلنتها "سوناطراك" بداية الشهر. خطوة تأتي بديلاً عن تحقيق أرباح من مضاعفة الإنتاج، فحسب الخبير الاقتصادي الجزائري مصطفى مقيدش أنه: "رغم المطالب والضغوط من طرف أوروبا، فليس بالإمكان أن تضخ الجزائر أكثر مما هو متاح ومتوافر.. الجزائر لن تستنزف حقولها في عملية كهذه".

TRT عربي