تابعنا
أصبحت معدلات السمنة عبر العالم، والتوقعات بارتفاع نِسَب المصابين بها في مختلف الدول، وما يترتّب عليها من ارتفاع في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، مؤرقة للدول والمنظمات العالمية، إذ وصفت منظمة الصحة العالمية السمنة في تقريرها لعام 2016 بـ"الجائحة".

تُعتبَر عقاقير إنقاص الوزن ملاذاً وخياراً لدى كثير ممّن يعانون السمنة، وأصبح من الشائع مجتمعياً أنّها طريقة سريعة لتخفيض الوزن، خصوصاً لمن يعجزون عن التزام الحمية ونمط حياة نشط بدنياً، لأسباب متعددة، ضمنها ظروف عملهم ونمط حياتهم، وكذلك عدم القدرة على كبح جماح النفس في ما يخص نظامهم الغذائي.

ومع الإقبال على هذا النوع من الأدوية التي تَعِدُ بجسد نحيف ومثالي، فإنّ هناك مخاوف عديدة من تأثيراتها في الصحة الجسدية والنفسية.

وقدّر تقرير نشرته وكالة رويترز أنّ بإمكان هذا النوع من الأدوية أن يؤدي إلى أعراض خطيرة، منها الاكتئاب والأفكار الانتحارية.

وعود ومخاوف

أصبحت معدلات السمنة عبر العالم، والتوقعات بارتفاع نِسَب المصابين بها في مختلف الدول، وما يترتّب عليها من ارتفاع في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، ومعدلات الإنفاق الحكومي الناتج، مؤرقة للدول والمنظمات العالمية، إذ وصفت منظمة الصحة العالمية السمنة في تقريرها لعام 2016 بـ"الجائحة".

شمل تقرير رويترز الذي نُشر في 28 سبتمبر/أيلول الماضي ثلاثة عقاقير، هي: ويغوفي (سيماغلوتايد)، وسكسيندا (ليراغلوتايد)، وكلاهما يعمل على كبح الشهية، وأوزمبيك (سيماغلوتايد) المخصص لمرضى السكري الذي يُستعمل لعلاج أمراض السمنة.

وأشار التقرير إلى أنّ هذه العقاقير تُسبِّب الاكتئاب والتفكير في الانتحار وسلوكيات إيذاء النفس، قائلاً إنّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) قد تلقَّت 265 تقريراً في فئة تقارير الأعراض الجانبية منذ عام 2010.

وتحدثت التقارير عن تَسبُّب هذه الأدوية في أفكار وسلوكيات انتحارية، إضافةً إلى تَسبُّبِها في الاكتئاب، فيما أشار 36 تقريراً عن حالات وفاة ناتجة عن الانتحار أو الاشتباه بالانتحار، ولكن لم يُلقَ بال لهذه التقارير طوال هذه السنوات.

وتُعتبر مراجعة رويترز أول فحص شامل لتقارير الأحداث السلبية والأعراض الجانبية المرتبطة بحوادث الانتحار والتفكير في الانتحار المتصلة بهذا النوع من العقاقير، رغم ورود التقارير لموقع FDA منذ 13 عاماً.

وطالبت رويترز في مراجعتها بالحصول على روايات مفصّلة وتقارير أكثر توسعاً حول 113 تقريراً فردياً من ضمن 265 تقريراً توصلت إليها الإدارة العامة للغذاء والدواء.

وأفادت التقارير الفردية بأنّ الأعراض النفسية ارتبطت بشكل مباشر بتناولهم لأحد العلاجات الثلاثة، ومن ثم اختفت بعد التوقف عن تناول العلاج أو خفض الجرعة، مما يرجّح أنّ هذه الأعراض مرتبطة بشكل أكبر بتناول العلاج نفسه لا بعوامل ومؤثرات فردية أخرى. وطرحت هذه المعطيات تساؤلات حول ما إذا ما كان اللوم يقع حقاً على هذه العلاجات.

أعراض جانبية

وقال الدكتور ثوماس جيه مور (Thomas Moore) عضو هيئة التدريس في كلية جونز هوبكنز للصحة العامة، في تصريح للوكالة، إنّ هذه التقارير لا تعني إلقاء اللوم على العلاج نفسه بحدّ ذاته، ولا تعني أيضاً رفض التقرير من دون التحقق من صحّته.

وأشار 30 تقريراً من أصل 265 إلى وجود مشكلات نفسية سابقة لدى المرضى، أي إنّ لديهم تاريخاً مرضياً مرتبطاً بالاكتئاب أو بالتفكير في الانتحار.

وقد أشارت 5 تقارير إلى غياب أي تاريخ مرَضي نفسي، فيما لم تذكر التقارير وجود تاريخ مرَضي سابق أو عدم وجوده.

وتجب الإشارة هنا إلى أنّ تقارير الأعراض الجانبية لا تُعتبر دليلاً علمياً قاطعاً، بل تحذّر المجتمع وتدعو إلى إجراء تحقيق ومراجعات للتأكد من صحتها أو عدمها، ومن ثم اتخاذ إجراءات مناسبة كوقف تسويق هذه الأدوية أو إضافة ملصق تحذيري لها أو وضعها تحت الدراسة والمراقبة مجدّداً.

وأصبحت تقارير الأعراض الجانبية المتمثلة بالتفكير بالانتحار وإيذاء النفس وكذلك الاكتئاب تخضع للتدقيق والتحقيق المستمر، ومن ضمنها تحقيق أجراه المنظمون الأوروبيون في يوليو/تموز الماضي، ومراجعة أجرتها وكالة الأدوية الآيسلندية أخضعت بدورها عقاقير أخرى لإنقاص الوزن للمراجعة.

هل تتجاهل الشركات الأعراض الجانبية؟

أصدرت شركة نوفو (NOVONORDISK) المصنعة لعلاجَي سكسيندا وويغوفي بياناً تقول فيه إنّها تأخذ التقارير حول الأعراض الجانبية على محمل الجدّ، وإنّها ستُتابع الدراسات والتجارب السريرية (Clinical Trials) لهذه العلاجات.

وأضافت الشركة أنّ التحقيق في هذه التقارير سيجري بالتعاون مع السلطات، لافتةً إلى أنّها تثق بالفوائد والمخاطر المدرجة لكل علاج ودرجة أمانه، وأنّ لجنة مراقبة السلامة لديها لم تجد أي علاقة سببيّة بين العقاقير الواردة في التقارير وأي أفكار لإيذاء النفس.

وكان الملصق الخاص بعلاج ويغوفي، الذي وافقت عليه السلطات الصحية عام 2021، ذكر أنّه جرى الإبلاغ عن أفكار انتحارية مرتبطة بتناول أدوية أخرى خلال الدراسات السريريّة.

وبناءً عليه دعت الشركة المصنّعة للدواء الأشخاص الذين عانوا مسبقاً من الاكتئاب والتفكير في الانتحار إلى تجنب تناول العلاج.

وعلى الصعيد نفسه أشارت إدارة الأدوية والأغذية الأمريكية إلى أنّ علاج سكسيندا الذي صُدِّق عليه عام 2014 باعتباره علاجاً معتمداً لإنقاص الوزن، ارتبط خلال التجارب السريرية بأفكار وسلوكيات انتحارية.

ولم تَرِد أيُّ معلومات على ملصق علاج أوزمبيك بخصوص الأفكار الانتحارية كأثر جانبي محتمل.

تحقيق وحالات شبيهة

بناءً على ما سبق، تحقق وكالة الأدوية الأوروبية والوكالات الصحية الكندية والبريطانية والشركات المصنعة للأدوية في احتمال ارتباط أدوية إنقاص الوزن بالأفكار الانتحارية.

ويتوقع المنظمون الأوروبيون إصدار نتائج المراجعة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي، وستتخذ إجراءات بناءً على النتائج.

ويُتوقع أن تكون الإجراءات ضمن خيارات محدّدة، منها إضافة ملصق تحذيري، وإصدار قيود عاجلة على العلاجات المعنيّة، أو طلب إجراء دراسات سريرية أكثر شمولاً لمعايير السلامة ودرجة أمان العقاقير.

يُشار إلى أنّ أدوية عدة غير مخصصة لعلاج السمنة تطلبت فترة طويلة لإطلاق التحذيرات بشأنها باعتبارها مسبباً للانتحار والأفكار الانتحارية، مثل علاج الأمراض التنفسية والحساسية (Singulair) الذي أصدر التحذير الخاص به بعد 12 عاماً من ورود التقارير.

ومُنِعت أيضاً عقاقير أخرى لإنقاص الوزن أو لم يُصدَّق على تسويقها لارتباطها بالأفكار الانتحارية مثل Contrave، وعقاقير أخرى تحمل تحذيراً بالتوقف المباشر عن استعمالها في حال ورود أي أفكار انتحارية وأعراض نفسية لدى المريض مثل Qsymia.

TRT عربي
الأكثر تداولاً