أفراد من الياكوزا اليابانية - صورة أرشيفية (Others)
تابعنا

إلى جانب الاقتصاد المزدهر والتكنولوجيا الحديثة وأفلام الأنمي، تشتهر اليابان أيضاً بعصابات الياكوزا التي تعد من أشهر وأخطر عصابات المافيا على مستوى العالم وأكثرهم غنى. وبينما ترجح تقارير الشرطة اليابانية وصول عدد منتسبي العصابة إلى أكثر من 100 ألف عضو، خرجت تقارير مالية مؤخراً تفيد بأن دخل العصابة تجاوز حاجز الـ80 مليار دولار خلال عام 2015.

وبالتزامن مع انخراط أفراد الياكوزا في العديد من الأعمال الإجرامية مثل الابتزاز والدعارة وتهريب المخدرات والقمار والاقتراض غير المشروع داخل اليابان وخارجها في دول آسيوية أخرى، وتورطهم في أنشطة إجرامية في جميع أنحاء العالم، فإن العصابة تلتزم بمسؤوليات أخلاقية تجاه الشعب الياباني وتمد يد العون من خلال تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والمحتاجين وقت وقوع الزلازل والكوارث الطبيعية.

وعلى الرغم من ظهور قادة العصابة بوجوههم إلى العلن وامتلاكهم لمقرات رسمية تحمل شعاراتهم الخاصة وسط المدن اليابانية، فضلاً عن إجرائهم مقابلات صحفية مع المجالات وقنوات التلفزة في البلاد، إلا أن الشرطة اليابانية تفشل دائماً في الحد من خطر العصابة وانتشارها نظراً للدعم الكبير الذي تتلقاه الياكوزا من قبل سياسيين كبار داخل الحكومة وبيروقراطيين داخل جهاز الأمن والشرطة.

التأسيس وما لحقه

يرجع تاريخ تأسيس الياكوزا والمعروفة أيضاً باسم "جوكودو" إلى أكثر من 4 قرون، وتحديداً في القرن السابع عشر الميلادي عندما اضطر محاربو الساموراي العاطلين عن العمل والمهمشين في المجتمع إلى تأسيس عصابات صغيرة لمهاجمة القرى وحانات لعب القمار وعابري السبيل من السكارى ولاعبي القمار.

ويعود أصل كلمة ياكوزا التي تصف المهمشين إلى لعبة ورق يابانية قديمة تسمى "هانافودا"، فيما تشتهر أكبر عصاباتها التي تأسست عام 1915 باسم ياماغوتشي غومي نسبة إلى مؤسسها ياماغوتشي هاروكيتشي الذي عمل صياداً ورئيساً لعصابة تتحكم بإرسال عمّال الشحن والتفريغ الذين يعملون باليومية في مدينة كوبي الساحلية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر انحرفت الياكوزا عن مسارها التي أُسست عليه وهو حماية القرويين والضعفاء، لتصبح عصابة كبيرة ومنظمة تتحكم في التهريب وإدارة أعمال الدعارة والقمار بجانب العديد من الأنشطة الإجرامية الأخرى. ليس ذلك فحسب، بل عملت في ثلاثينيات القرن الماضي بشكل وثيق مع سياسيين وبعض القوميين لقتل رئيس الوزراء وأتباعه حينها.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية والهزيمة التي لحقت باليابان، نشطت الياكوزا بشكل أكبر وازداد نفوذها داخل المجتمع بين السياسيين والفنانين ورجال الشرطة ورجال الأعمال وأصحاب كبرى الشركات، وتجاوز عدد أعضائها أكثر من 180 ألف عضو في فترة الستينيات ليبلغ أكثر من 200 ألف منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتوسعت أعمالهم لتشمل العقارات والبنوك والنقل وجميع المجالات التجارية الأخرى تزامناً مع الازدهار الذي شهده الاقتصاد الياباني.

التنظيم والولاء

تشتهر الياكوزا اليابانية بكونها الأكثر تنظيماً على مستوى العالم، وكما هو حال المافيا الإيطالية تمتاز الياكوزا بتراتبية هرمية تتخذ من العائلة مرجعاً لها، حيث يجلس على قمة الهرم الأب الروحي وزعيم العشيرة الذي يطلق عليه لقب "الأويابون"، وأسفل منه يأتي المستشار " السايكو كومون"، يليه "الواكاجاشيرا" وهو الوسيط الذي ينفذ تعليمات الزعيم.

وتستمر التراتبية في الهبوط حتى وصول الإخوة وهم زعماء العائلات التي تتفرع إلى عصابات صغيرة يطلق عليها الأولاد أو الأطفال، ويستمر هذا التفرع إلى أن يصل تعداد العشيرة إلى الآلاف.

ويصل عدد عشائر الياكوزا اليابانية إلى أكثر من 20 عشيرة، أكبرها ياماغوتشي غومي، وسوميسي كاي وإيناغاوا كاي، حيث يشكل أعضاء هذه العشائر 70% من أعضاء الياكوزا مجتمعة.

وتشترط الياكوزا شروطاً صعبة لقبول الأعضاء بين صفوفها، حيث تجبر الأشخاص الجدد على وهب حياتهم بالكامل للعصابة وتشترط عليهم أيضاً الإدانة بولاء تام للعصابة وتنفيذ الأوامر مهما كانت. كما تفرض الياكوزا عقوبات من نوع خاص على مرتكبي الأخطاء من أعضائها، حيث يجبر الشخص على قطع إصبع من يده تكفيراً عن أفعاله الخاطئة التي مست العشيرة، وهو التقليد المعروف باسم "يوبيتسوما".

كما ويشتهر أعضاء الياكوزا بالوشوم التي تغطي أجسادهم، والتي تعد وسيلة لاختبار القوة وتحمل الألم فضلاً عن كونها تحمل دلالات لا يعرفها سوى أعضاء المجموعة.

تفاعلهم مع المجتمع

على الرغم من أنشطتهم الإجرامية وأساليبهم التي تكون موضع شك في الأغلب، إلا أن أعضاء الياكوزا معروفون بأداء أعمال خيرية ومد يد العون للفقراء والمحتاجين والمنكوبين، مثل التبرع وإيصال الإمدادات لضحايا الزلزال خلال زلزال كوبي عام 1995 وتسونامي عام 2011، فضلاً عن مشاركتهم في جهود الإغاثة وتوفير المساعدات والمؤن الغذائية خلال الكوارث الطبيعية.

وبمرور الوقت، تحولت الياكوزا نحو جرائم ذوي الياقات البيضاء، معتمدين أكثر فأكثر على الرشوة بدلاً من العنف، واللافت أنهم كانوا من أقل الجماعات الإجرامية فتكاً في العالم في أوائل القرن الحادي والعشرين.

كما وبات زعماء الياكوزا وكبار أعضائها يحظون باهتمام الإعلام المحلي والعالمي وباتت المجلات ومحطات التلفزة تنشر مآثرهم وأعمالهم، فضلاً عن الأفلام والمسلسلات والكتب التي تصف حياة زعمائها والصراعات التي خاضها. وبات هناك أيضاً ألعاب إلكترونية أطلقتها شركة سيجا، لاقت رواجاً كبيرة محققة مبيعات بالملايين بفضل شهرة الياكوزا العالمية.

TRT عربي