"بحرية رقمية".. كيف تفوقت تركيا عالمياً في مجال المنصات البحرية المسيّرة؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

إذا سألنا عن نتاج صناعة الدفاع المحلية والوطنية التي أدخلت تركيا إلى العالم، فإن الإجابة الشائعة للجميع تقريباً ستكون المنصات الجوية المسيّرة التي أثبتت كفاءتها فوق أكثر ساحة قتال حقيقية إقليمياً ودولياً، والتي بفضلها حازت تركيا على مكانة مرموقة عالمياً في هذا المجال.

ولا شك أن مفاهيم الحرب وتكتيكاتها شهدت تغيرات جذرية في السنوات الأخيرة بعد دخول الأنظمة المسلحة غير المأهولة التي تتطور يوماً بعد يوم إلى ميادين القتال. وكما أن كفاءة تركيا في صناعة الطائرات بلا طيار أصبحت معروفة على نطاق عالمي، فإن لدى أنقرة يدٌ قوية في المركبات البحرية المسلحة بلا طيار أيضاً.

وإلى جانب ريادتها في مجال الطائرات المسلحة المسيّرة (SİHA)، أحرزت تركيا أيضاً تقدماً كبيراً في صناعة الزوارق العسكرية المسيّرة، وهو المشروع الذي تقوده رئاسة الصناعات الدفاعية التركية تحت اسم "مركبات بحرية بلا ربان" (SİDA). ووفقاً للخبراء الذين تحدثوا إلى موقع TRT Haber، تعد تركيا واحدة من أكثر الدول كفاءة في العالم في هذا المجال في ظل الظروف الحالية.

تطورات ملحوظة

خلال الأيام القليلة الماضية، وفي تجربة ناجحة وغير مسبوقة، أطلقت منصة "مارلين" (Marlin) - وهي المنصة البحرية غير المأهولة الأكثر تقدماً التي أنتجتها تركيا على الإطلاق - صاروخ Kuzgun-KY من توقيع مؤسسة TÜBİTAK-SAGE بوزن 75 كيلوجراماً ورأس حربي 10 كيلوجرامات، ويعد الصاروخ أحد أخف الأعضاء في عائلته وسبق إطلاقه بشكل أساسي على منصات برية وبحرية.

وبخصوص التطورات الملحوظة التي تشهدها المسيّرات البحرية في الآونة الأخيرة، لا سيّما بعد أن مثلت المسيّرة البحرية "مارلين" تركيا في تدريبات الناتو الأخيرة، رسم الباحث في الصناعة الدفاعية أنيل شاهين إطاراً عاماً أشار من خلاله إلى أن تركيا أنتجت منتجات مختلفة في وقت قصير جداً في مجال المركبات البحرية المسلحة بلا طيار (SİDA).

وتابع قائلاً: "بالتأكيد لن نبالغ إذا قلنا أن تركيا هي الدولة الرائدة في هذا المجال في العالم"، كما ركز على أن أنقرة لا تنتج مسيّرات بحرية للأهداف السطحية فقط، بل طورت أيضاً منصات ذات قدرات متقدمة لخوض الحروب الإلكترونية وحرب الغواصات، فضلاً عن قدرة هذه المسيّرات على لعمل في أسراب.

ما أهمية المسيّرات البحرية في ساحة المعركة؟

وفقاً لشاهين، فإن أكبر ميزة للمسيّرات البحرية أنها منصة قابلة للاستهلاك، تماماً مثل المسيّرات الجوية. لذلك لا بأس في خسارتها، نظراً لأنه لا أشخاص بالداخل وهي رخيصة من حيث التكلفة. وفي حالة وجود خطورة لاستخدام أي منصة مأهولة مثل قارب سريع أو طراد في مهام مختلفة، ستتمكن القوات البحرية بسهولة من ارسال المسيّرات إلى المناطق التي لا تريد الذهاب إليها.

في بيئة طرادات بقيمة 400-500 مليون دولار وفترة بناء مدتها 4 سنوات، تعتبر المنصات الاستهلاكية منخفضة المخاطر مثل المسيّرات البحرية منقذة للحياة ومهمة جداً لكسب جولة الصراع. وهو الأمر الذي أدركته تركيا مسبقاً وبدأت في اتخاذ خطوات سريعة من أجل التفوق فيه.

وعلى الرغم من كلفتها المنخفضة، فإن المسيّرات البحرية المتطورة تشكل تهديداً خطيراً لقطع الأساطيل البحرية الضخمة والاستراتيجية، والتي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات.

وفي ظل ظروف القتال الحالية، لم يعد من المجدي بناء سفن باهظة الثمن ولديها كثير من الأسلحة، خصوصاً أن هذه السفن وحمايتها تعتبر الخاصرة الضعيفة للبلد المشغّل. فمع اثنَين من الصواريخ المضادة للسفن، يمكن للمسيّرات أن تغرق سفينة حربية قيمتها مئات الملايين من الدولارات، وفقاً لما قاله الباحث الدفاعي أنيل شاهين.

أسباب التفوق التركي

انطلاقاً من موقع تركيا المحاط بالبحار من ثلاث جهات والمهام الملقاة على عاتق البحرية التركية لحماية مصالح البلاد القومية فوق وتحت مياه الوطن الأزرق، سخرت تركيا جُلَّ مواردها وخبراتها في مجال الصناعات الدفاعية المتطورة لتوفير أحدث المنصات وأكثرها رقمية وكفاءة لرفع مستوى البحرية التركية والانتقال بها إلى مستوى منافس على الصعيدَين الإقليمي والدولي.

وتوجد نقطة أخرى مهمة تتلخص في الدروس التي استخلصتها تركيا من استخدام المسيّرات الجوية بنشاط كبير في وقت مبكر جداً، الأمر الذي انعكس بدوره على تطوير مفاهيم تشغيلية مكنتها من تطوير وتشغيل مسيّرات بحرية خلال وقت قياسي. إذ تدرك أنقرة أن إدخال المسيّرات البحرية في المخزون مبكراً سيمكنها من أن تصبح دولة رائدة في هذا المجال، تماماً كما فعلت مع المسيّرات الجوية.

وبفضل الجهود التي بذلتها رئاسة الصناعات الدفاعية التركية في هذا الخصوص، حجزت تركيا لنفسها موقعاً متقدماً في نادي الدول الكبرى التي تعمل على تطوير مثل هذه المنصات، ولا سيّما الولايات المتحدة والصين. وبحسب شاهين، فإن تركيا "واحدة من أول 3 دول في العالم تتقدم في هذا المجال من خلال التقدم على أرض الواقع".

ووفقاً لشاهين، سيجري تسليم ما لا يقل عن 3-4 مسيّرات بحرية مسيّرة مختلفة إلى قيادة القوات البحرية التركية خلال العام الجاري.

TRT عربي