الطبيبة الإيطالية كريستينا كاتانيو تعمل على تحليل متعلقات بعض الجثث التي انتُشلت من أعماق البحر  (The Guardian)
تابعنا

الدكتورة الإيطالية كريستينا كاتانيو، أستاذة الطب الشرعي رئيسة مركز لابانوف الأنثربولوجي بجامعة ميلانو، نذرت نفسها لمشروع فريد من نوعه، هو "تحديد هوية كل رجل وامرأة وطفل فقدوا حياتهم في أثناء محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط واللجوء إلى أوروبا".

وأوضحت الطبيبة الإيطالية أن هدفها الطموح وربما المستحيل، يكشف "عدم مبالاة الدول الأوروبية بالمهاجريين، والتمييز الذي تمارسه القارة العجوز تجاه طالبي اللجوء، حتى في الموت".

وقالت كاتانيو: "لنتخيل لدقيقة فقط، أن طائرة ممتلئة بالإيطاليين تحطمت أمام ساحل قارة أخرى، لنتخيل أن تلك الجثث تُنتشل وتُدفَن بلا تحديد لهويتها، هل يمكن ذلك؟ بالطبع لا، إذاً فلماذا نسمح به إذا كان الميت أجنبياً؟"، وفق حديثها لصحيفة الغارديان البريطانية.

وتعتقد كاتانيو أن سبب "اللا مبالاة الأوروبية" في التعامل مع تلك الجثث "ثقافية" في المقام الأول، لافتة إلى أن "معظم الضحايا من ذوي البشرة الداكنة ويقرؤون القرآن، وهو غالباً سبب التمييز ضدهم، بعبارة أبسط نحن في سياقين مختلفين، الأوروبي الغني، والآخر الفقير الأجنبي. هكذا تتعامل أوروبا".

لاحت فكرة المشروع للطبيبة الإيطالية عام 2013 ، بعدما أثار القضية أمامها رئيس وحدة الطب الشرعي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر موريس بينز.

باحث بمركز لابانوف يجمع عظام إحدى الجثث المتحللة في محاولة لتحديد بيانات ما بعد الوفاة ومعرفة هويتها (The Guardian)

قالت كاتانيو: "أخبرني موريس أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت تتلقى عديداً من المكالمات الهاتفية القادمة من إريتريا وسوريا، من أشخاص توقعوا وصول أشقاء وأطفال وأصدقاء وصديقات إلى أوروبا، لكنهم لم يصلوا إليها أبداً".

وتابعت: "كانوا على الأرجح يرقدون ضحايا في حطام السفن دون أن يعثر أحد على جثثهم"، وأخبرها موريس أن الصليب الأحمر يُجري أبحاثاً لمعرفة ما إذا كان لهؤلاء الأشخاص قاعدة بيانات أوروبية، وقرر الاثنان إنشاء أول قاعدة بيانات لتحديد هوية المفقودين في إيطاليا.

بدأ العمل في يوليو/تموز عام 2015، بعد انتشال أول جثة من سفينة غرقت في أبريل/نيسان وخلّفت أكثر من ألف قتيل، معظمهم من طالبي اللجوء القادمين من إريتريا والسنغال وموريتانيا ونيجيرينا وساحل العاج والصومال، وغيرها من الدول الإفريقية.

تقول كاتانيو: "العملية تبدو بسيطة للغاية نظرياً، فجمع بيانات ما بعد الوفاة بالإضافة إلى بيانات ما قبل الوفاة تساوي تحديد الهوية، لكن إذا فُقد أحد العناصر، فمن المستحيل الاستمرار والوصول إلى نتيجة".

تقدم نحو 80 عائلة بطلب معرفة مصير أبنائهم، وحُدّدت هُوية 40 شخصاً.

تصف كاتانيو النتائج بأنها "قطرة في محيط"، لكنها "مهمة لمنح الموتى السلام وإعادة الجثث إلى ذويها، فتحديد هويتهم ليس مجرد مسألة استعادة كرامة الموتى، بل ضرورية أيضاً لصحة الأحياء".

وأوضحت الطبيبة الإيطالية أن المشروع بحاجة إلى دعم الحكومات الأوروبية كي يكتمل ويؤدي عمله بكفاءة.

وفي أبريل/نيسان العام الجاري، صوّت البرلمان الأوروبي على قرار حماية حق اللجوء، الذي تضمن تعديلاً على حقّ تحديد هوية الأشخاص الذين يموتون في أثناء محاولة عبور البحر المتوسط، وحثّ على ضرورة اتباع نهج أوروبي متكامل.

وأوضحت الطبيبة الإيطالية أنها احتفظت بكيس به رمال من وطن أحد المهاجرين، مراهق لم تُحدَّد هويته بعد، احتفظ بهذا الكيس الذي وُجد في جيب بنطلونه بعد تحلُّل جثته في البحر والعثور عليها بعد سنوات.

وقالت كاتانيو: "هذا الرمز الذي أحتفظ به هو ما يدفعني إلى مواصلة العمل شبه المستحيل يومياً، أعمل وأواصل العمل من أجل منح هذا الصبي الاسم الذي سرقته منه لا مبالاة أوروبا".

TRT عربي - وكالات