تجدد الاحتجاجات يربك حسابات النظام / صورة: Reuters (Sweida 24/Reuters)
تابعنا

بعد مرور أكثر من 12 عاماً على الصراعات والاضطرابات، وجدت سوريا نفسها مرة أخرى في خضم الاحتجاجات. لكن هذه المرة، اتخذت طبيعة الاحتجاجات منعطفاً مفاجئاً، إذ تشهد مدن لم يكن لها سابق عهد في الثورة على النظام، وأخرى اعتبرت مهداً للمعارضة على حد سواء، مظاهرات تركت النظام في حيرة أربكت حساباته، وسلطت الضوء على الشبكة المعقدة من الديناميكيات الاجتماعية والسياسية التي لا تزال تشكل مصير البلاد.

ولم تخمد المظاهرات المناهضة للحكومة السورية التي خرجت الأسبوع الماضي في عدة محافظات، إذ دعا المتظاهرون إلى إسقاط رئيس النظام بشار الأسد، في مشاهد تذكر ببداية الثورة السورية عام 2011.

وشارك عشرات آلاف الأشخاص، الجمعة، في مظاهرات ضد نظام بشار الأسد في 7 محافظات سورية، وفق وكالة الأناضول التي أشارت بناءً على شهادات شهود عيان، إلى أن المظاهرات خرجت من محافظات إدلب وحلب (شمال) ودير الزور والحسكة والرقة (شرق) ودرعا والسويداء (جنوب).

واندلعت احتجاجات نادرة في جنوب البلاد في الأيام الأخيرة بعدما رفع النظام دعم الوقود الأسبوع الماضي، مما وجه ضربة إلى السوريين الذين يعانون بالفعل من الخسائر الفادحة التي خلفتها الحرب والأزمة الاقتصادية طوال السنوات الـ12 الماضية.

مشاكل اقتصادية خانقة

على الرغم من انخفاض أعمال العنف على الخطوط الأمامية خلال السنوات القليلة الماضية، لم تتمكن الحكومة السورية من إعادة بناء المناطق التي استعادت السيطرة عليها، وتزايدت المشاكل الاقتصادية التي خلّفتها الحرب.

وقد أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مع انهيار العملة الذي أدى إلى تضخم مفرط، إلى جعل ما يقرب من 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، لكن الارتفاع المفاجئ في أسعار الوقود جعل الوضع أسوأ.

وحسب شبكة بي بي سي البريطانية، يصل الدخل الشهري لبعض العاملين في القطاع العام إلى 20 دولاراً بسعر الصرف في السوق السوداء، وقد جعلهم ذلك غير قادرين على توفير حتى الإمدادات الغذائية الأساسية لأسرهم.

وألقى نظام الأسد باللوم في الأزمة الاقتصادية على العقوبات الأمريكية الصارمة التي لعبت دوراً في تردي الوضع الإنساني، وأبرزها ما عرف بـ"قانون قيصر" الذي فرضته الولايات المتحدة عام 2020.

وفقدت الليرة السورية أكثر من 80% من قيمتها خلال ثلاثة أشهر، وأسعار السلع الأساسية "تخرج عن نطاق السيطرة"، كما حذر جير أو بيدرسن، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، في إحاطة إعلامية للأمم المتحدة.

مطالب شعبية

في وقت سابق من الشهر الجاري، أصدرت مجموعة جديدة تطلق على نفسها اسم "حركة العاشر من أغسطس" بياناً يدعو إلى تحسين الظروف المعيشية في سوريا. ويعتقد أن العديد من أولئك الذين يقفون وراء المجموعة ينتمون إلى الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، والتي دعمته بثبات خلال الحرب.

وطالب البيان النظام برفع الحد الأدنى للأجور الشهري بحيث لا يقل عن 100 دولار، وتوفير الكهرباء لمدة لا تقل عن 20 ساعة يومياً، ارتفاعاً من المتوسط الحالي البالغ ثلاث ساعات في معظم المناطق، فضلاً عن المطالبة بإصدار جوازات سفر جديدة خلال شهر، مما يشير إلى رغبة الكثير من الشباب في مغادرة البلاد، كما دعا البيان إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين.

وفي الأيام الأخيرة، نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لأشخاص في مدن مختلفة في جميع أنحاء سوريا يحملون رسائل تطالب بمطالب مماثلة وتعرب عن معارضتها لحكم الأسد.

ولعل أكثر ما يثير قلق النظام هو غضب العلويين وانتقال عدوى المظاهرات إلى المناطق التي يقطنونها في الساحل، لا سيما بعد إشعال الدروز في السويداء موجة مظاهرات غير مسبوقة، انتقلت بسرعة إلى محافظة درعا التي عادت إلى سيطرة النظام عام 2018 بموجب اتفاق توسطت فيه روسيا مع مقاتلي المعارضة، وقد عانت منذ ذلك الحين من انعدام الأمن والعنف والظروف المعيشية الصعبة.

وشهدت عدة بلدات بمحافظة درعا، يوم الجمعة، مظاهرات حاشدة أيضاً.

السويداء: حالة خاصة!

شهدت السويداء، التي يسيطر عليها النظام، احتجاجات منتظمة صغيرة النطاق ضد الظروف الصعبة المعيشية والفساد على مدى الأعوام الـ12 الماضية، لكن السكان قالوا إن الاحتجاجات التي شهدتها المحافظة الأسبوع الماضي كانت الأكبر في الذاكرة الحية.

ورفع المتظاهرون في السويداء علم الثورة السورية، ورددوا شعارات تطالب بإسقاط النظام والحرية والكرامة، فيما جرى تصوير حشود تطالب بإسقاط الأسد، مع هتافات من احتجاجات الربيع العربي عام 2011، بما في ذلك: "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"سوريا لنا وليست لعائلة الأسد"، حسب ما أظهرت لقطات نشرتها قناة السويداء 24 الإخبارية.

ولطالما كان النظام السوري حذراً في تعامله مع الأقلية الدرزية التي يشكل أتباعها معظم سكان المدينة والمحافظة المحيطة بها، وقد تسامح النظام مع المعارضة هناك بدرجة أكبر مما كانت عليه في المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرتها.

وفي مقابل الدعم الضمني من النظام، حصل الدروز على إعفاءات من الخدمة العسكرية خارج السويداء، كما أن الأجهزة الأمنية السورية لها وجود محدود في المحافظة.

وتجدر الإشارة إلى أن السويداء قد شهدت في الماضي تظاهرات متفرقة بسبب الأوضاع المعيشية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قُتل أحد المتظاهرين وشرطي عندما فرقت قوات الأمن مظاهرة في عاصمة المحافظة، حسب الغارديان البريطانية.

وقال ريان معروف، الناشط المدني ورئيس تحرير موقع السويداء 24 الإخباري المحلي، لوكالة رويترز: "إذا أعلن النظام الحرب على المحافظة فسندخل في دوامة سفك الدماء التي تجنبناها، وهو ما يفتح الباب أمام كل الاحتمالات".

النظام قلق من انتقال العدوى إلى مناطقه

كانت الشرارة التي أشعلت هذه الاحتجاجات اقتصادية بطبيعتها، إذ كان التضخم المرتفع والبطالة ونقص الخدمات الأساسية بمثابة المحفزات.

وفي الماضي، ظلت المدن "الهادئة" في كثير من الأحيان بمنأى عن الاضطرابات التي شهدتها معاقل المعارضة، وذلك بسبب قدرة النظام على الحفاظ على وهم الاستقرار. ومع ذلك، فقد كشفت موجة الاحتجاجات الحالية عن الترابط بين مشاكل الشعب الواحد.

وقالت مصادر أمنية ودبلوماسيون في نظام الأسد إن الاحتجاجات في السويداء تغذي مخاوف المسؤولين من احتمال امتدادها إلى المناطق الساحلية على البحر المتوسط، وهي معاقل للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، حيث صدرت في الآونة الأخيرة دعوات نادرة من نشطاء للإضراب، وفقاً لوكالة رويترز.

وخلال الأعوام الـ12 الماضية من الاحتجاجات والحرب، جادل الكثيرون بأن الأسد سيكون قادراً على البقاء في السلطة ما لم تنقلب الطائفة العلوية ضده. وحتى الآن لا يوجد دليل على وجود حركة منظمة قوية يمكن أن تهدد حكمه، لكن الغضب الشعبي المتزايد- وبخاصة بين العلويين- يمكن أن يكون بداية لشيء أكبر، حسب بي بي سي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً