نفذت واشنطن وبريطانيا عملية ثعلب الصحراء التي استهدفت العراق يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 1998 (Others)
تابعنا

لم يكن حجم الدمار الذي خلفته وراءها عملية ثعلب الصحراء إلا تمهيداً لحملة عسكرية أكبر على العراق، كانت تخطط لها الولايات المتحدة الأمريكية منذ مدة.

وتستراً وراء نزع أسلحة الدمار الشامل التي تزعم أن بغداد تخفيها، وعدم إبداء الأخيرة التعاون الكافي مع لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة في الكشف عنها، نجحت واشنطن أخيراً في التعبئة الدولية والأممية لحملة عسكرية استهدفت مواقع استراتيجية وحيوية في العراق، وفتحت بعد ذلك الطريق لغزو استمر لعقود.

وبينما لا تزال هذه العملية العسكرية تلقي بظلالها إلى اليوم على العراق، لا تزال في الوقت ذاته العديد من التقارير تكشف تباعاً، وذلك استناداً إلى تسريبات ومعلومات حصرية من مسؤولين أمريكيين نافذين، التفاصيل المخفية لظروف عملية ثعلب الصحراء والأطراف المتواطئة في إنهاك العراق واستدراجه إلى حرب مدمرة.

ظروف عملية "ثعلب الصحراء"

يؤكد خبراء ومحللون، بعد أن طفت اليوم الكثير من الحقائق عن ذلك، أنه رغم معرفة الرئيسيْن الأمريكيّيْن السابقيْن بيل كلينتون وجورج دبليو بوش أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل فإنهما لم يترددا في استخدام هذه الذريعة بالتواطؤ مع العديد من الأطراف لضرب العراق وكسب التأييد الدولي في ذلك.

بعد غزو العراق للكويت في أغسطس/آب 1990، فُرضت مجموعة من العقوبات الدولية على بغداد تقضي بتجريدها من الأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل. وكشف في هذا السياق خبراء ومختصون، أن العراق لم يكن يملك في الواقع أسلحة دمار شامل، باستثناء الأسلحة الكيميائية التي دُمرت، وإنهاء القدرة على إنتاجها خلال تسعينات القرن الماضي، وكان الجميع يعلم ذلك.

ولكن للتأكد من خلوها في ذلك الوقت من هذه الأسلحة واستجابة للضغوط الدولية، تشكلت بعثة أممية تابعة لمجلس الأمن، وُكلت إليها مهمة تفتيش المنشآت والمراكز الحيوية في العراق. ولم يكن أمام الدولة العراقية في ذلك الوقت إلا الانصياع والقبول بهذا القرار، خاصة بعد أن ضيقت العقوبات الاقتصادية والحصار الخناق عليها.

ولم تكن تحركات اللجنة بالمرحب بها كثيراً من بغداد، خاصة وأنها كانت تسعى للوصول إلى مواقع ومراكز حساسة، يرى العراق بأنها تهدد سيادته، كأبنية ديوان الرئاسة، والقصور الرئاسية، ومجمعات القصور التي كانت موجودة في كل المحافظات العراقية.

واعتبرت لجنة التفتيش الأممية ذلك عدم تعاون عراقي معها لأداء وظيفتها، وقررت الانسحاب والمغادرة رغم أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يطلب منهم ذلك.

فاندلعت توترات حادة بين العراق والأمم المتحدة وعدد من العواصم الغربية كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وبذريعة عدم تعاون النظام العراقي مع اللجان الدولية للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، قررت واشنطن بالتعاون مع بريطانيا، تنفيذ هجوم صاروخي على العراق لإخضاعه. فأطلقت يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 1998، عملية ثعلب الصحراء "Operation Desert Fox" واستهدفت مواقع عسكرية ومواقع حساسة في العراق، وكشفت لاحقاً صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنها كانت تستهدف أيضاً موقع الرئيس الراحل صدام حسين لاغتياله.

ودمرت العملية العسكرية أكثر من 70 موقعاً عسكرياً ومقراً للقيادة العراقية والمحطات والرادارات، كما دمرت المنشآت وقواعد الصواريخ أرض-جو. وقصف أكثر من 12 مدرسة في العراق ودمرت خزانات المياه التي كان يستفيد منها أكثر من 300 ألف عراقي، إلى جانب تدمير مصافي النفط في البصرة، وتدمير العديد من المواقع العسكرية والحيوية والمنشآت الأخرى، وخاصة الواقعة في محيط بغداد.

وتحدثت مصادر عسكرية أنه خلال عملية ثعلب الصحراء، اُستخدم أكثر من 400 صاروخ بعيد المدى من بينها، صواريخ من نوع توماهوك قادمة من بوارج وسفن حربية متمركزة في البحر الأحمر، كما شاركت في االهجوم أيضا قاذفات بي 52 الإستراتيجية والتي كانت تنطلق من قاعدة دييغو غارسيا البريطانية.

وأسفر الهجوم الذي تواصل طوال أربعة أيام عن مقتل 62 جندياً عراقياً ونحو 82 مدنياً.

هل كانت خطة من بيل كلينتون؟

في الوقت الذي زعم فيه رئيس بعثة التفتيش الأممية ريتشارد باتلر في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن، أن النظام العراقي لم يتعاون مع اللجنة، تحدثت الجهات الرسمية في العراق عن وجود جواسيس تابعين للمخابرات الأمريكية ضمن البعثة، ما استدعى قلقها ودفع بها إلى عدم السماح بوصول أعضاء البعثة إلى المواقع الحساسة في الدولة.

وفي هذا السياق، يرجح خبراء ومحللون، أن تسريبات التقارير التي جعلت من العراق يظن وجود جواسيس أمريكيين، لم يكن إلا حيلة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ليبدو العراق غير متعاون مع بعثة التفتيش وبذلك يصبح أي عدوان عليه مبرراً.

وكان الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون يسعى إلى تخفيف الضغط المسلط عليه من الكونغرس الأمريكي، والاستجابة لدعوى ضرورة ضرب العراق المتهم بامتلاك أسلحة الدمار الشامل.

كما يشير خبراء ومحللون أن ضربة ثعلب الصحراء التي استدرج بيل كلينتون العراق إليها، كانت ترمي إلى إنهاك العراق وإضعافه تمهيداً لغزوه بعد ذلك.

وفعلاً، استخدم بعد ذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش المبررات ذاتها لضرب العراق وغزوه عام 2003. ليستمر الغزو الذي أطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين سنوات طويلة.

TRT عربي