تابعنا
يحتفل المسلمون في مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم مسلمو القارة الإفريقية، بعيد الأضحى المبارك في 10 ذي الحجة من كل سنة حسب التقويم الهجري، الذي يأتي موافقاً هذا العام ليومَي 16 و17 يونيو/حزيران.

وللمسلمين في إفريقيا عادات خاصة للاحتفال بهذه المناسبة الدينية، تختلف من دولة إلى أخرى، غير أنها تشترك في أصولها التي تمتد في الهويات المحلية لتلك الشعوب، وهو ما يمنحها ثراءً ثقافياً كبيراً يجري التعبير عنه في طقوس ورمزيات تعكس تصورهم للقيم الحميدة المرتبطة بالعيد وفرحته.

كرنفال بوجلود في المغرب

وفي كل ثاني يوم من أيام العيد في المغرب تحيي المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية احتفالاً شعبياً كرنفالياً تعود أصوله إلى الهوية الأمازيغية للبلاد، وتختلف أسماؤه حسب كل منطقة بين "بوجلود" أو "بيلماون" أو "بولبطاين".

ويحيي المغاربة هذا الاحتفال، سواء في المدن أو القرى، بالطواف حول الشوارع والأزقة بشكل جماعي أو متفرق، متنكرين بجلود الأضاحي من الماعز والغنم، بعد أن حيكت يدوياً في أزياء بدائية وبشكل متقن لتتناسب مع الجسد، بما فيها الوجه والرأس، وهؤلاء يُسمَّون "بيلماون".

ويمسك كل بيلماون بساق غنم أو ماعز، تشبه في حدتها قطعة خشبية أو عصا، ويأخذ في ممازحة المتفرجين حوله بضربهم بها. وهؤلاء يعتقدون أن هذا الضربات تحل البركة إذا ما نزلت على ظهر أو ورك أحدهم.

ويشيع الاعتقاد، في الأوساط الشعبية المغربية والقروية في غالبيتها، بأنه إذا ضربهم بوجلود بظلف الأضحية فإنه سيجلب لهم البركة بهذه الحركة ويُذهب عنهم النحس ويشفي المريض منهم.

وفي خضم هذا الطواف الكرنفالي الصاخب، يجوب الفتية مرددين أهازيج بالأمازيغية، متحلقين حول من يرتدي الجلود، صائحين: "أهرمة ليس ليس أهرمة بولحلايس"، بمعنى: "لا لا تدعه وشأنه". أما "بولحلايس" فهي كلمة أمازيغية تعني الرجل الذي يرتدي جلود الخرفان أو الماعز.

ويرتبط هذا الاحتفال بالهوية الأمازيغية للمغرب، فيما يجمع الأنثربولوجيون المغاربة، وعلى رأسهم عبد الله الحمودي، صاحب كتاب "الضحية وأقنعتها" الذي اختص بالبحث في احتفال بيلماون، على أصوله الثقافية الأورومتوسطية في اختلافها عن الرافد العربي بالبلاد.

ويقول عبد الله حمودي في كتابه: "إنّ عيد الأضحى وعاشوراء كانا يؤرخان للزمن قديماً، الأول يختم السنة المنقضية، والآخر يفتتح السنة المستهلة، وكلاهما يشهد احتفاليات يهيمن عليها اللعب والضحك والضوضاء، مغلفة بطقوس دينية، تختلف حسب المجتمعات".

تكافل الجزائريين في طقس تويزة

وفي الجزائر، وخصوصاً في منطقة القبائل شمال البلاد، يحيي المواطنون في كل عيد أضحى طقس التويزة، للتعبير عن قيم التكافل والترابط الاجتماعي والعطاء بين أفراد المجتمع الجزائري عامة والقبائلي بشكل خاص.

وتعد التويزة في عمومها طقساً تضامنياً أمازيغياً عريقاً، منتشراً في معظم دول شمال إفريقيا، إذ يتجمع سكان القرية أو الدشرة لمساعدة أحدهم في أعمال البناء أو الفلاحة، ويأخذ في المناسبات الدينية طابع الاحتفال بشكل جماعي بتلك المناسبة والاشتراك في مصاريفها.

ويستعين منظمو التويزة عادة بذوي الشأن داخل القرية، كشيخها أو أحد الأعيان أو أئمة المساجد، الذين يوكل إليهم السكان المشاركة فيها، ما يضفي صفة الإلزامية على الدعوة ويدفع بالسكان إلى المسارعة في تلبية النداء. وبهذا يعد كل من تخلّف عن المشاركة أنه قد أتى فعلاً معيباً، بل ويتعرض لعقاب جماعي قد يصل إلى دفع تعويضات مالية.

وفي تويزة عيد الأضحى يشترك سكان قرى منطقة القبائل، كل حسب استطاعته، في شراء الأضاحي وذبحها في يوم العيد بشكل جماعي، ويجري توزيعها في ما بينهم بشكل متساوٍ وحسب نظام دقيق متوارث عن الأجداد. وبالتالي يبرز هذا الطقس باعتباره إحدى الآليات الاجتماعية للإحسان إلى الفقراء والمعوزين دون إشعارهم بالنقص، وهو ما يعزز معاني الإيثار والترابط وسط المجتمع المحلي.

كبتاني تشاد و"دم الأضحية بركة" في السنغال!

وكباقي الدول الإسلامية، يحيي السنغاليون مناسبة عيد الأضحى في جو احتفالي تمتزج فيه الطقوس الدينية بالعادات والتقاليد المتوارثة أباً عن جد، لكن تجتمع كلها في تأكيد دور الأسرة والترابط الاجتماعي الذي تحث عليه قيم عيد الأضحى المبارك.

وفي حديثه لـTRT عربي يحكي موسى سال، وهو رب أسرة من العاصمة داكار، بأن "العيد في السنغال هو مناسبة لتجمع العائلة، إذ نجتمع كلنا في بيت الأبوين بعد الصلاة، وهناك نبارك العيد بعضنا لبعض، ونذبح الأضاحي بشكل جماعي، قبل أن يخرج الأطفال للتجوال في الحي ليزوروا الجيران يباركون لهم العيد ويجمعون العيدية".

وبخصوص العادات الخاصة بالشعب السنغالي، يقول سال: "توجد عادة عريقة متوارثة يقوم بها السنغاليون، وهي أن يخضبوا جباههم بدم الأضحية تبركاً بها (...) يعتقدون أن دم الأضحية مبارك، وإذا خضبت به جبهة الشخص ينعم بصحة جيدة ورخاء طوال السنة".

ولا تختلف عادات تشاد عن نظيرتها في السنغال، بالضبط في ما يخص اجتماع العوائل وزيارات الجيران، وهو ما كشفه الصحفي التشادي محمد جدي حسن في تصريحاته لـTRT عربي، قائلاً: "كباقي شعوب الأمة الإسلامية نستهل يوم عيد الأضحى بالصلاة، وبعد انتهائها نعود إلى بيوتنا من أجل نحر الأضاحي".

وأضاف الصحفي التشادي عن عادات وتقاليد بلاده: "كل بيت في تشاد يفطر بكبد الأضحية في ذلك اليوم، وبعد الانتهاء من ذاك نخرج للطواف على الجيران والأقارب من أجل معايدتهم".

وأشار جدي إلى أنه في ذلك الطواف يرتدي الرجال لباساً تقليدياً اسمه "الكبتاني"، وهو عبارة عن جلباب أبيض تلبسه شعوب منطقة الساحل، بالإضافة إلى عمامة بيضاء تقيهم حر الشمس.

TRT عربي
الأكثر تداولاً