هل تُحاسب إسرائيل عن مجازرها بحق الصحفيين في فلسطين؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

تستمر الاغتيالات الواسعة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حق الصحفيين الفلسطينيين، إذ لقي صحفيان حتفهما عقب قصف إسرائيلي باستخدام الطائرات المسيّرة لسيارة كانت تقلهما عبر مخيم خان يونس يوم الأحد. لترتفع بذلك حصيلة شهداء "مهنة المتاعب" لـ109 شهداء، وفق المصادر الفلسطينية.

ويجمع المراقبون بأن حملة اغتيال الصحافيين في غزة ممنهجة، ويهدف من خلالها الاحتلال إلى إرهاب الصحفيين ومنعهم من نقل أطوار الإبادة الجماعية التي يرتكبها في القطاع. فيما تطرح هذه التطورات أسئلة، حول ما مدى إمكانية محاسبة إسرائيل جنائياً، على ارتكابها هذه الجرائم.

قتل الشهود على جرائمهم!

ولقي الصحافي حمزة وائل الدحدوح، نجل مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، وزميله مصطفى ثريا، حتفهما يوم الأحد، بعد استهداف سيارتهما من طائرات مسيّرة تابعة للجيش الإسرائيلي، بمنطقة المواصي غرب خان يونس.

وقالت شبكة الجزيرة القطرية، إن حمزة الدحدوح كان يعمل لمصلحتها في تغطية للمنطقة التي نزح إليها مدنيون من عدة مناطق في القطاع جراء القصف الإسرائيلي، ذلك قبل أن تُستهدف سيارته بصاروخ جرى إطلاقه من طائرة مسيرة إسرائيلية. وكتبت فرانس برس، بأن مصطفى أبو ثريا كان يعمل كمتعاون مع الوكالة الفرنسية منذ 2019.

وسبق أن استشهد عدد من أفراد عائلة وائل الدحدوح، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته وحفيده، في قصف إسرائيلي. وفي الـ 15 ديسمبر/كانون الأول، استُهدف الدحدوح في أثناء تغطية أحداث الحرب، ما أدى إلى استشهاد مصوره سامر أبو دقة.

ولم يكن حمزة الدحدوح وأبو ثريا آخر شهداء الصحافة في حرب غزة، فقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، الاثنين، "ارتقاء الزميلين الصحفيين: الشهيد عبد الله بريص، والشهيد محمد أبو داير".

وقال المكتب الإعلامي، في بيان، إن حصيلة الشهداء من الصحفيين داخل القطاع ارتفعت لتصل إلى 112 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد استشهاد الصحفيين يوم الاثنين بقصف إسرائيلي.

وتمثل هذه الحصيلة رقماً قياسياً تاريخياً، إذ لم تسجل أي حرب عبر التاريخ هذا العدد من القتلى الصحفيين، فالحرب العالمية الثانية التي تعد أكثر حرب دموية على الإطلاق لم تودِ بحياة سوى 69 صحفياً، وحرب فيتنام التي دامت 20 عاماً لم تقتل سوى 63.

ومن جانبها، أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الاثنين، عن "قلقها الكبير" إزاء "الحصيلة المرتفعة" للصحفيين الفلسطينيين الذين استُشهدوا في قطاع غزة. وأكدت المفوضية في رسالة على منصة إكس أن حالات "قتل جميع الصحفيين، يجب أن تخضع لتحقيق شامل ومستقل لضمان الاحترام الصارم للقانون الدولي ويجب أن تخضع الانتهاكات للملاحقة".

وكتب المدير العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، كريستوف دولوار، معبراً عن صدمته لاستشهاد الصحفيين الفلسطينيين. وغرّد مدير المؤسسة التي تعنى بحماية الصحفيين: "لقد فجعنا بنبأ وفاة مصطفى ثريا وحمزة الدحدوح في غزة، إنها مذبحة لا تنتهي".

من جهتها، قالت حركة حماس، في بيان، إن استهداف الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين "جريمة حرب متعمدة تستهدف إرهاب وثني الصحفيين عن نقل الحقيقة"، وطالبت المؤسسات الحقوقية الدولية بتوثيق هذه الجرائم لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي.

هل تحاسب إسرائيل عن مجازرها بحق الصحفيين؟

وفي بيان لها، أكّدت شبكة الجزيرة القطرية، أن إسرائيل استهدفت الصحفي حمزة الدحدوح بشكل متعمّد. كما أدانت في بيانها "الجرائم المستمرة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين والإعلاميين في غزة"، متعهدة باتخاذها "كل الإجراءات القانونية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم".

وقبل هذا البيان، أشار عدد من المحللين، إلى الطابع العمدي والممنهج الذي تستهدف به إسرائيل الصحفيين في غزة. وكتبت صحيفة ميديابارت الفرنسية، بأن إسرائيل "تسعى لقتل الصحفيين كي لا يكونوا شهوداً على جرائمها". وفي عمودها على صحيفة واشنطن بوست، ذكرت الكاتبة كارين عطية، بأن الاستهداف والتضييق الذي تمارسه إسرائيل على الصحفيين تخطّى نطاق غزة ويهدف إلى تكميم أفواه هؤلاء الصحفيين.

وتطرح هذه التطورات أسئلة حول مدى إمكانية محاسبة إسرائيل على جرائمها في حق الصحفيين. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت منظمة "مراسلين بلا حدود" بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، بشأن "جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة".

وقال الأمين العام للمنظمة، كريستوف ديلوار، إن "حجم وخطورة وتكرار الجرائم الدولية التي تستهدف الصحفيين، ولا سيما في غزة، يستدعي إجراء تحقيق ذي أولوية من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية". مضيفاً بأن "الأحداث المأساوية الحالية تظهر مدى الإلحاح الشديد لتعبئته".

وفي السياق ذاته، حثت منظمة "المادة 19"، الناشطة في مجال حماية حرية التعبير، المحكمة الدولية على إجراء فحص دقيق للانتهاكات الجسيمة العديدة لحرية التعبير في غزة، ذلك على ضوء القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا على إسرائيل بموجب معاهدة محاربة الإبادة الجماعية.

وقالت المنظمة: إنه "ينبغي لمحكمة العدل الدولية أن تأخذ في الاعتبار الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، مثل قتل الصحفيين، وتدابير الرقابة الصارمة وقطع الاتصالات التي تفرضها إسرائيل، والتي أعاقت بشكل خطير القدرة على توثيق انتهاكات القانون الدولي (...) مع آثار مدمرة محتملة على جهود المساءلة المستقبلية".

وفي رسالة وجهها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، لمنظمة "مراسلون بلا حدود" في الـ 5 يناير/كانون الثاني الجاري، أكد فيها أن: "الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين يجري فحصها من مكتب المدعي العام، من بين جرائم أخرى محتملة، كجزء من التحقيق الجاري في الوضع في فلسطين".

ومنذ عام 2021، تجري المحكمة الدولية تحقيقاً في ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية في فلسطين، لكن إلى اليوم لم يصدر عن الهيئة أي اتهام واضح للدولة العبرية. ويعد أحد أبرز العراقيل في وجه مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الدولية، هو رفض تل أبيب الانضمام إلى الجنائية الدولية، وعدم اعترافها بسُلطتها، وعدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، ورفضها التعاون مع محققيها الجنائيين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً