مجموعة من اللاجئين يقطعون الدول الأوروبية للبحث عن بلد يؤويهم  (Oliver Bunic/AFP)
تابعنا

ربما كانت مفاجأة للبعض عندما أقرَّت الدنمارك قانوناً يسمح للسلطات بنقل طالبي اللجوء إلى دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي في أثناء مراجعة قضاياهم. كخطوة تسعى من خلالها الحكومة إلى مواجهة ما يدَّعون أنه "ضغط اللجوء" الذي تعانيه بلادهم. وبطريقة أقلُّ ما يقال عنها بشعة استناداً إلى نتائج تجربة الأمر نفسه من قبل أستراليا، التي تحوَّلت مراكز اللجوء التي بنتها خارج ترابها إلى "مسالخ بشريَّة".

المفوَّضيَّة الأوروبية بدورها عبرت عن قلقها من القرار الدنماركي، لكنها نفس المفوضيَّة التي تدفع، منذ خريف 2020 باتفاق جديد للهجرة واللجوء، يطرح ما قامت به الدنمارك كخيار، من بين الخيارات، لمعالجة القضيَّة. بل وطرحت في ما تلا ذلك مقترحات عن بلدان محتملة للاستقبال. فيما تواجه انتقادات كبيرة تتهمها بمحاباتها للحكومات اليمينية المتطرِّفة.

قرار دنماركي أم أوروبي؟

"إذا تقدمت بطلب لجوء في الدنمارك، فأنت تعلم أنك ستعاد إلى بلد خارج أوروبا، وبالتالي نأمل أن يتوقف الناس عن طلب اللجوء في الدنمارك" هكذا علَّل الناطق الرَّسمي باسم الحكومة الدانماركية، راسموس ستوكلوند، قرارها ذاك. في عذر هو أقبح من الواقع الذي توضحه بالملموس معاناة اللاجئين في مراكز الاحتجاز تلك التي تنوي بلاده تشييدها. وبالتالي تسعى الآن إلى إيجاد دول شريكة لإدارة المعسكرات وتمويل الوكالات على طول طرق الهجرة.

الأمر الذي اعتبرته منظمات اللاجئين بالبلاد "فكرة غير مسؤولة وتفتقر إلى مبدأ التضامن"، مؤكدين طلبهم المستمر من "أعضاء البرلمان الدنماركي رفض هذا القانون"، هؤلاء الأعضاء الذي صوتوا فعلياً لقانون "لا يعرفونه"، لأن النموذج الذي دعموه "لم يوجد بعد"، حسب ما تورد منظَّمة المجلس الدنماركي للاجئين.

وعبَّرت المفوَّضية الأوروبيَّة عن قلقها تجاهه، هكذا صرَّح الناطق باسمها قائلاً: "إن المعالجة الخارجية لطلبات اللجوء تثير تساؤلات جوهرية حول إمكانية الوصول إلى إجراءات اللجوء والوصول الفعال إلى الحماية". فيما من الصحيح القول إن الدانمارك كانت أول دولة أوروبيَّة تنحو هذا النحو، وحتى قبل إقرار القرار، كشفت تقارير سابقة السنة الماضية عن تعيينها سفيرة للجوء مهمتها إجراء مباحثات مع أطراف خارج الاتحاد الأوروبي من أجل استخدامها كدول استقبال، وعلى ما يبدو أن توقيعها مؤخراً على اتفاقية هجرة مع رواندا، يرجح فرضية أن البلد الإفريقي سيحتضن أول مركز إيواء للاجئين بالدانمارك.

وعلى ما يبدو كذلك، ورجوعاً إلى خريف السنة الماضيَّة، لم يكن الاتحاد الأوروبي، ورئيسة مفوضيته أورسولا فون دير لين، قلقين إزاء هذا الإجراء، وهم يعلنون عن اتفاقهم الجديد للهجرة واللجوء، والذي يقر ما قامت به كوبنهاغن كخيار لإلزام الدول الأعضاء بالمساهمة في جهود معالجة ملفات طالبي اللجوء.

"لا نريد موريا 2".. على التراب الأوروبي؟

وقتها، كانت ارتدادات بشاعة الحريق، الذي أتى على ما تبقى من أمل لطالبي اللجوء المتكوِّمين في مخيَّم موريا، تثقل بالإحراج كاهل الأوروبيين. ما دفع مفوَّضيتهم إلى أن تخطو خطوتها المرجوة، معترفة على لسان رئيستها "كارثة مخيم موريا أيقظت إحساسنا، لذلك نحن بحاجة إلى إيجاد حلول مستدامة بشأن الهجرة، وعلينا جميعاً أن نتقدم".

تقدُّم حدَّدت فون دير لين خطواته في "اتفاق جديد للهجرة واللجوء"، يقوم على "تكريس التضامن الإلزامي والمشترك داخل سياسات الهجرة واللجوء الأوروبية" و"حزمة قوانين جديدة تطرحها المفوضية الأوروبية لتمكن الاتحاد من بداية جديدة في التعاطي مع الملف" تعكس "توازناً عادلاً ومعقولاً بين روح المسؤولية وواجب التضامن"، حسب ما أوردت وقتها في بلاغ صحفي.

إجرائيّاً، يروم هذا الاتفاق، من جهة، التضييق أكثر على المعابر الحدودية بالتركيز على توثيق اللاجئين، وأخذ بصماتهم وإخضاعهم لكشوفات طبية. وموازنتها وفقاً لمبدأ الاستحقاق، ذلك بنص “آلية سريعة لاستبعاد المهاجرين الذين من غير المرجح أن يحصلوا على حماية دولية، أي القادمون من دول تسجّل معدل استجابة لطلبات اللجوء أقلّ من 20% مثل تونس والمغرب”.

ومن جهة أخرى يدفع الميثاق بآلية الترحيل كحل أمام الدول الأعضاء للتعامل مع المهاجرين، في إطار ما يسميه ”التضامن والإلزامية” مع إلغاء مبدأ الكوتا في استقبال المهاجرين. بمعنى أدق “نحن لن نفرض كوتا استقبال مهاجرين، من لا يريد قبول المهاجرين على أرضه، يجب عليه تمويل ترحيلهم والتكفل بإيوائهم في مراكز لجوء خارج دول الاتحاد الأوروبي”. هذا ما تقترحه المفوضية الأوروبية، لا كارثة موريا ثانية على أراضيها فحسب.

خضوع أوروبي لإملاءات اليمين العنصري

ليست هذه المنهجية التي أقرتها الدانمارك، وفتحت لها الباب قبلًا المفوَّضية اللأوروبية، بسابقة في التعامل مع الملف، لدينا مثال هو أستراليا التي تستغل جزيرتي ناورو وغينيا الجديدة لنفس الغرض، والنتيجة ظهرت في مراكز أقرب إلى مراكز تعذيب، تغيب فيها أدنى شروط العيش الآدمي، دون الحديث عن حقوق الإنسان المنتهكة. وهي نفس الظروف التي يعيشها اللاجئون بالمخيمات الأوروبية، وعلى رأسها مخيمات الجزر اليونانية، حيث “التجويع، التعذيب، العنف، الإهانات، خطاب معاداة الغريب” بحسب ما كشف عنه تقرير منظمة أطباء بلا حدود.

ومن ناحية أخرى، لو أخذنا على سبيل المثال البرنامج الانتخابي لأحد أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبيَّة شراسة، حزب البديل من أجل ألمانيا، نجد معالجته لما يدعي أنه "أزمة لاجئين"، تقوم على ثلاث نقاط: أولاها، أن تكون تصريحات اللجوء مؤقتة ومقرونة بعودة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية. ثانياً، وقف إنزال المهاجرين غير النظاميين الذين تنتشلهم الوكالة الأوروبية لحماية الحدود (Frontex) بالسواحل الأوروبية. ثالثاً، التنصل من اتفاقية دبلن للهجرة واللجوء ومعارضة مبدأ الكوتا لتوزيع اللاجئين على الدول الأوروبية، وتشجيع تهجير اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، أو مراكز إيواء خارج أوروبا في مناطق آمنة. هي النقاط الثلاثة عينها التي يقرُّها الاتحاد الأوروبي في ميثاقه الجديد للهجرة!

ما جعل منظمات حقوقية دولية، كمنظمة أوكسفام، تصرخ مستنجدة بأن “المفوضية الأوروبية ترضخ للقوى المعادية للمهاجرين!". مضيفة على لسان رئيسة فرعها الفرنسي، سيسيل ديفلو أنه “من المقلق أن يضع الاتحاد الأوروبي المساعدات التنموية التي يقدمها لدول الجنوب، مقابل السيطرة وإيقاف الهجرة”.

TRT عربي