تابعنا
أثارت شركة موديرنا Moderna الأمريكية ضجة في المجتمع الطبي عقب تصريح بول بيرتون، كبير المسؤولين الطبيين في الشركة لصحيفة الغارديان البريطانية في وقت سابق، الذي أشار فيه إلى أمل يلوح في الأفق يتعلق بتطوير لقاحات خاصة بأمراض خطيرة ومميتة.

يعيش العالم اليوم العصر الذهبي لتطوير اللقاحات كما لم يسبق له من قبل، إذ من المرجح أن تكون اللقاحات الخاصة بأشدّ الأمراض فتكاً في العالم مثل السرطان وأمراض القلب جاهزةً لتنقذ أرواح ملايين بحلول عام 2030 م وفقاً لما ذكره كبير الأطباء في إحدى شركات الأدوية الرائدة في العالم.

أثارت شركة موديرنا Moderna الأمريكية ضجة في المجتمع الطبي عقب تصريح بول بيرتون، كبير المسؤولين الطبيين في الشركة لصحيفة الغارديان البريطانية في وقت سابق، الذي أشار فيه إلى أمل يلوح في الأفق يتعلق بتطوير لقاحات خاصة بأمراض خطيرة ومميتة خلال السنوات الخمس المقبلة، مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية. وبالرجوع إلى أرقام منظمة الصحة العالمية (WHO) لعام 2020، فقد أودى السرطان بحياة نحو 10 ملايين شخص في العالم، فيما تسبّب أمراض القلب والأوعية الدموية وفاة ما يقارب 18 مليون شخص سنويّاً.

يُذكر أنّ شركة موديرنا من الشركات المتخصصة بالأبحاث الدوائية والتقنية الحيوية بما فيها تصنيع اللقاحات التي تعمل بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال"mRNA"، وأصبح اسمها لا يغيب عن حياتنا اليومية في أثناء جائحة كورونا لكونها صاحبة إحدى اللقاحات المبكرة والرائدة لفيروس كوفيد-19 التي انتشرت في أرجاء العالم خلال العامين الماضيين.

يقول بيرتون لصحيفة الغارديان: "أعتقد أن ما تعلمناه في الأشهر الأخيرة هو أنه إذا كنا نعتقد أن تقنية mRNA مخصصة للأمراض المعدية فقط، أو لكوفيد فقط، فإنّ الدليل الآن أنّ هذا ليس هو الحال على الإطلاق"، وأضاف: "يمكن تطبيق هذه التقنية على جميع أنواع الأمراض، مثل السرطان والأمراض المعدية وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض المناعة الذاتية والأمراض النادرة. لدينا دراسات في جميع هذه المجالات، وأظهرت جميعها نتائج واعدة".

كيف تعمل لقاحات mRNA؟

تعمل تقنية لقاح mRNA بشكل مبسط على تعليم الجسم كيفية صنع بروتين معيَّن لمساعدة جهاز المناعة على التعرف عليه بهدف منع أو استهداف مرض ما، بالاعتماد على جزيء الـmRNA المسؤول عن حمل المعلومات الجينية من المادة الوراثية للخلية المعروفة باسم DNA، إلى الريبوسومات وهي الجزء المخصص في الخلية عن ترجمة هذه المعلومات بهدف إنتاج البروتينات.

لو أُخِذَ لقاح يعمل ضدّ السرطان كمثال فإنّ الآلية تعتمد على صنع لقاح مخصص للمريض بحدّ ذاته، تبدأ بأخذ خزعة من ورم المريض بهدف ترتيب تسلسل المادة الجينية لتحديد الطفرات غير الموجودة في الخلايا السليمة، ومن ثمّ تحدد خوارزمية معينة الطفرات المسؤولة عن نموّ السرطان والتي من المحتمل أن تؤدي إلى تحفيز جهاز المناعة.

يليها إنشاء جزيء من mRNA يحتوي على تعليمات لصنع مستضدات من شأنها تحفيز استجابة مناعية داخل الجسم.

وبمجرد حقنه في الجسم سيُترجَم إلى قطع بروتينية مماثلة لتلك الموجودة في الخلايا السرطانية، وبهذا تواجه الخلايا المناعية هذه الخلايا السرطانية التي تحمل نفس البروتينات تاركة الخلايا السليمة بلا هجوم.

وهذا على نقيض ما كان يحدث في العلاجات التقليدية للسرطان التي تسبّب مهاجمة الخلايا السليمة إلى جانب الخلايا السرطانية محدثةً كثيراً من الآثار الجانبية شديدة الوطأة.

يشير الباحثون إلى أنّ من الممكن أن يمتلك العالم خلال عشر سنوات من الآن ما هو أكثر تطوراً من هذا، إذ يتطلعون إلى تمهيد الطريق لإيجاد علاجات تعتمد على تحديد السبب الجيني للمرض، وببساطة نسبية إصلاح هذا الخلل الجيني باستخدام تقنيات تعتمد على mRNA.

نتائج اليوم باهرة

تُظهِر الدراسات التي أُجريَت على لقاحات mRNA أملاً كبيراً، إذ يشير بعض الباحثين إلى أنّ ما يكافئ 15 عاماً من الأبحاث قد جرى خلال 12-18 شهراً فقط، بسبب تركيز الأبحاث على إيجاد لقاح لكوفيد-19 خلال الأعوام الماضية، وينبه العلماء لضرورة استمرار الاستثمار في هذا المجال للحيلولة دون ضياع تحقيق هذا الإنجاز الطبي بنهاية العقد الحالي.

بالنظر إلى أحدث تصريحات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) فقد صُنّف لقاحان جديدان من موديرنا كـ"علاجات متطورة"، وهما حقنة للوقاية من فيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV) لدى كبار السن، ولقاح يساعد على منع تكرار الإصابة بسرطان الميلانوما، وهو سرطان الجلد المميت، وذلك بالاعتماد على النتائج الأولية للأبحاث السريرية.

جدير بالذكر أن توصيف "العلاج المتطور" تعطيه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عندما تكون نتائج التجربة المبكرة للعلاج الجديد أفضل بكثير من العلاج الحالي.

في ذات الصدد أعلنت شركة موديرنا قبل عدّة أيام عن مشاريع اللقاحات في الفترة الحالية، ومنها إعطاء الجرعة الأولى من لقاح COVID-19 "من الجيل التالي" ضمن المرحلة الثالثة في إحدى تجاربها السريرية لأحد المشاركين فيها، كما حققت تقدماً في لقاح داء لايم (Lyme Disease)، كذلك تطوّر لقاحاً لفيروس نوروفيروس شديد العدوى.

عموماً، تعتزم الشركة إطلاق 6 منتجات للقاحات رئيسية في السنوات القليلة المقبلة، وتتوقع أن تبلغ قيمة السوق المعزز لـCOVID-19 وحده 15 مليار دولار.

أين نحن من هذه الأخبار؟

من المتوقع أن يعقب إتاحة أي من لقاحات علاج الأمراض الخطيرة هذه مناقشات حول العدالة في الحصول عليها، فالنتائج التي توصل إليها العلم مبشرة جدّاً.

والسؤال اليوم لا يدور حول الوقت المتوقع لإتاحة هذه اللقاحات في الأسواق، بل عن كيفية تعامل العالم والدول الغنية والشركات المصنّعة لها معها، في ضوء تجربة العالم مع لقاح كوفيد-19 التي أثبتت عدم المساواة بين السكان والمجتمعات في ما يتعلق بالرعاية الصحية العالمية. تضع هذه الأخبار شركات الأدوية الكبرى والدول الغنية أمام مسؤولية أخلاقية لتحقيق العدالة في توزيع اللقاحات والقدرة على الحصول عليها في أيّ مكان في العالم عن طريق سياسات تسعير عادلة تأخذ بعين الاعتبار سكان الدول الفقيرة، كما ستجد المؤسسات والمنظمات الطبية العالمية نفسها -على رأسها منظمة الصحة العالمية- أمام تَحدٍّ كبير لتحقيق هذا الأمر لمحاولة تجنب تكرار ما حصل في أثناء جائحة فيروس كورونا.

TRT عربي