القذافي وبورقيبة وقعا توقيع اتفاقية الوحدة بين البلدين يوم 12 يناير/كانون الثاني 1974، وتأسيس الجمهورية العربية الإسلامية (Others)
تابعنا

استكمالاً لمشاريع الوحدة العربية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة، وتحقيقاً لحلمه الناصري، نجح الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، بعد جولة طويلة من المفاوضات، في إقناع الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة، بتوقيع اتفاقية الوحدة بين البلدين يوم 12 يناير/كانون الثاني 1974، وتأسيس الجمهورية العربية الإسلامية، ويكون بذلك بورقيبة رئيساً لها، والقذافي نائباً له وقائداً للقوات المسلحة.

كان الإعلان عن الاتفاقية في ذلك الوقت، ووسط ما يلف اللقاء من غموض، مفاجئاً للرأي العام المحلي والدولي، وتتالت ردود الأفعال المنتقدة للقرار، وحاولت العديد من الأطراف دفع الرئيس التونسي للعدول عن هذه الخطوة.

وفعلاً، لم تر اتفاقية الوحدة النور أكثر من 24 ساعة ووُئدت في مهدها. واشتعل آنذاك فتيل أزمة حادة بين البلدين، واندلعت حرب باردة بينهما استمرت لسنوات، لم يوقفها إلا تسليم القذافي لوثيقة الاتفاق لبورقيبة، وفتح الطرفين بذلك صفحة جديدة.

مفاوضات انتهت بالوحدة تحت راية واحدة

رغم إصراره في البداية على رفض المقترح، فإن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قبل في النهاية التوحد مع ليبيا تحت راية واحدة، ولم يثنه في ذلك تعثر بقية المشاريع الوحدوية في المنطقة.

وتساءل حينها كثيرون، وخاصة من المحيطين بالرئيس التونسي، عن كيفية نجاح القذافي في إقناعه بذلك، بعد أن فشل مراراً في التفاوض مع نظيره.

وفي آخر زيارة له إلى تونس، وتحديداً قبل بضعة أشهر من توقيع اتفاق الوحدة، تحدث الرئيس التونسي إلى الجماهير، مصرحاً برفضه لمشروع القذافي قائلا: "جاء إليّ معمر القذافي وعرض علي حكم الجمهوريتين.. لانشك في صدقه وإخلاصه، إنه رجل قومي، شاب متحمس، ولكن تنقصه التجارب والمعلومات، ينقصه معرفة كيف تتغير الأدمغة، وكيف تتكون الأوطان".

وأضاف بورقيبة "ليبيا محتاجة إلى توحيد صفوف رجالها، محتاجة لتوحيد طرابلس وبرقة التي تفصلها عنها صحراء واسعة، يعيشون فيها أشبه بما يكون في العصور الوسطى".

وشدد قائلا :"لماذا تتوحد الشعوب؟ لتزداد قوة، وفي هذه الحالة من الضعف والوهن والتأخر العلمي والتكنولوجي، لن يزيدنا قوة أن نضيف مليون ونصف ليبي إلى خمسة ملايين تونسي".

وبذلك كان حديث الرئيس التونسي حينها جزماً في قراره برفض مشروع الوحدة. ومع ذلك استمر الرئيس الليبي في محاولاته الحثيثة. وسرعان ما انقلبت الموازين بعد ذلك في شتاء 1974، حين طلب القذافي يوم 12 يناير/كانون الثاني، لقاء بورقيبة على وجه السرعة وعلى انفراد في جزيرة جربة التونسية، وعقد لقاء بينهما دام لمدة ساعة فقط.

وتحدث محللون وسياسيون تونسيون، أن القذافي قد انتهز فرصة غياب قطبي صنع القرار في النظام التونسي، الوزير الأول الهادي نويرة وزوجة بورقيبة وسيلة بورقيبة، ليقنع الرئيس التونسي بجدوى مشروعه.

ولا يعلم إلى اليوم أحد حقيقة ما دار من حوار ومقايضات بين الرئيسين خلال اللقاء.

وبمجرد انتهاء اللقاء، وبحضور حشد من المسؤولين، أعلن العقيد معمر القذافي الوحدة بين القطرين العربيين التونسي والليبي، على أن يكونا جمهورية واحدة تسمى "الجمهورية العربية الإسلامية" ولها دستور احد وعلم واحد وجيش واحد وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، ويكون رئيسها الحبيب بورقيبة ونائبه والقائد للقوات المسلحة معمر القذافي. ونص الاتفاق على أن يجرى استفتاء شعبي في ذلك يوم 18 يناير/كانون الثاني من نفس السنة.

وفوجئ السياسيون والمفكرون والمسؤولون التونسيون من سرعة القرار الذي لم يأخذ بعين الاعتبار التباين الجتماعي والاقتصادي بين البلدين والتناقض في النظامين السياسيين والدستوري.

وقدم القذافي في نفس اليوم، وثيقة لبورقيبة تتضمن مقترحات تركيبة حكومة الوحدة الجديدة، وبدا واضحاً أنه قد ركز في مقترحاته على توزيع المناصب الأمنية والحساسة. وكان من بين مقترحات القذافي حينها، تعيين زين العابدين بن علي، الذي أصبح لاحقاً رئيسا لتونس، رئيساً للمخابرات الحربية.

وانطلقت على الفور التدخلات والضغوطات من طيف واسع من السياسيين والمسؤولين التونسيين، لتراجع بورقيبة عن قراره، واصطدم الرئيس التونسي فعلا بعقبة قانونية في الدستور التونسي، تحول دون تنظيم الاستفتاء الشعبي الذي نصت عليه الاتفاقية.

الوحدة التونسية الليبية أدراج الرياح

أمام العائق القانوني في الدستور التونسي، وأمام اعتراض طيف واسع من السياسيين والمسؤلين التونسيين، ومع رفض الجزائر الانضمام إلى المشروع باعتبار أن له عواقب وخيمة على المنطقة، وتحفظ المغرب في ذلك، إضافة إلى ردود الأفعال السلبية تجاه قرار الوحدة، قرر الرئيس التونسي إبلاغ نظيره الليبي بالتراجع عن اتفاقية جربة، وطلب منه إرجاع الوثيقة الموقع عليها الطرفين.

أثار القرار صدمة وغضب الرئيس الليبي، واندلع فتيل أزمة سياسية وديبلوماسية بين البلدين. ورفض حينها القذافي تسليم وثيقة الاتفاق، وسط تخوف من الرئيس التونسي من استغلال ليبيا لهذا الوثيقة في المستقبل بعد وفاته للضغط على تونس وإخضاعها.

لم يتقبل الرئيس الليبي فشل مشروع الوحدة ولفظ الجمهورية العربية الإسلامية أنفاسها، وحاول التواصل عدة مرات مع الرئيس التونسي والعديد من الجهات الوازنة في النظام التونسي، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل، وبات من المستحيل إحياء المشروع الذي وُئد في مهده في ظرف 24 ساعة.

وأخذت التوترات بين البلدين أطوارا وأوجها كثيرة وشهدت العديد من المنعطفات الحرجة، حتى إن السلطات التونسية اتهمت بعد ذلك الرئيس الليبي معمر القذافي بتدبير أحداث مدينة قفصة الواقعة في الجنوب الغربي للبلاد التونسية، عام 1980، حين قام مجموعة من المعارضين المسلحين من ذوي التوجه القومي، بالسيطرة على المدينة للانقلاب على حكم بورقيبة.

وتمكنت السلطات التونسية من إفشال العملية، وإعدام المتورطين فيها بعد سلسلة من المحاكمات. وتأزمت بذلك الأوضاع بين الجارتين ليبيا وتونس أكثر فأكثر.

ووسط إصرار الرئيس التونسي على استعادة وثيقة الوحدة التي تحمل توقيعه، ودخول الأزمة بين البلدين في منعرج خطير، ذهب القذافي إلى تونس عام 1982 وسلم الوثيقة إلى بورقيبة لطي صفحة الخلاف، وانتهى بذلك حلمه في الجمهورية العربية الإسلامية.

TRT عربي