صورة تُظهر صهاريج تخزين المياه المُعالَجة في محطة فوكوشيما / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

لا تزال كارثة فوكوشيما النووية، التي وقعت في مارس/آذار 2011 في أعقاب زلزال هائل وتسونامي لاحق، واحدة من أهم الحوادث النووية في التاريخ. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان، أعلنت الحكومة اليابانية في أبريل/نيسان 2021 عن خطتها لإطلاق المياه المعالجة من موقع فوكوشيما النووي إلى المحيط الهادئ بوصفها ضرورية لتفكيك المحطة التي تديرها شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو)، وهو القرار الذي لفت انتباهاً دولياً سريعاً وآراء متباينة.

ويحتوي الماء المذكور، الذي جرى استخدامه لتبريد المفاعلات المتضررة، على عدد كبير من النظائر المشعة، بما في ذلك التريتيوم. وفي حين تدّعي السلطات اليابانية أن المياه قد عولجت بما فيه الكفاية لإزالة معظم الملوثات المشعة، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن التأثير المحتمل على النظم البيئية البحرية، وسلامة المأكولات البحرية، والدول المجاورة.

واليوم (الثلاثاء)، أعلنت اليابان أنها ستبدأ في 24 أغسطس/آب الجاري تصريف أكثر من مليون طن من المياه المشعة المعالجة من محطة فوكوشيما المنكوبة للطاقة النووية، لتشرع بذلك في تنفيذ خطة أثارت انتقادات حادة من الصين، بالإضافة إلى انتقادات من مجموعات الصيد المحلية، التي تخشى بدورها الضرر الذي سيلحق بسمعتها ويهدد سبل عيش أعضائها.

أصل الحكاية

من المنتظر أن تطلق طوكيو نحو 1.25 مليون طن من المياه المعالجة في البحر كجزء من محاولة لإيقاف تشغيل محطة الطاقة التي دمرها تسونامي القاتل عام 2011، حيث تعرضت أنظمة إمداد الطاقة والتبريد في المحطة النووية لأضرار بالغة، مما تسبب في ارتفاع درجة حرارة قلب المفاعل وتلويث المياه داخل المحطة بمواد شديدة الإشعاع.

ومنذ ذلك الحين، ضُخَّت مياه جديدة لتبريد بقايا الوقود في المفاعلات. علاوة على ذلك، تسربت المياه الجوفية ومياه الأمطار، مما أدى إلى ظهور المزيد من مياه الصرف الصحي المشعة التي تحتاج الآن إلى تخزينها ومعالجتها.

ويوجد حالياً 1.32 مليون طن من المياه الملوَّثة مخزَّنة في موقع محطة الطاقة المعطَّلة في شمال شرقي اليابان. حيث تُخزَّن هذه المياه العادمة، التي تكفي لملء أكثر من 500 حوض سباحة أولمبي، في أكثر من 1000 خزان ضخم قامت شركة "تيبكو" ببنائها.

وجهة نظر اليابان

تؤكد الحكومة اليابانية أن قرار إطلاق المياه المعالجة هو نهج مسؤول يرتكز على التحليل العلمي. ويقول المسؤولون إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدعم خطة التفريغ، وإن ممارسات مماثلة قد استُخدمت في منشآت نووية أخرى في جميع أنحاء العالم.

وتقول الحكومة، التي اجتمعت (الاثنين) مع قطاع صيد الأسماك المحلي ضمن مساعيها لإقناعهم بخطة التصريف، إن صهاريج التخزين في موقع فوكوشيما تقترب من طاقتها القصوى، ويشكل تراكم المياه المعالجة تحدياً لوجستياً وبيئياً مستمراً. ولذلك، يعد إطلاق المياه حلاً عملياً لمشكلة متنامية.

ويسلط مؤيدو الخطة أيضاً الضوء على حقيقة أن التريتيوم هو منتج ثانوي شائع لإنتاج الطاقة النووية، حتى إنه يوجد بشكل طبيعي في البيئة بمستويات منخفضة. ويجادلون بأن إطلاق المياه المعالجة، بمستويات التريتيوم أقل بكثير من الحدود المسموح بها، لن يؤثر بشكل كبير على صحة المحيطات أو سلامتها.

علاوة على ذلك، التزمت الحكومة اليابانية مراقبة تصريف المياه بشكل شفاف والإبلاغ عنه لتهدئة المخاوف الدولية. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي وكالة الأمم المتحدة التي تُعنى بالطاقة النووية، قد صدّقت في يوليو/تموز على هذا المشروع. وقالت إنه يستوفي المعايير الدولية، وإن تأثيره على الأفراد والبيئة "لا يكاد يُذكر".

شكوك إقليمية وعالمية

بموجب الخطة، سوف تبدأ طوكيو في إطلاق ملايين الأطنان من المياه في المحيط الهادئ يوم الخميس المقبل إذا كانت الظروف الجوية مواتية، وفقاً لما قاله رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، وذلك على الرغم من الانتقادات الشديدة من الصين وكوريا الشمالية والكثير من دول المحيط الهادئ، إلى جانب المجموعات والهيئات الدولية.

ورداً على التصريحات اليابانية الأخيرة، اتهمت بكين (الثلاثاء) طوكيو بالتخطيط لـ"تصريف مياه ملوثة نووياً بصورة تعسفية". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، إن "المحيط ملك عام لجميع البشر وليس مكاناً لليابان كي تصّرف فيه بصورة تعسّفية مياهاً ملوّثة نووياً"، مضيفاً أنّ بكين ستتّخذ "الإجراءات الضرورية لضمان البيئة البحرية وسلامة الغذاء والصحّة العامة"، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وبينما أعربت الصين والدول المجاورة عن تحفظاتها بشأن الخطة، فقد أشارت أيضاً إلى التداعيات البيئية والاقتصادية المحتملة. تشعر هذه الدول بالقلق من أنه حتى المستويات المنخفضة من الملوثات المشعة يمكن أن تؤثر على صناعات صيد الأسماك والصحة العامة.

وقد أدت التوترات السياسية والتاريخية بين هذه الدول واليابان إلى زيادة تعقيد الأمر، حيث أشار بعض النقاد إلى أن المعارضة قد تكون متجذرة في الخصومات السياسية بدلاً من الاهتمام البيئي الحقيقي.

تجدر الإشارة إلى أن كوريا الجنوبية، التي عارضت الفكرة في البداية، غيَّرت مسارها منذ تولي الرئيس يون سوك يول، منصبه في مايو/أيار من العام الماضي. وأعربت حكومته عن تأييدها تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما أثار انتقادات لاذعة من المعارضة وجماعات حماية البيئة.

وفي سياق متصل، أيّدت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لليابان، الاقتراح، قائلةً في بيان عام 2021 إن طوكيو كانت "شفافة بشأن قرارها"، ويبدو أنها تتّبع "معايير السلامة النووية المقبولة عالمياً". فيما قالت تايوان إن كمية التريتيوم التي أُطلقت تقدَّر بأنها "أقل من حد الكشف، وسيكون التأثير على تايوان ضئيلاً".

مخاوف بيئية

يُحذر خبراء البيئة من أنه على الرغم من أن التريتيوم قد يكون حميداً نسبياً، فإن المياه المعالَجة تحتوي أيضاً على نظائر مشعة أخرى مثل السترونتيوم والسيزيوم. ويلفتون النظر إلى أن التأثير التراكمي لهذه النظائر على الحياة البحرية والنظام البيئي الأوسع لم يُفهم بالكامل بعد، ويخشون من احتمال التراكم الحيوي في السلسلة الغذائية.

وحسب الأناضول، لم تتعافَ صناعة صيد الأسماك في فوكوشيما إلا جزئياً من الخسائر الفادحة التي خلّفتها كارثة تسونامي عام 2011. والآن يخشى مجتمع صيد الأسماك ألا يؤثر إطلاق مياه الصرف الصحي على سبل عيشهم فحسب، بل أيضاً على السمعة الإقليمية والعالمية لمياه فوكوشيما.

وبينما فرضت نحو 55 دولة ومنطقة قيوداً على واردات الغذاء من اليابان بعد الحادث النووي، لا تزال 12 دولة، بما في ذلك الصين التي لمّحت إلى توسيع ضوابط الاستيراد، تتّبع بعض القيود.


TRT عربي
الأكثر تداولاً