تابعنا
قاعة معرض إسطنبول للكتاب امتلأت بالحاضرين من جنسيات مختلفة، سوريين ومصريين وجزائريين ويمنيين وفلسطينيين وأتراك وغيرهم. كيف مرّت فعاليات المعرض لهذه السنة؟

بكل ما أوتوا من حماسة، جاؤوا إلى المعرض، يتهافتون على دور النشر الموزعة على طول القاعة الكبيرة. كان كل شيء جاهزاً لاستقبالهم، فالتحضيرات اكتملت ولو سبقها زلزال مخيف قبل أيام أرعب أهالي إسطنبول وكلّ من يسكنها من جاليات أجنبية وعربية.

كنت أراهن نفسي على أول يوم ينطلق فيه معرض إسطنبول للكتاب العربي بدورته الخامسة.

هل كانت ساعات الليل الطويلة التي قضاها الأتراك وعرب كُثر في الحدائق ليل الخميس/الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2019 مُرهقة بما يكفي لأخذ نفس عميق من فاعلية المعرض وغيرها؟

أم سيشهد المعرض حضوراً كعادته كل عام على اعتبار أن ما عاشه أكثرهم في بلادهم من حروب ومجازر وقتل وتدمير أصعب من أي زلزال؟

كان الجواب واضحاً؛ قاعة المعرض امتلأت بالحاضرين، سوريين ومصريين وجزائريين ويمنيين وفلسطينيين وأتراك وغيرهم.

جميعهم وصلوا إلى المعرض في منطقة يني كابي قادمين من مناطق بعيدة وقريبة في إسطنبول، لحضور افتتاح أول يوم في معرض الكتاب الذي يستمر حتى 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

تحت شعار "الكتاب يجمعنا"، انطلق المعرض برعاية كل من اتِّحاد الناشرين الأتراك، وجمعية الناشرين الأتراك، والجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي.

تتحدث التركية سنا شيفتشي، إحدى المنسقين للمعرض، عن اليوم الأول الذي شهد حضوراً كبيراً منذ الصباح.

وفي حديثها لموقع TRT عربي تقول إن المعرض وُسّعَت مساحته لأنه بات يُعَدّ أكبر حدث ثقافي في تركيا وأصبح أيضاً فرصة لوجود تنوُّع فكري.

وحول سلامة زوار المعرض أوضحت الشابة الصغيرة أن القائمين على فاعلية المعرض بحثوا الأمر بعد زلزال الخميس الماضي، وأكَّدوا أن القاعة الكبيرة مبنية حديثاً ومجهَّزة في حال حدوث هزة جديدة.

15 دولة تشارك في المعرض الخامس للكتاب العربي

أكثر من 200 دار نشر من 15 دولة عربية إلى جانب تركيا وإيران شاركت في المعرض هذا العام، تجدها بسهولة في الخريطة الكبيرة التي وُضعت قبل دخولك القاعة الكبيرة.

كل دار نشر يسبقها رقمها كي تسهّل على زوار المعرض الوصول إلى المنصة التي يرغبون، سواء لشراء كتبهم المفضَّلة أو للمشاركة في فاعليات كثيرة تُنظَّم على مدى الأيام التسعة.

فهناك مثلاً مذكرات وسير عن جون كيري، وعن أكرم مكناس، وهيلاري كلينتون، وغيرهم.

وهناك روايات عن الحرب المستمرة في سوريا، كـ"ملحمة الغوطة"، وكتب سياسية مثل "الرايات السوداء - ملاحقة القاعدة من الداخل".

وهناك الكتب التاريخية مثل "تأريخ التأريخ" لوجيه كوثراني، أو كتب عن الحضارة الإسلامية، مثل حضارة العرب لجوستاف لوبون، أو العلوم الاجتماعية مثل النظرية الثقافية - وجهات نظر كلاسيكية ومعاصرة لتيم إدواردز.

لم يخلُ معظم دور النشر من الروايات الأدبية بكل تأكيد، الجديدة منها والقديمة بنسخ حديثة، مثل "الإخوة كارامازوف" لفيودور دوستويفسكي، و"الحرب والسلام" لليو تولستوي.

لماذا عليكم اصطحاب أطفالكم إلى المعرض؟

بين منصات الكتب الكثيرة، كانت نشاطات كثيرة نُظمت في زوايا المعرض بأكمله تلفت الأنظار: الهندسة المدنية المعمارية، والعلوم الإنسانية الاجتماعية، والطب والصيدلة، وغيرها.

فهنا مثلاً، تَطوَّع طلاب من مختلف الجامعات في إسطنبول بتخصُّصات عديدة، ليقدّموا تجاربهم أمام الزوار، لا سيما شريحة الشباب الصغيرة التي توشك على دخول الحياة الجامعية قريباً.

ما إن وصلْتُ إلى المنصة الكبيرة التي تَوزَّع الطلاب على طاولات كثيرة فيها، حتى أخذ طالب الـMechatronics حمزة الحبال من جامعة İstanbul Ticaret يحدّثني عن الآلة الـ3D التي يستخدمونها لطباعة مجسمات كنت أصوّر إحداها. مسجد وهيكل عظمي وقارب صغير وأشكال أخرى وُزّعت على الطاولات أمام المارة.

أما زميله محمد يوسف عوض طالب هندسة الموادّ، فكان بكل شغف وحماسة يشرح لي كيف يمكن لمادة نستخدمها أن تحوّل أي سطح (ربما قطعة قماش) تمتص المياه عادةً إلى عازل للمياه حين نسكبها عليه.

كان يعيد الكَرَّة مرة واثنتين وثلاثاً دون ملل، وفي كل مرة كان طلاب أكثر يتجمعون حوله، وأطفال صغار تجذبهم تجربته، فيغلقون الآيباد أو الهاتف المحمول ويحاولون الاقتراب أكثر.

فلا مكان هنا لعصر الديجيتال الذي لا يعرف الأطفال غيره اليوم. كانت هذه الفاعليات بطريقة مباشرة، تخلق جوّاً ملائماً لأجيال جديدة لم تعاصر الكتب الورقية ولا الجرائد.

وإلى جانب قسم الهندسة كان طلاب الطب البشري يقفون لدعوة المارة إلى قياس ضغطهم أو وزنهم وإمدادهم بالمعلومات الطبية البسيطة الواجب اتباعها يوميّاً للحفاظ على صحة جيدة.

عدد الطلاب العرب وصل في الجامعات التركية إلى 150 ألف طالب، فيما كان عدد الطلاب الأتراك في الجامعات التركية قبل سنوات لا يتجاوز هذا العدد، حسب ما قاله ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، خلال افتتاح المعرض صباحاً، مؤكّداً أن هذا يعني انفتاح الدولة التركية على الثقافات العربية والغربية كافة، لتصبح هذه الجامعات دولية.

فاعليات وأنشطة على مدار أيام المعرض التسعة

عماد كوسا، المسؤول عن الأنشطة الطلابية في المعرض، يرى في هذه المبادرات فرصة لتعريف الأطفال والشباب علوماً جديدة وتجارب قد تفتح آفاقهم.

ويقول في حديثه لـTRT عربي، إن اليوم الثاني للمعرض سيشهد فاعلية جديدة للأطفال الأيتام في إسطنبول يشارك فيها طالبات متطوعات من جامعات مختلفة.

أما في الزاوية الشمالية من المعرض فكان قسم الأنشطة "منظَّمة (لأنك إنسان) للدعم النفسي الاجتماعي".

تَجمَّع الأطفال داخلها مع أهاليهم، يلعب أكثرهم الشطرنج أو ألعاب ذكاء أخرى يتحدَّون فيها أنفسهم ويتعرفون فيها قدراتهم أكثر.

كذلك يستفيد الزوار من وجود مثقفين وشخصيات بارزة يشاركون في ندوات ومحاضرات وأمسيات، وورش عمل أدبية، إضافة إلى حفلات توقيع الكتب.

ففي الآونة الأخيرة بدأت عشرات من دور النشر العربية العمل في إسطنبول، بعد ارتفاع عدد الجاليات الناطقة بالعربية، فقد بلغ حجم الجاليات العربية في كل تركيا 9 ملايين نسمة.

ولوحات فنية كثيرة

لا ينتهي يومك في المعرض الكبير عند شراء الروايات أو الكتب التي تريدها فقط، فهناك مقهى للطعام والشراب يمكنك الاستراحة فيه والانطلاق بجولة جديدة خارج قاعة الكتب، حيث اللوحات الفنية الجميلة.

مجموعة من الفنانين التشكيليين المقيمين في إسطنبول، أسسوا جمعية "شام" للفنون التشكيلية، التي شاركت هذا العام في المعرض.

استوقفتني لوحات كثيرة تعلوها أسماء أصحابها، كل منها حملت رسالة حاول رسّامها أن يوصلها بريشته، فكانت الشابة المصرية الصغيرة ندى محمد من بين هؤلاء الفنانين.

سألتني عمّا أراه وأنا أنظر إلى لوحتها.

"قوارب الموت"، أجبتها وأنا أنظر إلى ابتسامتها المرحّبة بما قلْت. "بالضبط، هذه هي".

بدأت ندى المقيمة في إسطنبول منذ عام واحد، تحدّثني أكثر عن رسمتها، وكيف استوحت الفكرة من شعور تَوَلَّد داخلها من كل شاب أو شابة فكروا في الهجرة غير الشرعية، تاركين ماضيهم وراءهم، يخوضون الرحلة التي يعتقدون أن نهايتها صفحة جديدة وأمل جديد، وفي كثير من الأوقات يكون الموت بانتظارهم.

وإلى جانب ندى التي جلست مع والدتها تستقبل كل مَن استوقفته لوحتها المعروضة في المعرض، كان فنانون مثلها، جلسوا في قاعة صغيرة خُصّصت لهم ولزوّارهم، يلتقطون الصور معهم قبل مغادرة المعرض الذي يستمر لـ8 أيام أخرى.

تَطوَّع طلاب من مختلف الجامعات في إسطنبول بتخصُّصات عديدة، ليقدّموا تجاربهم أمام الزوار (TRT Arabi)
تحت شعار "الكتابيجمعنا"، انطلق المعرض برعاية كل من اتِّحاد الناشرين الأتراك، وجمعية الناشرين الأتراك، والجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي (TRT Arabi)
بين منصات الكتب الكثيرة، كانت نشاطات كثيرة نُظمت في زوايا المعرض بأكمله تلفت الأنظار: الهندسة المدنية المعمارية، والعلوم الإنسانية الاجتماعية (TRT Arabi)
مجموعة من الفنانين التشكيليين المقيمين في إسطنبول، أسسوا جمعية"شام" للفنون التشكيلية، التي شاركت هذا العام في المعرض (TRT Arabi)
أكثر من 200 دار نشر من 15 دولة عربية إلى جانب تركيا وإيران شاركت في المعرض هذا العام (TRT Arabi)
يوفر معرض إسطنبول للكتاب كتبا من كل نوع، روايات وكتبا تاريخية وفكرية وغيرها (TRT Arabi)
فاعليات معرض إسطنبول للكتاب تخلق جوّاً ملائماً لأجيال جديدة لم تعاصر الكتب الورقية ولاالجرائد (TRT Arabi)
TRT عربي