عالم الآثار المصري البارز ووزير الدولة الأسبق لشؤون الآثار زاهي حوّاس، في أثناء معاينته قطعة آثار مصرية أعادتها الولايات المتحدة إلى مصر عام 2010 (VICTORIA HAZOU/AFP)
تابعنا

أعادت إسبانيا الاثنين 36 قطعة أثرية مسروقة إلى مسؤولين مصريين، من بينها تماثيل آلهة وجرار لحفظ أحشاء الجثث المُحنَّطة.

وذكرت النيابة العامة المصرية في بيان لها أنّ "عملية التسليم جاءت نتاجاً لتضافر الجهود بين النيابة العامة ووزارة الخارجية المصرية وسفارة جمهورية مصر العربية لدى إسبانيا للتنسيق مع السلطات هناك من أجل الحفاظ على التراث التاريخيّ المصريّ (…) وفي إطار إستراتيجية الدولة المصرية في الحفاظ على تاريخها ومقدّراتها".

وتكثّف القاهرة جهودها لاستعادة نحو مليون قطعة أثرية سرقها مهرّبون أو نهبتها دول استعمارية عبر التاريخ، غير أنّ تلك الجهود تُقابَل بتعنُّت وشروط تعجيزية تصعّب عملية استرداد الآثار، ولا تزال عشرات المتاحف حول العالم إضافة إلى دور المزادات العالمية تعرض الآثار المسروقة علناً.

فكيف نُهِب ذلك العدد الضخم من الآثار النادرة، وما هي أبرز الدول والجهات المستحوذة عليها حالياً؟ وهل تنجح الجهود المصرية الرامية لاستعادة تراثها المتناثر بأرجاء العالم؟

النيابة العامة المصرية تسترد من السلطات الإسبانية ستًّا وثلاثين قطعةً أثرية مُهربة إلى مدريد حيث كان قد انتقل وفد رفيع...

Posted by ‎Egyptian Public Prosecution النيابة العامة المصرية‎ on Monday, December 20, 2021

سرقة وتنقيب وهدايا

تُعتَبر السرقة أبرز الأسباب وأوسعها انتشاراً لتهريب الآثار المصرية إلى الخارج. وتعود عمليات السرقة إلى أيام الفراعنة أنفسهم، إذ كان عمال المقابر يسرقون المقتنيات الغالية المصنوعة من الذهب، وحينها تمّ إجراء تحقيق شهير معروف باسم "بردية سرقات المقابر"، حسبما ذكر مجدي شاكر، الخبير الأثري المصري.

واستمرّت السرقة خلال العصور القديمة مع الرومان الذين استولوا على أهم قطع الآثار إبّان احتلالهم مصر خلال القرون الستّة الميلادية الأولى. وخلال القرون التالية انتشرت عمليات النهب الواسعة لآثار مصر وتراثها العريق، إلى أن كُشِف عن الكتابة الهيروغليفية عام 1822، وهو ما زاد من طمع الأوروبيين في سرقة كل ما استطاعت أيديهم الوصول إليه من آثار.

وبجانب السرقة، توجد عمليات التنقيب الشرعي وغير الشرعي عن الآثار، حيث يكون الأوّل بإشراف وزارة الآثار، أمّا الآخر فيتم خُلسَة من خلال الأهالي بعيداً عن أعين الجهات الرسمية، ويتسبّب الأخير في تمكّن مافيا الآثار من تهريب القطع الأثرية والاتجار بها.

وسمح بعض الملوك والحكام المصريين وحتى فترات قريبة، في خروج بعض الآثار من مصر على هيئة هدايا لتعزيز علاقاتهم مع دول العالم المختلفة. وكان عهد محمد علي باشا أكثر الفترات التي شهدت انتشار تلك الظاهرة على نحو واسع، إذ سعى لتوطيد علاقاته الخارجية لا سيّما مع الدول الأوروبية عبر تقديم تحف وقطع أثرية لهم.

أبرز جهات الآثار المصرية المُهرَّبة

تحظى بريطانيا وفرنسا، وهما القوتان الاستعماريتان الغربيتان صاحبتا الإرث الاستعماري الوحيد في تاريخ مصر الحديث خلال القرنين الـ19 والـ20، بنصيب الأسد في الاستحواذ على الآثار المصرية المنهوبة من حيث العدد والأهمية. ويُضاف إليهما ألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا.

وأحصى الباحث والأكاديمي المتخصص في الآثار، حسين دقيل، قائمة بأبرز المتاحف والجهات المستحوِذة على آثار مصرية، مؤكّداً أنّ تلك الآثار كثيراً ما تكون "العماد الأساسي الذي أُقيمَت عليه تلك المتاحف. كما أنّ ميادين تلك الدول تتزيّن بمسلّات مصرية فريدة، ومعابد عريقة".

ويحتوي المتحف البريطاني في لندن وحده على أكثر من 100 ألف قطعة آثار مصرية، ويليه متحف "بتري" للآثار المصرية بالعاصمة البريطانية أيضاً والذي يشمل حوالي 80 ألف قطعة أثرية مصرية، وفي قائمة المتاحف البريطانية الأخرى يأتي المتحف "الأشمولي" في أكسفورد، ومتحف "فيتزوليم" في كامبردج، ومتحف العالم بمدينة ليفربول ومتحف مانشستر شمالي انجلترا، ويصل مجموع الآثار المصرية في المتاحف البريطانية نحو 275 ألف قطعة.

وحول العالم، يستحوذ المتحف المصري بالعاصمة الألمانية برلين، على ما يقرب من 80 ألف قطعة أثرية تشمل كل الحقب التاريخية المصرية، ومتحف "اللوفر" بعاصمة الأنوار الفرنسية باريس، والذي يشمل نحو 50 ألف قطعة أثرية. كما تشمل العديد من المتاحف الأمريكية مئات الآلاف من قطع الآثار المصرية مثل متحف الفنون الجميلة بولاية بوسطن ومتحف "كيسلي" لعلم الآثار في مدينة في ولاية ميشيغان، وبكلٍ منهما أكثر من 45 ألف قطعة أثرية مصرية مُهرّبة.

جهود استرداد الآثار

يقسّم علماء المصريات الآثار المصرية المهرّبة إلى الخارج إلى ثلاثة أنواع، أولها الفئة التي حصلت عليها بعثات أجنبية شاركت في عمليات التنقيب على الآثار قبل عام 1983، وهو وقت صدور قانون حماية الآثار، حيث كان يُسمَح للبعثات الأجنبية الحصول على نسبة من الآثار المكتشَفة، وكذا الآثار المُهدَاة عبر حكام مصر السابقين، وتقع جميعها في فئة لا يمكن استرجاعها نظراً لخروجها من البلاد على نحو شرعي.

وتشمل الفئة الثانية الآثار الّتي اختلسها مافيا ولصوص الآثار وهُرِّبت إلى الخارج خُلسة، وتقع أيضاً في نطاق الآثار غير الممكن استعادتها لعدم تسجيلها، فيما تحوي الفئة الثالثة القطع الأثرية الّتي اكتُشِفَت عبر البعثات الأثرية المختلفة وسُجِّلَت لدى المجلس الأعلى للآثار ثم هُرِّبَت إلى الخارج، وهى القطع التى يمكن استردادها.

وعلى هذا النحو، تسعى الحكومة المصرية إلى ملاحقة مهرّبي الآثار ومطالبة مختلف الحكومات حول العالم لإعادة الآثار الّتي تقع ضمن الفئة الثالثة، فيما أوقِفت عملية إهداء الآثار المصرية إلى البعثات الأجنبية بموجب قانون الآثار لعام 1983 الّذي يعتبره مختصّون نقطة تحوُّل فى حماية الآثار المصرية من السرقة والنهب. ويأتي هذا إضافة إلى تشديد العقوبات على الاتجار بالآثار أو مجرّد الحفر والتنقيب عليها، إلى السجن لمدد تترواح بين 3 و7 سنوات، وغرامات مالية لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه مصري.

وتقدّم خبير الآثار المصري مجدي شاكر، بتشكيل "لجنة شعبية لإرجاع التراث" تضم شخصيات مصرية مشهورة في الخارج، وتعمل على استرداد الآثار المُهرّبة خارج مصر، على أن تشمل اللجنة أشخاصاً مثل كلٍ من محمد صلاح، لاعب كرة القدم المصري البارز في صفوف في نادي ليفربول الإنجليزي، وعالم الآثار صاحب الشهرة الواسعة دولياً، زاهي حوّاس، وغيرهما.

ورأى أنّه في حال عدم التمكّن من استرجاع الآثار، يمكن التفاوض على حق الملكية الفكرية، والعمل للحصول على فوائد من الآثار، مثل نسبة من عوائد زيارة الأثر، وهي بملايين الدولارات.

TRT عربي
الأكثر تداولاً