تابعنا
يعد "تفل القهوة" (Spent Coffee Grounds) أحد أنواع النفايات العضوية التي تُشكّل نسبة كبيرة من النفايات التي تذهب إلى المدافن، ولذلك؛ من الضروري البحث عن حل لإعادة تدويره.

بأكثر من 2.25 مليار كوب تُستهلك يومياً في العالم، يتشارك أغلب الأشخاص حبهم القهوة بأشكالها وتسمياتها المختلفة، بوصفها مشروباً مشتركاً في كثير من الثقافات حول العالم، ولِما لها من دور في زيادة نشاط الدماغ لاحتوائها على الكافيين، خصوصاً في الصباح.

ولا شكّ في أنّ استهلاك القهوة بهذه الكميات الكبيرة ينتج عنه مخلّفات، أبرزها بقايا القهوة المطحونة أو ما يعرف عامةً بـ"تفل القهوة"، التي تكون ضارّة للبيئة إن لم يُعد تدويرها لاستخدامات أخرى.

ويُنتج ما يقدَّر بنحو 18 مليون طن من بقايا القهوة المطحونة على مستوى العالم سنوياً، وينتهي معظمها في مكبات النفايات، إذ يؤدي تحللها إلى إطلاق غاز الميثان الذي يؤثر على ظاهرة الاحتباس الحراري أقوى بـ21 مرة من تأثير ثاني أكسيد الكربون، وفق مراجع علمية.

"مورد قيّم"

يعد "تفل القهوة" (Spent Coffee Grounds) أحد أنواع النفايات العضوية التي تُشكّل نسبة كبيرة من النفايات التي تذهب إلى المدافن، ولذلك؛ من الضروري البحث عن حل لإعادة تدويره، وهو ما تمّكن باحثون في أستراليا من تحقيقه عبر إعادة تدوير بقايا القهوة المستعملة لصنع خرسانة (باطون) أقوى، فيما وصفوه بـ"مورد قيّم".

وحسب الدراسة المنشورة مؤخراً للباحثين في مجلة "Cleaner Production"، فإنّ قطاع الخرسانة والبناء يمتلك القدرة على المساهمة بشكل كبير في زيادة معدل إعادة تدوير هذا النوع من النفايات، لكن ليس بالشكل الذي تنتج عنه بقايا القهوة بالضبط، وذلك نظراً لـ"محتواها العضوي العالي"، إذ سعى البحث في تجربة "الانحلال الحراري" (Pyrolysing) لهذه النفايات وتحويلها إلى "فحم حيوي" (Biochar) عند درجات حرارة مختلفة (350 و500 درجة مئوية) لتحديد مدى ملاءمتها في تحسين الخواص الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية للخرسانة.

ولِما لهذه النفايات من آثار سلبية على تغيير المناخ، أكّدت الدراسة الحاجة الملحّة لاكتشاف حلول إعادة التدوير المختلفة التي يمكن أن تساعد على تحويل النفايات العضوية -التي يعد "تفل القهوة" منها- من مدافن النفايات إلى التطبيقات التجارية، الذي بدوره لا يعالج من انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالتخلص من النفايات العضوية فحسب، بل سيسهم أيضاً في "الاقتصاد الدائري المغلق" وهو مفهوم يعتمد على الاستخدام المستمر للموارد، ويخلّف حداً أدنى من النفايات.

كما أشارت الدراسة إلى أنّ الاستخراج المستمر للرمال الطبيعية لتلبية الطلب المتزايد والسريع في صناعات البناء والتشييد له آثار كبيرة على البيئة والاستدامة على المدى الطويل، إذ هناك تحديات حرجة وطويلة الأمد في الحفاظ على الإمدادات المستدامة بسبب الطبيعة المحدودة لموارد الرمال والآثار البيئية المرتبطة باستخراجها، ولهذا السبب تحتاج صناعة البناء إلى استكشاف مواد خام بديلة لضمان استدامتها على المدى الطويل.

وقال رئيس الفريق البحثي، البروفيسور جي لي، إنّ "الفحم الحيوي للقهوة يمكن أن يحلّ محلّ جزء من الرمال التي كانت تُستخدم لصنع الخرسانة".

وأضاف أنّ "الاستخراج المستمر للرمال الطبيعية في جميع أنحاء العالم، التي تؤخذ عادةً من قيعان الأنهار وضفافها -لتلبية الطلب المتزايد بسرعة في صناعة البناء والتشييد- له تأثير كبير على البيئة"، إذ يُستخدم 50 مليار طن من الرمال الطبيعية في مشاريع البناء على مستوى العالم كل عام.

خرسانة أقوى بـ30%

المهندسون في جامعة "Royal Melbourne Institute of Technology" الأسترالية (RMIT) طوَّروا تقنية لجعل الخرسانة أقوى بنسبة 30% من خلال دمج بقايا القهوة المتحللة حرارياً في مواد الخرسانة التي كوّنت رابطة قوية مع مصفوفة الإسمنت، في أول دراسة تثبت إمكانية استخدام بقايا القهوة المطحونة لتحسين الخرسانة، وفق ما نشره موقع الجامعة في 23 من أغسطس/آب الماضي.

وأوضح رئيس الدراسة، الدكتور راجيف رويشاند، من جامعة "RMIT"، أنّ الفريق طوّر التقنية عن طريق تحويل مخلّفات القهوة إلى الفحم الحيوي (مادة صلبة غنية بالكربون تُنتَج من خلال عملية التحلل الحراري)، باستخدام عملية منخفضة الطاقة من دون أكسجين عند 350 درجة مئوية، ومن خلال استبدال 15% من الرمل المستخدم عادةً في الخرسانة بالفحم الحيوي للقهوة، ووجد الباحثون أنّ الإضافة عززت القوة بنسبة ما يقارب 30%.

وشرح أنّ إنشاء الفحم الحيوي ينطوي على تحميص القهوة المستعملة بنفس الطريقة التي تحمَّص بها الحبوب غير المستخدمة لتحسين مذاقها، قائلاً: "نحن نفعل الشيء نفسه، ولكن في غياب الأكسجين لمنع إنتاج ثاني أكسيد الكربون، إذ لا نريد أن يصل الكربون إلى الغلاف الجوي ويؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة".

وذكر الدكتور رويشاند أنّ "التخلص من النفايات العضوية يشكّل تحدياً بيئياً لأنه تنبعث منه كميات كبيرة من الغازات الدفيئة بما في ذلك غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون، التي تسهم في تغير المناخ"، مضيفاً أنّ "مصدر الإلهام لعملنا كان إيجاد طريقة مبتكرة لاستخدام كميات كبيرة من مخلّفات القهوة في مشاريع البناء بدلاً من الذهاب إلى مدافن النفايات، وذلك لإعطاء فرصة للقهوة أن يكون لها استخدام آخر في الحياة".

وأبدى الكثير من الجهات والمجالس المحلية التي تكافح من أجل التخلّص من النفايات العضوية اهتماماً بعمل المهندسين في الجامعة، "لقد أشركونا بالفعل في مشاريع البنية التحتية المستقبلية مثل بناء الممرات والأرصفة التي تتضمن موادها أشكالاً متحللة حرارياً من النفايات العضوية المختلفة"، حسب الدكتور رويشاند.

بدوره، أكّد الباحث المشارك الرئيسي في الدراسة، الدكتور شانون كيلمارتن لينش، أهمية قطاع البناء في جميع أنحاء العالم لإمكانية أن تدخل فيه نفايات قابلة للتدوير، لافتاً إلى أنّ البحث لا يزال في مراحله الأولى والنتائج الأولية تقدّم طريقة مبتكرة لتقليل كمية النفايات العضوية التي تذهب إلى مكب النفايات بشكل كبير.

وحذّر الباحثون من أنهم ما زالوا بحاجة إلى تقييم المتانة طويلة المدى لمنتجهم الإسمنتي، وأنهم يعملون الآن على اختبار كيفية أداء "إسمنت القهوة الهجين" في ظل دورات التجميد/الذوبان، وامتصاص الماء، والتآكل والكثير من الضغوط الأخرى.

TRT عربي
الأكثر تداولاً