رجل من اليمن يقف بجوار إحدى مزارع القهوة (Others)
تابعنا

تُعدّ القهوة اليمنية مِن أشهر أنواع القهوة في العالم، إذا لم تكن أشهرها على الإطلاق. لِما لا وهي الأولى التي صُنعت كمشروب بعد اكتشاف نبتتها في إثيوبيا. يقول المتخصصون إن أول من استخدمها في اليمن هم رجال الدين الصوفيون، والذين كانوا يستخدمونها لإعانتهم في أداء شعائرهم التعبّدية، خاصة في أوقات الليل المتأخرة. كما تقول الروايات إن أول من استخدمها مِن رجال الصوفيّة في اليمن هو العلّامة الصوفي أبو عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني، ومنها انطلقت القهوة اليمنية إلى جميع أنحاء العالم.

احتكر اليمن تجارة القهوة عالمياً طيلة ثلاثة قرون من الزمن، ابتداءً مِن القرن الحادي عشر الهجري حتى القرن الثالث عشر الهجري (القرن السابع عشر الميلادي إلى القرن التاسع عشر الميلادي).

كان أول من عرف اسم القهوة أو البُن بمفهومها الحالي هو الطبيب العربي داوود الأنطاكي (950هـ/1008م) في أحد كتبه، حيث قال إن البُن ثمرة شجرة في اليمن تُحمّص وتُطحن فتُسمّى قهوة. تحدثت الدراسات بأن أول شحنة للقهوة اليمنية صدرت من ميناء المخاء في غرب اليمن والمطل على البحر الأحمر، تحديداً في العام 1628. وصل أعلى إنتاج للبُن اليمني في الماضي في العام 1720، وذلك بعد أن أنشأ الهولنديون مصنعاً للبُن في مدينة المخاء في العام 1708. وبعده بعام فقط، أي في 1709 أنشأ الفرنسيون أول مصنع خاصٍّ بهم للبُن في اليمن في عدّة مناطق منها المخاء والحُديدة.

وقد ارتبط اسم القهوة في العالم باسم المناطق اليمنية التي كانت تصدر منها. كاسم مدينة المخاء اليمنية والتي تقع في جنوب غرب اليمن، والتي جاء منها اسم "موكا"، حيث كانت تُصدّر القهوة اليمنية في بداياتها من ميناء المخاء التجاري. وما زال اسم "موكا كافيه" يُطلق على القهوة في جميع أنحاء العالم. أو اسم أرابيكا، وهذا الاسم أخذ من اسم "العربية السعيدة"، وهو الاسم الذي تشتهر به اليمن حتى الآن. أما كلمة "كافي" فهي مشتقة من كلمة قهوة، حيث كان العثمانيون ينطقوها "كهفيه"، ومنها انتقل الاسم إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية.

كثيرة هي أنواع القهوة اليمنية. فاليمنيون يصنّفونها إلى أربعة أنواع رئيسية، وهي: الدوائري، والعُديني، والبرعي، والتُفَّاحي. ويحمل كلّ نوع من هذه الأنواع أشكالاً ومذاقات خاصة يتميّز بها عن الأنواع الأخرى. كما تندرج تحت هذه الأنواع العديد من سلالات القهوة اليمنية والتي عادة ما تحمل اسم المناطق التي تُزرع فيها، مثل الحمَّادي، والوصابي، والحرازي، واليافعي، والآنسي، والبيضاني، والحيمي، والخولاني، والبرعي، والريمي، والحواري وغيرها الكثير.

وبالرغم من الركود الذي أصاب زراعة القهوة اليمنية في القرن الأخير، حيث إنه خلال الأعوام الـ60 الماضية انخفضت الصادرات اليمنية من القهوة من نحو 40 ألف طن سنوياً إلى 7 آلاف طن فقط، فإن مساحات زراعة البُن اليمني حتى منتصف القرن الـ20 وتحديداً قبل 60 عاماً من الآن وصلت، وفقاً لإحصائيات وزارة الصناعة والتجارة اليمنية، إلى أكثر من 110 آلاف هكتار. وإن الإنتاج وصل إلى نحو 55 ألف طن. في حين أنّ كمية التصدير إلى خارج اليمن وصلت إلى أكثر من 44 ألف طن سنوياً. وبحسب إحصاءات وزارة الزراعة اليمنية للعام 2019، فإن اليمن يحتلّ المركز الـ42 من أصل 64 دولة مصدّرة للقهوة عالمياً. وتُغطّي المساحة الزراعية للقهوة أو البُن نحو 34 ألف هكتار فقط، كما يبلغ الإنتاج السنوي للبُن قرابة 20 ألف طن.

إلا أن هناك مبادرات شعبية كبيرة يشهدها اليمن في الآونة الأخيرة، حيث باشر بعض المواطنين في مناطق يمنية مختلفة بإعادة الاعتبار لزراعة شجرة القهوة والبُن اليمني، بعد أن طغت زراعة القات على معظم المناطق التي كانت تُزرع فيها القهوة، من خلال تنفيذ مشاريع استثمارية برؤوس أموال بسيطة، استطاعوا من خلالها زراعة العديد من الأراضي ثم بدء عملية التصدير إلى أكثر من دولة حول العالم.

وفي هذا الخصوص صرّح رجل الأعمال اليمني الشاب حسين أحمد لموقع TRT عربي بأن القهوة اليمنية بدأت الانتشار مجدداً حول العالم، وذلك بفضل التفات بعض رجال الأعمال، خاصة من هم في سنّ الشباب والذين تبنّوا أعمال زراعة القهوة من جديد وإعادة إنتاجها وتصديرها الى الخارج. حسين هو صاحب شركة Mocha Hunter وتُعتبر من أهم الشركات المتوسطة التي تُنتج القهوة اليمنية أو البُن وتصدّره إلى خارج اليمن.

يروي السيد حسين بدايته مع هذه التجارة حيث يقول: "بدأت العمل في مجال تجارة القهوة والبُن اليمني منذ 2008 وذلك من خلال فتح "محل كافي" صغير في العاصمة طوكيو باليابان، أما العمل في هذا المجال باحترافية فقد بدأ عام 2010.

ويضيف بأن التحدي في "مجال تجارة القهوة اليمنية والبُن كبير، نظراً لارتفاع أسعار الشحن والجمارك". ولكنه أضاف مستدركاً: "هذا لا يمنع. فالفُرص كبيرة وحاجة السوق إلى القهوة اليمنية يخلق آفاقاً تستطيع بدورها تلبية طموحات وأفكار الشباب الذي يحلمون بأن يُصبحوا تجاراً متخصصين في إنتاج القهوة وتصديرها". ويضيف: "لقد قمت السنة الماضية 2021، بتصدير بضاعتي الخاصة من منتجات شركتي إلى بعض دول الخليج وإلى شرق آسيا، تحديداً إلى كوريا، وأيضاً إلى بريطانيا وأمريكا وبعض الدول الأوروبية".

وأخيراً يؤكد رجل الاعمال اليمني حسين أن القهوة اليمنية لاقت رواجاً كبيراً في بعض الأسواق الأمريكية، خاصة بعد أن فتح بعض الشباب اليمنيين هناك مقاهٍ خاصة بتقديم القهوة اليمنية، الأمر الذي لفت انتباه المهتمين سواء من اليمنيين أو غيرهم. ويحثّ حسين الشباب اليمني على التفكير بجدية في إنشاء مشاريع زراعية وتجارة القهوة اليمنية، لأنّ مستقبلها، وفق تعبيره، واعد وتُعتبر بيئة خصبة للاستثمار.

وعلى الرغم من انخفاض نسبة زراعة وإنتاج القهوة والبُن اليمني في السنوات والعقود الأخيرة، لأسباب متعددة من ضمنها انتشار زراعة القات، فإن خصائص القهوة اليمنية ومذاقها الفريد، بالإضافة إلى تميّز الأرض اليمنية عن بقية الأراضي التي تُزرع فيها القهوة حول العالم، يُعطي الكثير من الفرص أمام اليمنيين للعودة إلى إنتاج القهوة من جديد، وبكفاءة عالية. وعلى ما يبدو، فإنّ بوادر هذا التوجّه قد بدأت الظهور في السنوات القليلة الماضية على أيدي بعض الشباب اليمني، الذين أمسكوا بزمام المبادرة وانطلقوا نحو العالمية لتحقيق طموحاتهم ولإعادة الاعتبار لتجارة القهوة اليمنية، الأمر الذي سيكون له انعكاسات على السوق المحلية والدولية، وسيُشجع القطاعات العامة والخاصة لإعادة إنتاج أهم مصدر دخل قومي لليمن.

TRT عربي