تابعنا
يضطرّ الكثير من المهاجرين إلى قطع آلاف الأميال نحو الحدود المكسيكية ـ الأمريكية، فارّين من الفقر والعنف، وباحثين عن "الحلم الأمريكي"، لكنْ، مع وصول دونالد ترمب إلى الحكم، تحوّلت أحلامهم إلى كوابيس.

واشنطن ـــ في وقت يتسابق فيه المرشحون الديمقراطيون للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 إلى بلورة برامج انتخابية تعد بإصلاح "ما أفسدته" سياسة دونالد ترمب، قرر الأخير أن يبدأ حملته الانتخابية أيضاً واضعاً المهاجرين غير الشرعيين في مقدمة أهدافه.

الرئيس أعلن في تغريدة على حسابه في تويتر أن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ في عملية ترحيل الأجانب غير الشرعيين "في أسرع وقت"، وهو القرار الذي أثار الكثير من الجدل في الأوساط السياسية وأيضاً بين المهاجرين المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية.

ومباشرة بعد إعلان القرار سارعت مدن أمريكية عدة إلى إعلان رفضها المشاركة في العملية، التي كانت تستهدف ألفَي أسرة، سبق أن حصلت على أوامر بالترحيل من محاكم الهجرة الأمريكية.

النقاش حول جدوى الترحيل ورفض بعض عُمَد المدن المشاركة في تنفيذه، دفع بالرئيس إلى إعلان تأجيل القرار لمدة أسبوعين استجابة لطلب الديمقراطيين، الذين خيّرهم بين مساندة إصلاح قانون اللجوء والشروع في ترحيل المعنيين.

وعلى الرغم من قرار التأجيل، يعيش الملايين من المهاجرين غير الشرعيين على أعصابهم منذ تلك التغريدة، إذ توقف بعضهم عن الذهاب إلى العمل، كما فضّل آخرون تجنّب زيارة المصالح الحكومية خوفاً من الترحيل، كما هو الشأن بالنسبة لروزا، وهي مهاجرة من السلفادور.

"وصلت إلى أمريكا منذ حوالي سبع سنوات، فرحت كثيراً عندما وطئت قدماي هذه البلاد، لكني لم أتصور أني سأعيش في الظل"، تروي المتحدثة قصتها لـTRT عربي.

تشتغل روزا في مطعم مكسيكي في ولاية فرجينيا، حيث تقضي 12 ساعة يومياً في غسل الصحون وتنظيف مرافق المطعم قبل نهاية الدوام وبعده. وكغيرها من المهاجرين غير الشرعيين، تشتغل الشابة بمبلغ زهيد يمنح لها نقداً عند نهاية كل أسبوع.

وتقول روزا إن قرار الرئيس أزعجها كثيراً، وتخاف أي تنقلب أحلامها رأساً على عقب، "لست معنية بالقرار، فأنا لم أتوصل بعد بقرار الترحيل، لكني خائفة من أن تشمل العملية كل المهاجرين"، وتضيف وعلامات الخوف تعلو محياها "صرت أخاف من الذهاب إلى قضاء بعض الأغراض، أخاف أن أقع في يد شرطة الهجرة"، قبل أن تستدرك "نريد أن نعيش الحلم الأمريكي، أريد أن أصبح ثرية وأن يكون لي منزل وعمل قار، لماذا لا يدعوننا وشأننا؟".

وتعد روزا واحدة من المهاجرين الفارين من العنف والفقر في عدد من بلدان أمريكا الجنوبية، يضطرون إلى قطع آلاف الأميال على الأقدام في اتجاه الحدود المكسيكية-الأمريكية، آملين في الحصول على نصيبهم من "الحلم الأمريكي".

"الحلم انقلب إلى كابوس بمجرد وصول الرئيس دونالد ترمب إلى الحكم، لا أعرف لماذا يعادي المهاجرين، نحن نعمل في صمت ولا نتسبب في أية مشاكل. أعرف بعض الأسر التي رأى أبناؤها النور هنا. إن قرار الترحيل سيساهم لا محالة في تحطيم مستقبلهم"، تؤكد روزا لـTRT عربي.

ويبلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 10 ملايين مهاجر حسب آخر دراسة أصدرها مركز بيو للأبحاث الشهر الماضي، بانخفاض قُدر بـ14 % مقارنة بعام 2007، إذ كان عددهم حينها يقدر بـ12 مليون مهاجر، أغلبهم من دول أمريكا الوسطى.

وتتباين قوانين الولايات الأمريكية حول المهاجرين الشرعيين. وتسمح بعض الولايات لهم باستصدار بطائق هوية أو حتى الحصول على رخصة قيادة.

لكن الأمور بالنسبة لروزا تغيرت بشكل "جذري" مع الإدارة الأمريكية الجديدة، "أتذكر أيام أوباما، أتحسر فعلاً على تلك الأيام".

وربما لا تعلم المتحدثة أن الرئيس السابق باراك أوباما رحّل أكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين مقارنة بدونالد ترمب. وبلغة الأرقام رحّلت الإدارة الحالية 282 ألف مهاجر في السنة المالية لعام 2019، في حين رحل أوباما أزيد من 409 ألف مهاجر في السنة المالية لعام 2012، حسب الأرقام الرسمية للحكومة الفيدرالية.

سياسة الرئيس المتشددة تجاه المهاجرين لم تمنع الآلاف منهم من الاستمرار في التوافد على الحدود الجنوبية للبلاد. وتقول روزا إن بعض أقاربها يتربصون هناك منذ أشهر في انتظار فرصة قد تأتي وقد لا تأتي.

وتضيف "قوانين اللجوء تضمن لنا العيش الكريم. نحن هاربون من الفقر ومن العنف، ونرى في أمريكا بلدنا الثاني. مستعدون للانخراط في الاقتصاد وفي كل مناحي الحياة".

انصرفت روزا إلى عملها بعد أن رمقها صاحب المطعم بنظرات حادة، فهمت منها أن وقت الاستراحة انتهى.

صحيح أن وضعهم في البلاد غير قانوني إلا أن سبعة ملايين مهاجر غير مصرح بهم، يساهمون في عجلة الاقتصاد الأمريكي. ويعيش 57% من هؤلاء المهاجرين في ست ولايات أمريكية، وهي كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك ونيوجيرسي وإلينوي.

يبلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 10 ملايين مهاجر حسب آخر دراسة أصدرها مركز بيو للأبحاث (AP)
بعد تغريدة ترمب، أصبح الكثير من المهاجرين في أمريكا يعيشون في الظلّ، خوفاً من ترحيلهم (AP)
أعلن ترمب في تغريدة على تويتر أن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية ستبدأ في عملية ترحيل الأجانب غير الشرعيين في أسرع وقت (AP)
يريد الكثير من المهاجرين بأمريكا أن يعيشوا الحلم الأمريكي، وأن يصبحوا أثرياء، غير أن الواقع حوّل ذلك إلى كابوس (AP)
TRT عربي