تابعنا
عشر سنوات من الوجود الروسي-الإيراني في سوريا تَحوَّل فيه من حضور عسكري بذريعة حماية النظام من السقوط، إلى صراع اقتصادي بين الطرفين على تقاسم النفوذ والثروات السورية لاستعادة ما دفعته الدولتان في هذه المعركة.

العلاقة الاقتصادية بين سوريا وكل من إيران وروسيا في فترة ما قبل الحرب كانت متفاوتة، وتحكمها المصالح السياسية والعسكرية، وتعتبر العلاقة مع إيران كحليف في أدنى مستوياتها من الناحية الاقتصادية.

الصحفي الاقتصادي المحلي "م.ح" -طلب عدم ذكر اسمه- وصف العلاقات بين البلدين من الناحية الاقتصادية بأنها مثيرة للشفقة، وتابع قائلاً لـTRT عربي: "الفستق الإيراني والسجاد هما السلعتان الوحيدتان اللتان يعرفهما السوريون، وكذلك الجوز الإيراني الذي يأتي في مراتب متأخرة من الجودة بعد الجوز السوري".

فيما يرى أستاذ الاقتصاد الدكتور فراس شعبو في حديثه لـTRT عربي، أن العلاقة هي علاقة بين اقتصادين ضعيفين: "في الحقيقة نحن لم يكن لدينا صادرات بمعنى كلمة صادرات، وفي أحسن الأحوال حتى التبادل التجاري مع إيران لم يكن ذلك التبادل الكبير كما هو على المستوى السياسي، بل كان ضعيفاً لكون إيران تعاني مشكلات اقتصادية منذ زمن طويل".

اقتصاد السلاح

سوريا البلد الزراعي بامتياز كانت مكتفية ذاتياً، وهذا ما جعل طبيعة العلاقة الاقتصادية مع الروس تكون في مجال واحد هو السلاح، إذ ارتبطت سوريا بمعاهدات وثيقة عسكرياً مع الاتحاد السوفييتي ومن بعدها روسيا الاتحادية، إذ يُعتبر تسليح الجيش السوري في أغلبه روسي الصنع.

الصحفي المحلي ناصر علي "اسم مستعار" يقول لـTRT عربي: "باستثناء بعض الأدوية والعدد الصناعية لم يكن هناك مستوردات من روسيا، وفي الجانب الآخر كانت سوريا تصدّر إلى روسيا زيت الزيتون وبعض السلع الزراعية الروسية، فيما رسمت تجارة السلاح شكل العلاقة بين البلدين، مما حمّل سوريا ديوناً بمليارات الدولارات انعكست على المواطن السوري أولاً، وذلك بذريعة مواجهة الصراع مع إسرائيل وتحقيق ما يسمى بالتوازن الاستراتيجي".

علاقة غير متكافئة حكمتها السياسة وطموحات روسيا الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وهنا يرى الدكتور شعبو أنه "بالنسبة إلى لروس تُعتبر سوريا بوابة لموسكو في منطقة الشرق الأوسط وتستفيد منها لأغراض استراتيجية أكثر استفادتها من موادّ أو واردات، وعلى سبيل المثال بلغ حجم الصادرات الروسية إلى سوريا قبل الثورة نحو مليارَي دولار، أي نحو 13-14% من حجم الواردات السورية في تلك الفترة، وفي المقابل لا تشكل الصادرات السورية سوى 0.1%".

معاهدات احتلال

مع التدخل الروسي الإيراني في سوريا بطلب من نظام الأسد، واستعادة السيطرة على المناطق التي استولت عليها المعارضة، بدأت تتضح طبيعة الاتفاقات بين النظام وحليفيه، وتكشفت الاتفاقات السرية عن تسليم المواني السورية في اللاذقية وطرطوس لروسيا، ومناجم الفوسفات والغاز في المنطقة الوسطى لإيران، كسداد للديون المتراكمة على النظام لحساب الدولتين.

صحفي محلي طلب عدم ذكر اسمه قال لـTRT عربي موضحاً حال الاقتصاد المنهار: "مليارات الدولارات تراكمت على حكومة النظام، يدفع ثمنها الشعب السوري حالياً، وليتها كانت ديوناً من أجل البنية التحتية للبلد أو لإطعام ومعالجة السوريين، بل ثمن القنابل والرصاص الذي انهال عليهم على مدار سنوات الحرب".

وجهة نظر أخرى يقدّمها الدكتور شعبو تتلخص في أن الأمر مبيَّت قبل التدخل في سوريا: "عندما دخل الروس والإيرانيون كان هناك اتفاق مسبق على توزيع الأراضي والمناطق وتوزيع الحصص الاقتصادية. دخلوا ولديهم أجندة سياسية وأجندة اقتصادية، هذا أمر واقع، عندما كان الروس على الساحل والإيرانيون في المناطق الشرقية والوسطى، ومنذ عام 2018 أعلن الروس والإيرانيون أنهم بدؤوا استعادة كل دولار وضعوه في سوريا، وأنهم سيأخذون كل دولار دفعوه، بشكل امتيازات أو عقود أو تعهدات بنى تحتية وعقارات وفوسفات ومرافق لكثير من مفاصل الاقتصاد السوري".

صراع الحلفاء

تَنازُع السيطرة على الثروات السورية المحدودة بين الدولتين، والضغط الشعبي والمعارض، في إيران بالتحديد، دفع الحكومات المحتلة إلى الإعلان عن رغبتها في استعادة ما دفعته، وتسديد الأعباء الاقتصادية الكبرى المترتبة على النظام، ومع انعدام آفاق الحلّ السياسي وارتباط ذلك بملفات إعادة الإعمار التي ستساهم بها أوروبا ودول الخليج. كل هذه الأسباب أدّت إلى تفاقم الصراع على الأرض للوصول إلى أهمّ الثروات في سوريا، وإن كان على هيئة مناوشات في مناطق النفوذ، وآخرها ما حصل في شمال الرقة وسيطرة قوات موالية لروسيا على آبار للنفط والغاز كانت تسيطر عليها مليشيات موالية لإيران.

صراع المصالح والنفوذ بين روسيا وإيران في سوريا (AFP)

حتمية النزاع بين الطرفين كانت متوقعة وفق ما قاله الدكتور شعبو: "الصراع الاقتصادي لا بد منه في سوريا، لأن الروس يسعون للسيطرة على كل الاقتصاد السوري، مدفوعين برغبة إسرائيل في إخراج الإيرانيين من البلد، تؤيدها رغبة دولية أيضاً. وبالتالي يحاول الروس أن يقدموا أنفسهم بديلاً للإيرانيين من خلال بعض الاحتدام أو الصراع، لكنه ضمن المقبول وضمن المتفق عليه حتى يكون لإيران نوع من حفظ ماء الوجه".

محلل اقتصادي مقيم في دمشق يُدعى (س.ب) قال لـTRT عربي: "حجم الإنتاج المتنازَع عليه غير مؤثّر، لكنه كان يُستخدم لتمويل هذه المليشيات من قبل إيران، فعلى سبيل المثال فإن حقل الثورة ينتج ما يقرب من 2000 برميل يومياً، وحقل توينان للغاز ينتج نحو3 ملايين متر مكعَّب من الغاز يومياً و60 طناً من الغاز المنزلي، وألفَي برميل من المكثفات".

الوجود الأمريكي.. النفط لأغراض مختلفة

الاحتلال الأمريكي لمناطق شمال شرق سوريا له أهداف اقتصادية وسياسية واضحة تصبّ في مصلحة مليشيات PYD، وحرمان النظام وحلفائه من إعادة إحياء الاقتصاد السوري لأسباب سياسية تتعلق بطبيعة الصراع في سوريا.

يصف المحلّل الاقتصادي المحلّي السيطرة الأمريكية بالسيطرة المُحكَمة: " الوجود الأمريكي منع كل الأطراف من الاستثمار في الثروة النفطية التي تُعتبر عصب دعم الاقتصاد السوري، وتتركز أهم حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها حالياً مليشيات PYD في الحسكة وريف دير الزور".

الدكتور شعبو يرى أن هناك أهدافاً سياسية محضة، إذ لا عائد اقتصادياً يغري الأمريكي، كما يروج النظام وحلفاؤه: "الوجود الأمريكي في سوريا هو لأهداف سياسية بامتياز وليكون حلقة لإزعاج تركيا، وأكثر قرباً من الإيرانيين ومن حلفائهم، وبالتالي هذا المردود القليل النسبة لأمريكا ولا يساوي شيئاً، ولكن على الأقلّ يمدّ الجماعات التي تدعمها أمريكا بالمناطق الشمالية والشمالية الشرقية مليشيات PYD بشكل عامّ أو جماعة كردستان العراق لسداد نفقاتهم وتمويل عملياتهم في المنطقة، فهو ورقة سياسية في يد أمريكا تحاول تحريك جميع الفاعلين على الأرض".

الفوسفات لإيران

حتى الآن ما زالت إيران تسيطر على كامل إنتاج الفوسفات السوري باتفاقيات صورية مع حكومة النظام كما يقول ناصر علي الصحفي الاقتصادي لـTRT عربي: "تمسك إيران بملفين اقتصاديين، الأول والأهمّ هو حقول الفوسفات وسط سوريا، تحديداً في ريف مدينة تدمر، بالإضافة إلى حقلي الحسيان والحمّار النفطيين بريف البوكمال، وعززت وجودها بزيادة نقاط من قبل الحرس الثوري ومليشيات موالية، إذ يُنقَل الفوسفات إلى إيران عبر العراق".

النظام خارج اللعبة

اقتصر دور النظام في ما يحصل من نهب للثروات السورية، على توقيع اتفاقيات التنازل عن المواني السورية وحقول الفوسفات والغاز مقابل بعض الإمدادات المالية من إيران لدعم الليرة في مراحل انهيارها المستمر، وبعض شحنات الغاز المهرب وصفقات القمح السيئ الذي ترسله روسيا لتخفيف الضغط على النظام أمام مؤيديه الذين استشعروا ضعفه وانهياره.

من أجل هذا يرى الدكتور شعبو، أنه لا آفاق إنقاذية لاقتصاد السوريين في المدى المنظور ولو َتحقَّقت تسوية سياسية: "واقع الحال يتحدث عن 450 مليار دولار هي احتياج سوريا للتعافي، مضافاً إليها انهيار كبير لقيمة العملة الوطنية، وجملة معوقات منها البطالة وهجرة العمالة وخراب البنية التحتية، وانعدام الأمن المائي والأمن الغذائي والأمن الاقتصادي والأمن السياسي وحتى الأمن النفسي. هذا كله يحتاج إلى ضخّ أموال هائلة في البلد حتى يُعاد تفعيل وإعمار ما دُمّر، وهذا مرتبط بالجهات المقدمة".

حتى تاريخه لا حلول سياسية واضحة المعالم قد تساعد في حلول اقتصادية تساعد المواطن السوري الذي بلغ حدّ الجوع، وتعيد بعض ما خربته الحرب الطويلة وسرقة الثروات الوطنية.

TRT عربي