تابعنا
استحوذت قوات "فاغنر" الروسية على اهتمام وسائل الإعلام العالمية في الأشهر القليلة الماضية بعد دخولها بقوة في الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير/شباط 2023.

استحوذت قوات "فاغنر" الروسية على اهتمام وسائل الإعلام العالمية في الأشهر القليلة الماضية بعد دخولها بقوة في الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير/شباط 2023.

وعلى الرغم من دورها في الحرب الدائرة حالياً على الأراضي الأوكرانية، فإن المجموعة الروسية قد تطورت في السنوات الأخيرة، واتسعت مهامّها وفق مراقبين لتشمل عمليات القتل وكسب المال واستغلال النفوذ، إذ وصفتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنها "أداة منخفضة التكلفة بيد بوتين يمكن التنصل من الارتباط بها بسهولة".

وحول عدد الدول التي تنتشر فيها بالقارة الإفريقية، تختلف وسائل الإعلام ومعاهد الأبحاث والدراسات حول رقم دقيق، إذ دأب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ومقره واشنطن، منذ سنة 2016 على التحدث عن أدلة تثبت وجود متعاقدين عسكريين روس في أكثر من 10 دول بالقارة السمراء.

وهذه الدول هي: السودان، وجنوب السودان، وليبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ومدغشقر، وموزمبيق، كما تشمل القائمة بوتسوانا، وبوروندي، وتشاد، وجزر القمر وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والكونغو برازافيل، وغينيا، وغينيا بيساو، ونيجيريا وزيمبابوي، وفق ما أورد موقع قناة "فرانس 24" الرسمية.

تغلغل في إفريقيا

بعيداً عن صخب الحرب في أوروبا، تتمدّد المجموعة الروسية في أدغال إفريقيا بهدوء، إذ قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 23 فبراير/شباط الجاري، إن الولايات المتحدة توصلت إلى معلومات تفيد بأن مجموعة فاغنر تتعاون مع مجموعات تشادية مسلحة لتنفيذ خطة للتخلص من رئيس تشاد الانتقالي محمد إدريس ديبي والاستيلاء على السلطة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وأفارقة وأوروبيين أن واشنطن أطلعت السلطات في تشاد على تقارير استخبارية تُفيد بأن رئيس فاغنر يفغيني بريغوجين يتعاون مع مسلحين تشاديين لزعزعة السلطة الانتقالية في البلاد وربما لقتل الرئيس التشادي، كاشفة أن بريغوجين عرض على المسلحين التشاديين دعماً مادياً وعملياتيّاً لتنفيذ الخطة.

حضور بالسودان

تعزّز مجموعة فاغنر حضورها في السودان الذي يُعتبر ثالث أكبر منتج للذهب في القارة الإفريقية. ووفق تعبير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فقد شاركت المجموعة في عمليات "سحق الحركة الديمقراطية في البلاد".

ولدى فاغنر -وفق تقرير الصحيفة الأمريكية- نشاطات في التنقيب عن الذهب في أعماق الصحراء بولاية "الشمالية" بالسودان، ويُعتبر أحد مناجم الذهب الذي يقع على بعد 10 أميال من بلدة العبيدية بالولاية، إحدى البؤر الاستيطانية للمجموعة العسكرية الروسية.

وحسب التقرير حصلت فاغنر على امتيازات تعدين سودانية مربحة "تنتج سيلاً من الذهب". ويخشى مسؤولون أمريكيون استخدام هذا المخزون "لتخفيف تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا".

وتدعم المجموعة الروسية مساعي الكرملين "لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر لاستضافة سفنها البحرية التي تعمل بالطاقة النووية، في حين تتخذ من غربي السودان منصة انطلاق لعمليات المرتزقة في البلدان المجاورة ومصدراً محتمَلاً لليورانيوم، على حد قول "نيويورك تايمز".

وإلى جانب الامتيازات الاقتصادية، تكثّف فاغنر ما وصفته الصحيفة الأمريكية بـ"الشراكة مع القائد المتعطش للسلطة" الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وقالت إن فاغنر قدمت مساعدة عسكرية لقوات الأمن السودانية لـ"قمع حركة شعبية هشة مؤيدة للديمقراطية"، كما تساهم في إدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مؤيدة لقوات الدعم السريع التابعة لحميدتي.

ووفقاً لـ"نيويورك تايمز" فقد مهّدَت زيارة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير لروسيا ولقاؤه بوتين في منتجع سوتشي عام 2017، الطريق لقدوم فاغنر إلى السودان، حيث جلبت المجموعة بعد سقوط نظام البشير معدات تعدين وبناء وشاحنات عسكرية ومركبات برمائية وطائرتين مروحيتين للنقل.

وحسب وكالة الأناضول، بدأت فاغنر نشاطها في السودان منذ 2017، تحت غطاء عدة شركات، منها "ميروغولد" و"أم إنفست" للتنقيب عن الذهب، كما تنشط في عدة مدن سودانية من ميناء بورتسودان إلى الخرطوم ودارفور.

ويقع المعسكر الرئيسي لمرتزقة "فاغنر" حاليّاً في قرية "أم دافوق" المتنازع عليها على الحدود بين إفريقيا الوسطى والسودان، وفقاً لنقابة محامي دارفور.

نشاط في ليبيا

كما توجد فاغنر في ليبيا منذ 2018 وتدعم القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وتقدّر تقارير الأمم المتحدة المنشورة في سبتمبر/أيلول 2020، أعدادهم بما بين 800 و1000 مرتزق، فيما أكّد رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري أن أكثر من 7 آلاف مسلح من مرتزقة فاغنر في ليبيا.

وذاع صيت فاغنر أكثر بعد مشاركة مقاتليها في هجوم قوات حفتر الفاشل على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل/نيسان 2019.

مع ذلك توسع انتشار المجموعة في محافظتي سرت (شرق طرابلس) والجفرة (جنوب شرق طرابلس)، ويتمركزون بقاعدة القرضابية الجوية بسرت ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وسط ليبيا.

وحسب تقرير لوكالة الأناضول، تتمتع فاغنر بتسليح جيد، مع وجود طائرات مسيَّرة خفيفة مخصَّصة للمراقبة وتوجيه المدفعية، وقناصة، إضافة إلى منظومات "بانتسير" الصاروخية المضادَّة للطائرات، ومقاتلات "ميغ 29" الحديثة متعددة المهامّ، وقاذفات "سوخوي 24".

وتقول الوكالة إنه "ليس من المستبعَد أن تسعى فاغنر لتمهيد الأرضية للجيش الروسي لإقامة قاعدة بحرية وقاعدتين جويتين في ليبيا".

وتنقل وكالة أسوشيتد برس الأمريكية عن مسؤولين ليبيين قولهم إنه "منذ وقف إطلاق النار عام 2020، تركزت أنشطة فاغنر حول المنشآت النفطية في وسط ليبيا، وواصلوا تقديم التدريب العسكري لقوات حفتر".

من جانبه كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أواخر أبريل/نيسان 2022، أن فاغنر سحبت أكثر من ألف مرتزق من ليبيا من أجل إرسالهم للقتال في أوكرانيا "لتعويض خسائر الجيش الروسي".

ذهب وألماس إفريقيا الوسطى

أما جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني تردِّي الأوضاع الأمنية منذ 2013، فقد شهدت منذ 2018 وجوداً لمئات الجنود الروس وعناصر فاغنر تحت لافتة "مدرب عسكري"، لكن مجلة "ذا أفريكا ريبورت" الفرنسية قدّرَت عددهم بألفَي مدرّب عسكري تابع لفاغنر.

ولدى المجموعة الروسية عدة مهامّ في هذا البلد الإفريقي، حيث تؤدي دوراً في تدريب الحرس الرئاسي والجيش، لتأمين الرئيس فوستين أرشانج تواديرا، في ظل سيطرة متمردين على نحو ثلثَي مساحة البلاد.

وتحمي فاغنر مناجم الذهب والألماس، مقابل نسبة من العائدات، إذ يقع معظم هذه المناجم شمال شرقي البلاد، منها مناجم قرب مدينة بامباري، في مناطق نفوذ تحالف متمردي "سيليكا".

جاء ذلك بعدما حصلت شركة "لوباي إنفست سارلو" الروسية، في صيف 2018، على تراخيص للتنقيب عن الذهب والألماس، بعد أشهر من إرسال موسكو شحنات أسلحة إلى بانغي تضمنت أسلحة رشاشة وقاذفات صواريخ وأيضاً مدرعات ثقيلة.

وسبق لمنظمة الأمم المتحدة أن أعلنت أن فريقها المعني بنشاط المرتزقة خلص إلى أن شركات بينها فاغنر قد تكون متورطة في سلسلة من الهجمات الوحشية نُفّذَت بعد الانتخابات الرئاسية في إفريقيا الوسطى في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020.

في حين قال موقع "ديلي بيست" الأمريكي إن فاغنر أطلقت سراح متمردين محتجزين في زنزانات إفريقيا الوسطى بتهم الاغتصاب والقتل، ودفعتهم للقتال في دول مثل أوكرانيا ومالي.

وجود بموزمبيق

وبالقرب من حقول الغاز الطبيعي، يوجد مرتزقة فاغنر بمقاطعة كابو ديلغادو شمالي موزمبيق، ويتراوح عدد أفرادها بين 160 و300 عنصر منذ سبتمبر/أيلول 2019، مزودين بطائرات مسيَّرة وأدوات عسكرية عالية التقنية لتحليل البيانات، وفق وكالة الأناضول.

وينتشر عناصر فاغنر في بلدة موسيمبوا دا برايا الساحلية، ومنطقتي ناكالا ونامولا القريبتين من كابو ديلغادو، التي تستثمر بها كبرى الشركات العالمية 60 مليار دولار لاستغلال حقول الغاز البحرية، وهي أكبر استثمارات في إفريقيا.

وأواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019 قُتل عناصر من فاغنر في مواجهات مع تنظيم داعش الإرهابي وسط إفريقيا حسب صحيفة "موسكو تايمز"، فيما اتَّهم زعيم المعارضة في موزمبيق أوسوفو نوماد، موسكو بنشر "مرتزقة روس" شنّوا عمليات تخريبية في بلاده، وهو ما نفته روسيا رسمياً.

حضور في مالي

يؤكد المجلس العسكري، الذي تولى السلطة بمالي عقب انقلاب مايو/أيار 2021، أن ألفاً أو أكثر من "القوات شبه العسكرية الروسية" في البلاد موجودون لأغراض التدريب، وليس لهم أي أدوار قتالية.

على الجانب الآخر قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن استدعاء فاغنر كان "خياراً سيئاً للغاية" للسلطات المالية، إذ شهدت البلاد "زيادة بنحو 30% في الأعمال الإرهابية" في الأشهر الستة الماضية.

من جانبها نقلت وكالة أسوشيتد برس عن خبراء حقوقيين قالت إنهم يعملون مع الولايات المتحدة، أواخر يناير/كانون الثاني 2023، أن فاغنر ارتكبت "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مالي"، حيث تقاتل إلى جانب القوات الحكومية.

وقبل ذلك قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إن مرتزقة فاغنر مسؤولون عن مقتل وتصفية وإعدام مئات في مالي منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول 2021.

ما وراء انتشار فاغنر في إفريقيا؟

يقول الباحث المهتمّ بقضايا القرن الإفريقي عبد القادر محمد علي، إن انتشار فاغنر يرتبط بحالات التمرد والنزاعات المسلحة في عديد من الدول الإفريقية، "ما يفتح لها المجال لعرض خبراتها في معالجة هذا النوع من الاضطرابات".

ويوضح علي في حديثه لـTRT عربي، أن الاستعانة بفاغنر تُعَدّ أحد الخيارات المطروحة بالنظر إلى تعدُّد المناطق الساخنة في القارة الإفريقية، بعد فشل السلطات المحلية في التخلص منها، علاوة على فشل تحالفاتها مع القوى الغربية في إنجاز ذلك.

ويعتقد أن شركات المتعاقدين المسلحين تُعتبر إحدى أذرع السياسة الروسية في القارة السمراء "رغم إنكار السلطات في موسكو ارتباط نشاطات فاغنر بها"، مشيراً إلى أن الأخيرة تخدم أهداف الاستراتيجية الروسية للتوسع في إفريقيا.

ويوضح أن فاغنر توفّر للدولة الروسية عديداً من المكاسب، مستدلّاً بوصف بوتين لها بأنها "أداة لتحقيق المصالح الوطنية، إذ لا يتعين على الدولة نفسها الانخراط في الصراع".

وحول الأهداف من توسع انتشار فاغنر بأدغال إفريقيا، يعتقد الباحث المختصّ بالقرن الإفريقي، أن هذه المجموعة هي "أداة متعددة المنافع للحكومة الروسية"، لافتاً إلى أنها قد "تُستخدم لدعم بعض الحلفاء في دولة ما، أو لدعم نظام حكم في دولة أخرى وتوفير الحماية وبرامج التدريب".

ولدى فاغنر مهامّ أخرى وفق علي، لكونها تعمل على حماية الاستثمارات الروسية في التعدين بإفريقيا، وهو ما يعني أن لنشاطها "بعداً جيوسياسيّاً".

في السياق ذاته تنقل وكالة أسوشيتد برس عن الخبيرة في شؤون فاغنر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن كاترينا دوكس، أن المجموعة "تميل إلى استهداف البلدان ذات الموارد الطبيعية الممكن استخدامها لتحقيق أهداف موسكو، كمناجم الذهب في السودان على سبيل المثال، حيث يمكن بيع الذهب المستخرج بطرق تتجنب العقوبات الغربية".

TRT عربي