تابعنا
قُتل ما يزيد على 14شخصاُ وجُرح آخرون، السبت والأحد، خلال هجومين منفصلين نفذهما مسلحون تابعون لعصابات تجارة المخدرات بالمكسيك، واستهدفا حملتين انتخابيتين لمرشحين لرئاسة بلديّتَي فيلا كورزو وماباستيبيك، الواقعتين في ولاية تشياباس جنوب البلاد.

وحسبما أفاد مكتب المدعي العام في ولاية تشياباس، فإن المرشحين نَجَوَا على الرغم من إصابتهما، لكن 14 من مرافقيهما قُتلوا في الهجمات.

واستهدف الهجوم الذي وقع في ماباستيبيك السيارة التي يقودها نيكولاس نورييغا، المرشح لرئاسة البلدية. وفي حديثه لوكالة أسوشيتد برس، أكد نورييغا أنه أصيب خلال الهجوم وأن خمسة أشخاص على الأقل من حملته قُتلوا بالرصاص.

ونشر نورييغا في صفحته على فيسبوك: "إنني حزين بشدة على وفاة أصدقائي الذين أزهقت أرواحهم بطريقة جبانة. لن يسود الشر في قلوبنا أبداً، لأن كثيرين منا يحبون الحياة وفعل الخير.. إنني أدعو الأمة لتكريم الضحايا".

وليست هذه الهجمات أحداثاً استثنائية، بل هي موجة عنف واسعة تشهدها المكسيك تزامناً مع الانتخابات المزمع إجراؤها في شهر يونيو/حزيران المقبل، إذ تعمل كارتيلات المخدرات، وهي عصابات اتجار دولي في المخدرات وغسل الأموال والجريمة المنظمة، التي ازداد نفوذها في البلاد، على التدخل في العملية الانتخابية، وذلك بإرهاب المرشحين المعارضين لمصالح تلك العصابات وتصفية عدد منهم.

أزهقت حياة 28

ويأتي هجوما بلديّتَي فيلا كورزو وماباستيبيك بعد أيام قليلة من هجوم مماثل استهدف حدثاً انتخابياً لمرشح لمنصب عمدة مدينة كونكورديا، يوم الخميس 16 مايو/أيار الجاري، ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص، من بينهم المرشح لوسيرو لوبيز مازا.

وقال ممثلو الادعاء في ولاية تشياباس إنّ فتاة صغيرة كانت من بين الأشخاص الستة الذين قُتلوا في أثناء "مواجهة اندلعت بين مدنيين مسلحين خلال فاعلية انتخابية سياسية".

وفي يوم الجمعة 17 مايو/أيار الجاري عُثر على جثث أربعة أشخاص من بينهم مرشح لرئاسة بلدية مدينة كويوكا دي بينيتيز الساحلية في ولاية غيريرو، وزوجته. وقال صحفيون محليون إنّ الجثث عُثر عليها في سيارة محترقة في مقاطعة أكالبولكو، وكانت مقتولة بشكل بشع ومقطّعة الأوصال.

وقُتل 11 شخصاً يوم الأحد 12 مايو/أيار الجاري، في إطلاق نار في بلدى تشيكوموسيلو بولاية تشياباس، جرت فيها تصفية عائلة بأكملها وأُحرقت جثثهم من طرف مسلحي العصابات.

وحسب ما أفادت به أبرشية الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فإن "هؤلاء الرجال والنساء رفضوا مغادرة منازلهم، على الرغم من العنف والتهديدات والمضايقات من قِبل العصابات الإجرامية لإجبارهم على الانضمام إلى صفوفهم".

وبينما يستعدّ ملايين الناخبين المكسيكيين للتوجه إلى مراكز الاقتراع في انتخابات رئاسية ومحلية في 2 يونيو/حزيران المقبل، سجلت هذه الانتخابات حصيلة دموية ثقيلة للسياسيين الذين قضوا بفعل عنف عصابات المخدرات.

وذكرت منظمة داتا سيفيكا غير الحكومية أنه منذ سبتمبر/أيلول 2023 اغتيل ما لا يقل عن 28 مرشحاً، بالإضافة إلى 50 مواطناً آخرين.

وقالت المنظمة إنّ أثقل حصيلة للقتلى كانت في مدينة مارافاتيو، شمال العاصمة مكسيكو، حيث قتل ثلاثة مرشحين من أصل خمسة لرئاسة بلدية المدينة، كما تلقت مرشحة رابعة تهديدات بالقتل دفعتها إلى سحب ترشيحها.

الانتخابات الأكثر دموية

وتستهدف موجة العنف هذه مختلف الأحزاب المشاركة في الانتخابات، بما فيها حزب مورينا اليساري الحاكم. واحتج فريق الحملة الانتخابية لأحد مرشحي الحزب الحاكم على تحرش رجال العصابات بحملتهم، قائلين: "هذا ليس طبيعياً. هذه الأمور تجعلنا متوترين. لم يحدث ذلك من قبل".

بالمقابل، قلّل الرئيس المكسيكي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور من هذه الأعمال الإجرامية، قائلاً: "لحسن الحظ، كانت الهجمات أقل مما كانت عليه في الانتخابات الأخرى، ولكن في الوقت الحاضر يوجد كثير من الإثارة، إنه أمر مؤسف للغاية".

واتهم لوبيز أوبرادو خصومه السياسيين، الذين وصفهم بـ"النسور"، بأنهم "يسعون للاستفادة من عمليات القتل والمعاناة الإنسانية".

وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها المكسيك أحداثاً مماثلة، إذ شهدت انتخابات عام 2021 تسجيل 239 حادثة عنف سياسي، خلفت 179 حالة وفاة، بما في ذلك 36 مرشحاً، فإنّ محللين يُجمِعون على أن الانتخابات الجارية هي الأكثر دموية في تاريخ البلاد.

وقالت منسقة برنامج تقييم المكسيك للأمن ساندرا لي: "ما نواجهه اليوم هو مستوى من العنف لم يعُد يُقارَن بما كنا عليه من قبل، ومعظم هذه الجرائم جرى ارتكابها على مستوى البلديات. و80% من جرائم قتل المسؤولين والمرشحين حدثت خلال الفترة الانتخابية".

لماذا تستهدف الكارتيلات الانتخابات في المكسيك؟

أصبحت الفترة الانتخابية تمثل فرصَ عمل جيدة للمنظمات الإجرامية في المكسيك، إذ في الماضي كانت مصالحهم الاقتصادية تقتصر على إنتاج المخدرات وبيعها بالتجزئة، لكنهم نوعوا في السنوات الأخيرة مصالحهم الاقتصادية ويتطلعون الآن إلى استغلال الفرص الجديدة.

ومنذ تولي الرئيس لوبيز أوبرادو السلطة في 2018، غيّر استراتيجية مواجهة كارتيلات المخدرات من الاعتماد على الملاحقات والاعتقالات إلى القيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية من أجل تجفيف الظاهرة من منابعها.

وحققت هذه الاستراتيجية نجاحاً نسبياً حسب إحصاءات البنك الدولي، إذ تراجع منسوب الجريمة في المكسيك من 28 جريمة قتل لكل 100 ألف نسمة عام 2018 إلى 23.3 جريمة قتل لكل 100 ألف نسمة في 2023.

لكن بالمقابل مثلت هذه الاستراتيجية الجديدة فرصاً إضافية للعصابات الإجرامية من أجل مراكمة الأموال. وبدأت الكارتيلات تطالب بأن تكون هي الجهة التي تتولى تنفيذ هذه المشاريع الاجتماعية، التي يمكن أن تساء إدارتها وتستنزف الأموال المخصصة لها لصالح تجارة المخدرات، التي تُعَدّ مصدر المال الرئيسي لهم.

وفي هذا السياق أظهرت الدراسات أن عصابات المخدرات لا تمارس إرادتها من خلال الاغتيالات السياسية فحسب، بل أيضاً من خلال تقديم مرشحيها أو تمويل حملات المرشحين الذين يسمحون لها بالعمل.

وأوضحت منسقة برنامج تقييم المكسيك للأمن أن الجماعات الإجرامية تسعى من خلال العنف إلى "تأسيس نوع من الحكم الإجرامي، الذي من خلاله تتملك السلطة الإقليمية وتسيطر على الاقتصاد والسياسة والمجتمع ككل".

هذا ما يؤكده أيضاً المدير التنفيذي لمنظمة العدالة الانتقالية في المكسيك خورخي بينيش، متوقعاً أن تكون انتخابات 2024 "أكثر الانتخابات عنفاً في تاريخ هذا البلد، مع انغماس السياسي بالاقتصادي إلى درجة مرعبة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً