تابعنا
في خضم سيل المعلومات المتدفقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحول هذه المنصات إلى نوافذ تغيير سياسي، أضحت الدعاية السياسية، الجوهر الخفي لبعض الممارسات الشعبوية التعبوية، وغايتها هندسة العقول، والتلاعب بالمشاعر، وصناعة المواقف السياسية.

مع اتساع رقعة الميدان الإعلامي، بدخول فواعل جديدة (الفضاءات الرقمية) إلى المعترك المشحون بأنواع الاستقطاب السياسي والإيديولوجي، تعاظمت الفجوة بين المفاهيم الأساسية للاتصال، وازداد الخلط المتعمّد بين ممارسة الاتصال (الإخبار والإعلام وتزويد المتلقين بالمعلومات المتنوعة)، وممارسة الدعاية السياسية، بهدف التأثير في الرأي العام وإدراك الجمهور المتلقي.

هذه الإشكالية ليست حديثة العهد كظاهرة موجودة في ميادين السياسة وحقول الإعلام، بل مارس النظام النازي حرب "التجنيد الفكري"، وكانت الدعاية السلاح الذي تفوق فيه هتلر. ثم عمل كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، على تطوير أساليب الدعاية السياسية، باستخدام العامل السيكولوجي، خلال حقبة الحرب الباردة.

وفي خضم سيل المعلومات المتدفقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحول هذه المنصات إلى نوافذ تغيير سياسي ومحطات تشكيل مجتمعي، أضحت الدعاية السياسية، الجوهر الخفي لبعض الممارسات الشعبوية التعبوية، وغايتها هندسة العقول، والتلاعب بالمشاعر، وصناعة المواقف السياسية المنقادة، باستخدام النكوص المنطقي كواحد من الأساليب الدعائية، التي لا تحاول خلق سياقات نفسية جديدة للجمهور المتلقي، بل تحاول استعمال مخزونهم النفسي والتحكم بهم بواسطته.

إذ تحاول الدعاية بحسب مؤلف كتاب الدعاية والدعاية السياسية غي دورندان، "الاستفادة من اللاوعي في شخصية الأفراد المستهدفين، وغرائزهم، وعدم تأهيلهم الكافي في ميدان المنطق، كما أن تعريف الدعاية على أنها (فن الإقناع)، هو بحد ذاته تضليل"، فممارسة فن الإقناع، يستوجب تحقق صفات الوعي الكامل والمنطق الصلب، وقدرة الطرف الآخر على التفريق بين الحقيقة والكذب، لذلك يمكن أن نعرّف الدعاية السياسية على أنها: فن التلاعب بالإدراك.

حرب المعلومات واجتياح العقول

اليوم ونحن نتصفح العوالم الرقمية، ندخل دون وعي إلى ميدان"حرب المعلومات"، وعندما نكتب رأياً أو نسجل موقفا، نصبح جنوداً في وحدة الأسلحة غير الفتاكة. غير أن هذا النشاط، الذي يمكننا من خلاله تشكيل رأي عام قد لا يكون مقصودا ضمن مخطط حرب نفسية لتغيير سلوك الجماهير وإدراكهم، لكن هناك من يستعمل هذا النوع من القتال الحديث غير المكلف، ضمن مخطط مقصود لـ"اجتياح العقول"وتعبئتها، وهو ما نراه جلياً إذا ما سلطنا الضوء على تويتر كمنصة احترف مستخدموها صناعة الدعاية السياسية.

بل أصبحت هذه الشبكات الاجتماعية، لاعباً أساسياً على الرقعة السياسية العالمية، وصارت تمارس سلطتها في التحكم بما يصل إلى لجمهور، وبما يتوافق والسياسات العالمية.

ومن هذه المنطلقات يمكن لنا أن نطرح السؤال التالي: هل يصنع المؤثرون العرب إعلاماً أم إعلاناً سياسياً مدفوعاً برؤى إيديولوجية خاصة؟ وكيف تحولت صناعة الخبر إلى حرب سياسية وسيكولوجية لها تأثيراتها وأبعادها على المجتمعات؟

ورغم أن أمامنا العديد من الأمثلة التي يمكن أن نسقطها على هذه الممارسات، إلا أنني لن اتطرق لها، لأترك حرية التفكير والتمييز للقارئ والباحث في هذا الشأن، لكن كيف يمكن أن نفهم الدعاية على المنصات الاجتماعية، وكيف لنا أن نميز بين نقل المعلومات، وشن حرب خفية بواسطتها؟

كيف نفهم الدعاية على المنصات الاجتماعية؟

للدعاية السياسية عبر المنصات الاجتماعية، سمات عديدة، إلا أن التقارب بينها وبين ممارسة أنواع أخرى للاتصال، يؤدي إلى التخبط لدى المتلقين، لذلك سنعمل على تسليط الضوء على أهم ما يميّز الدعاية في وسائل التواصل الاجتماعي.

أولاً: تعمل الدعاية السياسية وفق مبدأ الحشد والتعبئة، ويظهر ذلك في سعي من يمارسونها إلى إقناع المتلقين والجمهور بفكرة معينة وتدشين حملات يشارك فيها لجان إلكترونية للترويج للفكرة، وغالباً ما تتفق هذه الفكرة مع توجههم السياسي والإيديولوجي، وفي أحيان أخرى تتفق ورؤية النظام الحاكم الذي يتبعون له، كما يبرز هذا الدور في صوغ المبررات للنظام أو الحزب الحاكم، عندما يقبل على أفعال قد لا ترضى عنها الجماهير، فيعمل هنا الداعية إلى إيجاد مسوغات لهذا الفعل، بما يتناسب واحتياجات المتلقين النفسية (رغباتهم ومخاوفهم).

ثانيا: يستخدم الداعية في إيصال رسائله، أدوات عديدة، من أهمها اللغة الشعبوية، والتي تستند إلى كلمات تخاطب عواطف المتلقين وليس عقولهم، فنرى أن خطابه خالٍ من أي استنادات جوهرية منطقية، يقيم عليها حجته لصالح إغراقه في الاندفاع والتحريض والتضليل.

ثالثا: من الأدوات المستخدمة أيضا في هذا السياق، نشر الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، معتمداً على قلة المعلومات لدى الجمهور وميلهم إلى التصديق قبل البحث والتحري عن مصداقية الخبر من عدمه.

رابعاً: قد يلجأ صاحب الدعاية السياسية إلى استخدام أًطر مرجعية مقبولة لدى جماهيره في الترويج لأفكار معينة، كاستخدامه مقالات من صحف أجنبية تؤكد فكرته التي يعمل على الترويج لها، أو الاستعانة بآراء الفنانين وشيوخ الدين والشخصيات محل الثقة بالنسبة لمتابعيه.

وأخيرا، قد تبرز سمات أخرى مثل سهولة تغيير الولاءات للداعية على مواقع التواصل الاجتماعي، وافتعال الأزمات، وإبراز مسائل وإخفاء أخرى لصالح تمرير أهداف الدعاية السياسية.


TRT عربي