لا تزال نتائج الهجوم الأوكراني المضاد ضد القوات الروسية في المناطق الجنوبية غير واضحة المعالم، ففي الوقت الذي تقول فيه قوات كييف إنها حققت بعض المكاسب في منطقة دونباس، تشير أنباء إلى أنها تكبدت خسائر فادحة أيضاً، في حين تزعم روسيا أنها دمّرت عدداً كبيراً من المدرعات والدبابات، وخاصة مدرعات ليوبارد-2 الألمانية التي كانت قد تصدرت العناوين مؤخراً، وحظيت كثيراً من الإشادة لدى تسليمها للقوات الأوكرانية.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن عسكريين أوكران قولهم إن الهجوم المضاد يسجل "نجاحات تكتيكية" وتقدماً تدريجياً لإخراج القوات الروسية من القطاعات الجنوبية من البلاد، بينما أكد نائب وزير الدفاع الأوكراني حنا ماليار أن القوات "تشارك في تحركات نشطة" لدفع الهجوم المضاد في جنوب البلاد، وأن التقدم يصل إلى 2 كم في كل اتجاه.
وعلى الرغم من النجاحات التكتيكية التي تتحدث عنها الصحف الغربية، أكد الخبراء الغربيون أن القوات الأوكرانية تتقدم لكنها لم تصل بعد إلى الخط الدفاعي الرئيسي لروسيا، وأن الأوكرانيين لا يزالون على بعد 10 إلى 20 كيلومتراً من هذا الخط في بعض الأماكن.
في المقابل، لم تعترف روسيا رسمياً بالتقدم الأوكراني وقالت إنها ألحقت خسائر فادحة بقوات كييف في الساعات الأربع والعشرين الماضية، وقالت وزارة الدفاع الروسية بأنها صدّت محاولات أوكرانية لاقتحام خطوط الدفاع الروسية على 4 جبهات: زابوريجيا وجنوب دونيتسك ودونيتسك، بينما كانت جبهة زابوريجيا الأكثر احتداماً.
"مهمة انتحارية"
وصف بعض المراقبين العسكريين الأمريكيين والأوروبيين جهود الجيش الأوكراني خلال اليومين الماضيين بأنها "مهمة انتحارية" انتهكت القواعد الأساسية للتكتيكات العسكرية، وفقاً لما نقله موقع آسيا تايمز.
ونقل الموقع عن ضابط أوروبي كبير قوله: "الأوكرانيون يركضون في خمسة اتجاهات مختلفة، بدلاً من التركيز على منطقة واحدة". وتابع: "إذا كنت ترغب في شن هجوم ولديك عشرات الألوية وبضع عشرات من الدبابات، فإن عليك أن تركز على منطقة واحدة وتحاول اختراقها في كل مرة".
وأوضح الضابط نفسه أنه حاول إخبار الجانب الأوكراني بضرورة وقف هذه التكتيكات الجزئية والتركيز على القيام بعملية دفع رئيسية بدعم مشاة مناسب. وأضاف قائلاً: "لقد دُرِّبوا من البريطانيين وهم يلعبون دور اللواء الخفيف"، مشيراً إلى كارثة عام 1854 في معركة "بالاكلافا" عندما أدت الأوامر المغلوطة إلى إرسال الفرسان البريطانيين إلى نيران المدافع.
وعلى صعيد متصل، قال مصدر عسكري آخر إن بعض مشغلي الدبابات الأوكرانيين يحاولون تكرار اختراق "جوديريان"، وهو تكتيك عسكري قام به الجنرال الألماني هاينز جوديريان خلال معركة فرنسا عام 1940، لكنه أشار إلى أن "جوديريان كان يمتلك حينها 3000 دبابة، بينما قام هؤلاء الحمقى للتو بتدمير 30 مدرعة غربية ثمينة".
تحطّم الأسطورة الألمانية
بحسب آسيا تايمز، دخلت الدبابات الأوكرانية مباشرة في حقول الألغام من دون نشر مركبات لإزالة الألغام أولاً، ما ساهم في خسارة 38 دبابة خلال ليلة 8 يونيو/حزيران، بما في ذلك العديد من دبابات ليوبارد-2 التي سُلِّمت حديثاً.
وأكدت وسائل إعلام غربية أيضاً تدمير دبابات من نوع ليوبارد-2 في أوكرانيا، ما يوحي بتحطم أسطورة دبابات ليوبارد الألمانية الشهيرة التي يشار إليها على أنّها واحدة من أفضل الدبابات في العالم، التي تمتلك كييف منها نحو 85 دبابة من طراز ليوبارد-2 الأحدث، إضافة إلى 130 دبابة ليوبارد-1 الأقدم.
وبحسب موقع ذا ديفيانس بوست، فقد دُمِّر بالفعل ثلاث من دبابات ليوبارد-2 الـ14 التي قدمتها ألمانيا بوساطة أنظمة الدفاع الروسية.
وتجدر الإشارة إلى أن المروحيات الهجومية الروسية من طراز "Ka-52" (التمساح الروسي) و"Mi-28N" تلعب أدواراً رئيسية في خطة اصطياد المدرعات والدبابات الأوكرانية على طول خط الجبهة الغربية.
وتحمل مروحيات "التمساح" ما يكفي من الصواريخ لإعطاب 20 دبابة، ويمكنها القيام بذلك على مسافة 10 كيلومترات، وخصوصاً بعد أن تدهورت الدفاعات الجوية الأوكرانية بسبب الهجمات المتكررة بطائرات الكيماكزي الرخيصة التي أجبرت الأوكرانيين على إنفاق مخزونهم المحدود من صواريخ "إس-300" وصواريخ "باتريوت".
هل أخفق الهجوم المضاد الأوكراني؟
من السابق لأوانه القول ما إذا كان الهجوم المضاد الأوكراني قد أخفق، فقد حققت القوات الأوكرانية بعض المكاسب، لكنها تكبدت أيضاً خسائر فادحة.
وبينما تتمكن القوات الروسية من استغلال قدراتها الصناعية وتعويض خسائرها من المعدات، لا تزال أوكرانيا تحظى بدعم الغرب الذي لا يزال يرسل أفضل أسلحته، فضلاً عن حملات التدريب والدعم الاستخباراتي الحساس غير المنقطعة.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت أوكرانيا ستتمكن من تحقيق نصر حاسم، ومن المرجح أن تستمر الحرب في أوكرانيا لبعض الوقت، والنتيجة لا تزال غير مؤكدة، وفقاً لخبراء غربيين، الذين يقولون إن أوكرانيا لا تزال على بعد أميال من خط الدفاع الرئيسي لروسيا، ومن المحتمل أن معركة أكثر صرامة ما زالت قادمة.
من جهته، كتب جاك واتلينج، خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في مقال نشر الأربعاء أن أوكرانيا تشق طريقها عبر مواقع دفاعية روسية تتكون من خنادق محفورة يدوياً مدعومة بحقول ألغام وتحميها طائرات من دون طيار ومدفعية.
وأضاف أن "خط الدفاع الرئيسي الذي لا يزال على بعد 15-20 كيلومتراً من المواقع الأوكرانية، قد عُزز بالخنادق التي حُفرت بشكل صحيح ومواقع إطلاق النار المعززة بالخرسانة، وحواجز الدبابات، والكابلات الموضوعة على الأرض لتنسيق ضربات المدفعية".
وفي تقرير سابق عن التكتيكات الروسية، قال واتلينج إن "الهندسة الروسية أثبتت أنها واحدة من أقوى فروع الجيش الروسي".
وقال إن المهندسين كانوا يقومون ببناء "عقبات معقدة وتحصينات ميدانية عبر الخطوط الأمامية، وإن الدفاعات الروسية تشكل تحدياً تكتيكياً كبيراً للعمليات الهجومية الأوكرانية"، وفقاً لما نقله موقع إنسايدر.
رغم ذلك، هناك من يرى أنه لا يزال بإمكان كييف تصحيح أخطائها وتركيز قواتها، لكن ذلك سيتطلب "قرارات عسكرية مختصة، وليس قرارات مدفوعة باليأس السياسي"، وفق الموقع.