تابعنا
خبراء طاقة يؤكدون لـTRT عربي، أنّه منذ أكثر من 40 عاماً كانت قارة إفريقيا تسمى (محطة وقود لأوروبا) وكانت شركات تعدين أوروبية تسيطر على 80% من امتيازات الاستخراج والتعدين والتصدير، إلا أنّ الصراعات السياسية التي حصلت مؤخّراً وضعت أوروبا في وضع صعب.

سبّب تسونامي الصراعات العسكرية والانقلابات السياسية في النيجر والغابون الذي وقع مؤخراً خوفاً عارماً في العالم، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، بسبب الآثار التي ستنعكس على إمدادات الطاقة ومصادر توليدها و"خاصة اليورانيوم" الذي تعتمد عليه أوروبا لتوليد الكهرباء، كبديل رئيسي عن الغاز الروسي الذي تأثر بفعل الصراع بين أوكرانيا وروسيا.

ووفقاً للرابطة النووية العالمية بلغ إنتاج اليورانيوم في النيجر -التي تمتلك خامات يورانيوم عالية الجودة في إفريقيا- 2020 طناً في عام 2022، أي أكثر من 4% من الإنتاج العالمي، كما يعد اليورانيوم ثاني أكبر صادرات النيجر، من الناحية النقدية بعد الذهب.

وكذلك في الغابون وعلى مدار التاريخ كان استخراج اليورانيوم متواصلاً وتحت سيطرة شركات تعدين فرنسية، إذ أنتج من عام 1960 إلى عام 1999، ما يقرب من 28000 طن من اليورانيوم، وفقاً لبيانات الجمعية النووية العالمية.

خبراء طاقة يؤكدون لـTRT عربي، أنّه منذ أكثر من 40 عاماً كانت قارة إفريقيا تسمى (محطة وقود لأوروبا) وكانت شركات تعدين أوروبية تسيطر على 80% من امتيازات الاستخراج والتعدين والتصدير، إلا أنّ الصراعات السياسية والانقلابات التي حصلت مؤخّراً وضعت أوروبا في وضع صعب، وخوف من مرور الشتاء القادم من دون تدفئة وإضاءة.

أزمة عالمية ممتدة

ومع توالي انقلابات غرب إفريقيا تتزايد المخاوف الدولية بشأن انعكاساتها وتأثيراتها العميقة في إمدادات اليورانيوم، وهو ما يهدد استدامة إمدادات الطاقة وأمنها في أوروبا والعالم.

ويقول الخبير الجيولوجي ورئيس الجيولوجيين العرب سابقاً، المهندس صخر النسور إنّ اليورانيوم هو مصدر أساسي لتشغيل المفاعلات النووية التي تولّد الطاقة في أوروبا وخاصة فرنسا.

ويضيف النسور في حديثه مع TRT عربي، أنّ الصراعات التي وقعت في النيجر والغابون ستؤثر بشكل أساسي في إمدادات الطاقة لأوروبا وتخلق أزمة عالمية لا أحد يعرف مداها ومصيرها.

وينوّه بأن إفريقيا مخزن للطاقة الأوروبية، وخاصة بعد انقطاع الغاز الروسي، وبات اعتماد دول أوروبا على اليورانيوم بشكل أساسي نظراً لأنّه مصدر طاقة خضراء (صديق للبيئة) ويتوافق مع استراتيجية أوروبا للوصول إلى معدل (صفر) انبعاث كربون خلال السنوات الـ10 القادمة.

ويبين النسور أنّ أوروبا ستواجه شتاءً عصيباً وأزمة الطاقة في القارة العجوز تلقي بظلالها على ملايين البيوت التي تمرّ كل عام بأكثر شتاء بارد في العالم.

واستذكر النسور ما قيل سابقاً من أنّ 3 بين كل 4 مصابيح في فرنسا تضاء بوساطة اليورانيوم النيجيري.

ويختم بأنّ الصراع في العالم اليوم لم يعد على الحدود، بل بات من خلال سياسات التجريد من مقوّمات الحياة، الماء والطاقة اللذين أصبحا العنوان الأبرز للسنوات القادمة.

ثورة في الأمن الطاقي

ويشغل اليورانيوم مكانة حيوية في قطاع الطاقة العالمية، إذ يُعَتبر أحد أهم المصادر لإنتاج الطاقة النووية، ويعتمد العالم على اليورانيوم كمصدر نظيف وفعّال لتوليد الكهرباء وتلبية الاحتياجات المتزايدة لمستقبل الطاقة المستدامة.

ويشير الباحث في شؤون النفط والطاقة المهندس عامر الشوبكي إلى أنّ العالم بدأ يشهد منذ سنوات قليلة ماضية، ثورة في الأمن الطاقي عبر توليد الطاقة النظيفة التي تعتمد على تكلفة أقل.

ويضيف الشوبكي في حديثه مع TRT عربي، بأنّ "اليورانيوم كان البديل الأفضل لتحقيق سياسة الأمن الطاقي في العالم، إلا أنّ استخراج وإنتاج وتخصيب اليورانيوم واجه العديد من الصعاب، كان أهمّها ارتفاع السعر العالمي بسبب الأزمات السياسية المتتالية".

ويبيّن أنّه يوجد نوعان رئيسيان لاستخدام اليورانيوم في إنتاج الطاقة، الأول اليورانيوم الخام الذي يأتي من إفريقيا ويعاد تخصيبه في دول أوروبا، والنوع الثاني المخصّب والمنتج منه (الكعكة الصفراء) الذي تسيطر روسيا تقريباً على أغلب إنتاجه عالمياً.

ويشير الشوبكي إلى أنّ صناعة اليورانيوم تشهد زخماً وطلباً عالمياً كبيراً، الأمر الذي يزيد من حدّة الصراعات للاستحواذ على هذا المنتج المهم، في ظل ارتفاع كل الوقود الأحفوري المنتج من النفط.

فترة صحوة نحو السيادة

من جانبه يقول الخبير الاقتصادي والباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور أنور الخُفّش، إنّ توقعات حدوث أزمة عالمية على الغذاء والموارد الطبيعية يعتمد على ما سينتج من منظومة بريكس الاقتصادية، التي يلعب فيها الجانب الإفريقي دوراً مهماً.

ويضيف الخُفّش لـTRT عربي، أنّ ما يجري في إفريقيا (النيجر والغابون، بوركينا فاسو) هي فترة صحوة نحو السيادة، وكفّ يد الغرب عن التدخل في هذه الدول سياسياً واقتصادياً.

ويشير إلى أنّ عدوى الانقلابات في الدول الإفريقية التي فيها النفوذ الفرنسي ترتبط بالصراع الدائر بين دول كبرى على ثورات إفريقيا، متمثلة في محور روسيا والصين، ومحور أوروبا، إلى جانب الأوضاع الداخلية الإفريقية والتي تتمثل بالفقر والجوع وفلتان السلطة.

ويردف: "إنّ هذه الانقلابات لن تتوقف عند الغابون والنيجر، وخاصة مع استمرار ضعف مؤسسات الدولة في إفريقيا، وسيطرة فئات محددة على الحكم وشعور الناس بالظلم".

ويشير الخُفّش إلى أنّنا نشهد الآن نظامَ عالمٍ جديدٍ؛ نظاماً خارجاً عن السيطرة الغربية والأمريكية، بشكل مطلق، لافتاً إلى أنّ الخاسر الأكبر من هذا النظام هي دول الاتحاد الأوروبي وفرنسا بالتحديد، مؤكّداً أنّ "الحرب الآن على الموارد الطبيعية والممرات وسلاسل توريد الغذاء".

ويبيّن الخبير الاقتصادي أنّ الثورات في إفريقيا كان الغرب يستغلها منذ أكثر من 40 عاماً في ظل ما يسمى (أمركة النظام العالمي) من عام 1990 حتى الآن، أمّا بعد حركات التحرر التي نراها اليوم فإنّ أمريكا تخلّت عن أوروبا وفرنسا، ولن تدعم استحواذها على مصادر إفريقيا الطبيعية، وبالتالي فإنّ أيّ أزمات قد تحدث في العالم ستكون أوروبا هي الخاسر الأكبر.

ويلفت الخُفّش إلى أنّ "معادن مثل الليثيوم، المغنيسيوم، والذهب التي تزخر فيها دول إفريقيا وروسيا أصبحت أهمّ من البترول، والصراع الآن بات صراع طاقة وماء وغذاء".

ووفقاً لشركة أبحاث السوق والاستشارات (tradingeconomics)، فقد ارتفع سعر اليورانيوم إلى 58.5 دولار للرطل في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب الماضي مواصلاً مكاسبه للأسبوع السابع إلى أعلى مستوياته منذ أبريل/نيسان 2022، وسط مخاطر العرض المستمرة والطلب الصعودي على المدى الطويل.

وشكّل اليورانيوم بعد انقلاب النيجر الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في 26 يوليو/تموز الماضي محور الصراع وارتداده على الغرب بشكل عام وفرنسا بشكل خاص.

TRT عربي
الأكثر تداولاً