تابعنا
أعلنت الحكومة البرازيلية الأسبوع الماضي اتفاقها مع الصين على التخلي عن الدولار وبدء التعامل بالعملتَين المحليتَين في التسويات التجارية والمالية بين البلدَين.

أعلنت الحكومة البرازيلية الأسبوع الماضي اتفاقها مع الصين على التخلي عن الدولار وبدء التعامل بالعملتَين المحليتَين في التسويات التجارية والمالية بين البلدَين.

وأتت تلك الخطوة بعد أيام من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتفاع حصة الروبل واليوان بنسبة 65% في التعاملات التجارية بين روسيا والصين والتي يُتوقع أن تصل إلى 200 مليار دولار.

وتعد الصين القوة التجارية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة، إذ سجّل الاقتصاد الصيني نموّاً نسبته 3% سنة 2022، حسب وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا. كما ارتفع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 10% على أساس سنوي ليبلغ 19,02 مليار دولار أمريكي، حسب ذات المصدر.

فيما تتصدّر البرازيل أقوى اقتصادات أمريكا اللاتينية، وحسب الوكالة البرازيلية للتجارة والاستثمار بلغ حجم التبادل مع الصين 150 مليار دولار في عام 2022، كما بلغت الصادرات البرازيلية إلى الصين نحو 89.43 مليار دولار، وهو ما يمثل 26.8% من إجمالي صادرات البلاد، وفقا للأرقام البرازيلية الرسمية.

حرب تجارية

بعد القرارات التي اتخذتها مجموعة من الدول لاعتماد العملات المحلية في التجارة الخارجية، تزايد الحديث عن مصير الدولار خصوصاً في ظل احتمالية أن تتسع دائرة الدول المنضمة إلى هذا التوجه، والذي يراه عديد من الخبراء "محاولة للفكاك من الهيمنة الأمريكية"

وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي في تصريح لـTRT عربي إن "الدعوة للتعامل بالعملات المحلية بدأت بشكل كبير بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتتجدد هذه الدعوات مع كل أزمة يمر بها الاقتصاد العالمي، واحتدام الصراع بين الصين والولايات المتحدة". ويضيف: "علينا أيضاً أن نضع في الاعتبار عضوية الصين والبرازيل في مجموعة بريكس".

ويؤكد الصاوي أن "ما يحدث يدخل في خانة ما يُعرف بالحرب التجارية وبالتالي مسألة اعتماد العملات المحلية تأتي في سياق الهروب من سيطرة الدولار على المعاملات الأخرى، وهو الأمر الذي قد يكون إيجابياً لصالح عملات هذه الدول".

ويربط الخبير الاقتصادي انعكاسات هذا القرار على الدولار، بحجم التعاملات بين البلدين اللذيْن يجريان معاملاتهما بالعملات المحلية، مشيراً إلى أنه "لا يمكن التغافل عن أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر شريك تجاري للصين".

إذ أظهرت البيانات الرسمية الأمريكية الصادرة حديثاً، أن التجارة بين الولايات المتحدة والصين سجلت رقماً قياسياً بلغ 690.6 مليار دولار في عام 2022 رغم احتدام الصراع السياسي بين البلدين.

ويذكر الصاوي أن الإتحاد الأوروبي يعد ثاني أكبر شريك تجاري للصين بعد الولايات المتحدة، إذ كشفت البيانات الصادرة عن المصلحة العامة للجمارك في الصين عن ارتفاع إجمالي حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنحو 23% خلال العام مقارنة بعام 2021، ليصل إلى 856.3 مليار يورو وفقاً للإحصاءات الصادرة عن يوروستات.

واعتبر الدكتور الصاوي لجوء الصين إلى تسوية معاملاتها التجارية مع البرازيل بالعملات المحلية "نوعاً من إدارة الصراع بينها وبين أمريكا والاتحاد الأوروبي على الأمد الطويل". وأشار إلى أن "الصين قد تتمكن بعد فترة ما، من حجز مساحة أكبر لليوان في المعاملات الدولية وهو ما يمثل منافسة حقيقية مع الدولار".

دوافع القرار

يرى الخبير الاقتصادي محمد شريف ضروي أن "التدخل السياسي لدى الفيدرالي الأمريكي لرفع نسب فائدة الدولار، يعتبر أحد أسباب دفع عدد من الدول إلى اعتماد عملاتها المحلية في المعاملات التجارية". مشيراً في تصريحه لـTRTعربي إلى أن "تدخل الفيدرالي بتلك الطريقة يعود بالفائدة على الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الاقتصاد العالمي".

في حين أن السبب الثاني الذي دفع الصين والبرازيل وغيرهما إلى اعتماد العملات المحلية حسب ضروي هو "تحكم أمريكا في الاقتصاد العالمي من خلال خفض وزيادة قيمة الدولار حسبما تتطلبه الضرورة الاقتصادية الأمريكية"

ويعتقد الدكتور محمد شريف أن "القرار الذي اتخذته هذه الدول سيعود إليها بهامش الربح الذي كان يصب لصالح أمريكا على حساب اقتصاداتها".

مصير الدولار

يرى الدّكتور عبد الحافظ الصاوي أن قرار الصين والبرازيل الأخير"لا يدخل ضمن خانة التخلي عن الدولار بالمعنى الحقيقي وإنما "هو نوع من الالتفاف عليه"، معتقداً أن مثل هذه المعاملات قد تطيل عمر أزمة الدولار. واستكمل "تشهد الولايات المتحدة الأمريكية حالة من الضعف والتراجع الاقتصادي لكن هذا لا يعني انهاء دورها أو زحزحة مكانتها".

على صعيد آخر، يعتقد الخبير محمد شريف ضروي، أن تبنّي عدد من الدول لقرار التعامل بالعملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية يعتبر ضربة قاصمة للدولار. مشيراً إلى أن "السعودية تتعامل باليوان الصيني في معاملاتها النفطية وهذه تعتبر ضربة للدولار الأمريكي من أكبر منتج للنفط في العالم".

في حين يرى الصاوي أن قيادة أمريكا للاقتصاد العالمي لا تزال مستمرة وذلك "باحتلالها المرتبة الأولى بنحو 23 تريليون دولار مقارنة بالصين 17 تريليون دولار، لذلك فإن التخلي عن الدولار وإن جرى في بعض الحالات فإنه لا يزال هامشياً".

وبرّر الصاوي عدم الخوف على الدولار بسبب الاتفاق الصيني ـ البرازيلي الأخير بالقول إن " الصين ليست الشريك الأوحد للبرازيل أو لغيرها من الدول التي قبلت تسوية المعاملات بالعملات المحلية"، مستكملاً أن "البرازيل لها معاملات مع مختلف دول العالم ولا تجرى بالعملات المحلية وإنما بالدولار أو اليورو ونفس الأمر ينطبق على الصين، ولا يزال الدولار مسيطراً على 60% من التسويات الخاصة بالمعاملات المالية والتجارية".

عملة البريكس

يتوقع الخبير الاقتصادي محمد شريف ضروي "أن يشهد الاقتصاد العالمي تدرجاً في فك الارتباط بالدولار، فحسب المعطيات المتوفرة، كل الدول الأعضاء في بريكس وأيضاً الراغبة في الانضمام إليها ستفك ارتباطها بالدولار".

ويضيف: "النقطة الفارقة التي قد تحدث مع الدولار هي إعلان عملة موحدة لدول البريكس وهو الأمر الوارد حالياً، فإن تحقق ذلك ستكون ضربة قاضية والنهاية الحتمية لهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي".

ويعتقد ضروي أن إعلان عملة موحدة للبريكس سيستغرق وقتاً، باعتبار الفوارق في اقتصادات الدول الأعضاء بالمنظمة، لكنه "لن يكون صعباً بحكم أن الصين ثاني أكبر اقتصاد بالعالم وروسيا الفاعل الأساسي ضمن منظمة بريكس وعدة منظمات".

TRT عربي