تابعنا
دفعت الحرب في غزة خلال الشهر الجاري عدداً من الشعوب العربية إلى الدعوة لمقاطعة منتجات عالمية أو فروع لشركات أجنبية تعمل في بلادهم تدعم إسرائيل، واستبدالها بأخرى محلية الصنع، أو مستوردة من بلاد لا تساند الاحتلال مثل تركيا.

دفعت الحرب في غزة خلال الشهر الجاري عدداً من الشعوب العربية إلى الدعوة لمقاطعة منتجات عالمية أو فروع لشركات أجنبية تعمل في بلادهم تدعم إسرائيل، واستبدالها بأخرى محلية الصنع، أو مستوردة من بلاد لا تساند الاحتلال مثل تركيا، وذلك في عودة إلى سلاح طالما لجأت إليه الشعوب للمقاومة.

وانتشرت في مصر دعوات مكثّفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى المقاطعة وتبيّن المنتجات المحلية التي يمكن للمواطن الاعتماد عليها بدل من تلك التي تنتجها علامات تجارية ذائعة الصيت عالمياً، بعضها ساند إسرائيل مؤخراً.

دعوات شعبية

وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة التي تلت بداية القصف الإسرائيلي على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بصور للمنتجات التي يجب مقاطعتها وبديلها المحلي الذي يمكن التعامل معه.

وتصدرت إحدى الصفحات في فيسبوك وتحمل اسم "صنع في مصر" الدعوة للمنتج المحلي، وقد أوضحت الصفحة مع بداية الدعوة لحملة المقاطعة، بأنّ السلع الأجنبية التي يجب مقاطعتها هي "التي لا تُصنع على أرض مصر"، بينما اعتبرت أنّ "العلامة التجارية التي تُصنع على أرض مصر مصرية"، ورغم أنّ الصفحة أُنشئت منذ فترة، ولم تكن مخصصة لغرض المقاطعة، إلا أنّها مع تصاعد الحرب في غزة أصبحت منشوراتها موجهة إلى فكرة الدعوة لعدم شراء المنتجات الأجنبية، ولا سيّما تلك التي تنتجها شركات تدعم إسرائيل.

كما أنّ إحدى المجموعات الشهيرة جداً في مصر على موقع فيسبوك والتي يكتب فيها العملاء مراجعاتهم لأي منتج، وتكون معظمها شكاوى، تعمل الشركات على حلّها من خِلاله، أصبحت مراجعات الجمهور فيه عبارة عن منشورات تدعو إلى مقاطعة المنتجات الأجنبية واستبدالها بالمحلية، واعتبر الداعون لشراء المنتج المصري أنّ زيادة عمليات الشراء قد تؤدي بالمنتج المحلي لتطوير نفسه، ليصل بعد ذلك إلى جودة منتجات أخرى عالمية، كما أنّها تساعد على تقليل الدعم المقدم من الشركات العالمية إلى إسرائيل.

مقاطعة إلكترونية

وفضلاً عن إعلانات المقاطعة الرئيسية التي تنتشر عبر مواقع التواصل، والتي وصل عدد مستخدميها إلى 51 مليوناً في يناير/كانون الثاني 2022، منهم قرابة 45 مليوناً يستخدمون فيسبوك، فإنّ تطبيقات الهاتف المحمول الخاصة بأعمال البقالة أنشأت جزءاً خاصاً بالمنتجات غير الداعمة للاحتلال، حتى تسهّل على المستهلكين البحث عنها، كما بدأ مستخدمون في تبادل الباركود الخاص بالمنتجات المحلية حتى يسهل الوصول إليها.

وأوضحت منشورات عديدة للجمهور، الفرق بين "الفرانشيز" وهو الحصول على اسم الشركة الأم من دون التبعية المباشرة لها وتلك العلامات التجارية المحلية، وهي المنشورات التي كان معظمها يؤكد أنّ بعض العلامات التجارية للمطاعم العالمية لا تتبع الشركة الأم التي أعلنت دعم إسرائيل سوى بالاسم فقط، وأنّ مقاطعتها في أنحاء مصر تعني التأثير في منتج مصري يعمل في كل مراحل إنتاجه مصريون.

وخلال الفترة الأخيرة، انتشر عبر منصة إكس (توتير سابقاً) هاشتاق المقاطعة، وكانت أكثر العلامات التجارية التي دعت المنشورات عبر مواقع التواصل لمقاطعتها "ماكدونالدز" و"برجر كينج" و"بيتزا هات" و"بيبسي" و"كوكاكولا" و"نسكافيه" و"آريال"، ما أدى بعلامات تجارية مصرية لوضع علم فلسطين على صفحاتها بمواقع التواصل للتدليل أكثر أنّها ليست أجنبية ولا تدعم إسرائيل.

تبرئة وبدائل

ودفعت كثافة دعوات المقاطعة بعض الشركات لأن تعلن في بيانات رسمية "مصريتها" بالكامل، وفعلت ذلك بعض الشركات العاملة منذ سنوات في السوق المصري، ومنها علامة لأحد منتجات البسكويت الشهيرة.

كما أصدرت شركة "مانفودز" وهي تمتلك "ماكدونالدز" في مصر، بياناً أكدت فيها أنّها مصرية بنسبة 100%، وأنّ علاقتها بماكدونالدز العالمية تقتصر على استخدام العلامة التجارية وهو ما يعرف بـ"الفرانشيز".

ولم تكتفِ الشركات المصرية فقط بإعلان أنّها "مصرية"، بل حملت بعض البيانات ما يشبه التبرّؤ الكامل من التبعية لأي علامة أجنبية، وأصبح الأساس في إعلانات المنتجات على مواقع التواصل الاجتماعي هو الإعلان عن مؤسسها المصري.

وخلال حملات المقاطعة، ظهرت المنتجات التركية كأحد البدائل التي يكتب المصريون عن كونها جيدة الصنع ويمكن الاعتماد عليها، بعيداً عن منتجات الدول الأخرى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وكانت علامات مثل "إل سي وايكيكي" و"ديفاكتو" على رأس العلامات التجارية التي دعا جمهور المقاطعة إلى الشراء منها وهي علامات ملابس تركية اشتهرت بجودتها في مصر خلال السنوات الأخيرة.

بين الرفض والتأييد

بينما بدأ بعض الفنانين في مصر الترويج لحملات المقاطعة، مثل المخرجة هالة خليل التي اعتادت نشر المنتجات التي يجب مقاطعتها وبدائلها المصرية عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، انتقد الإعلامي شريف مدكور حملات المقاطعة، معتبراً أنّها تؤثر "في الشباب الذي يعمل في هذه الشركات" التي يُروج لمقاطعتها، في حين دعت نقابة المحامين المصرية إلى مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل.

ويرى الرافضون للمقاطعة أنّها "تؤثر في العمالة المصرية بشكل كبير، وخصوصاً من يعملون بعقود مؤقتة"، حسبما يؤكد أحد العاملين في ماكدونالدز في القاهرة خلال حديثه مع TRT عربي عن مدى تأثّر الشركة بالمقاطعة.

ويقول المصدر إنّ "كل 10 أشخاص كانوا يدخلون المطعم يدخل منهم حالياً 6 فقط"، لافتاً إلى أنّ "المقاطعة تؤثر كثيراً إذا استمرت بهذا الشكل لمدة أشهر، وفي المقام الأول يتأثر بها من يعملون بتعاقدات سنوية وليست دائمة، وكلما قلّ زائرو المطعم أو من يطلبون التوصيل، يؤثر ذلك في العمال مثلنا".

تأثير المقاطعة

وتقول الباحثة في مجال التسويق آلاء محمود، إنّ أصحاب الأعمال في مصر يسوّقون حالياً لمنتجاتهم عن طريق إعلان "أنّهم يساندون غزة، وأنّهم 100% شركات مصرية"، معتبرةً أن ذلك سيؤدي إلى رواج منتجاتهم على المدى الطويل.

وتوضح محمود في حديثها مع TRT عربي، أنّ "المقاطعة لها تأثير كبير، لأنّها تعمل على رفع الوعي بما يحدث في غزة"، فيوجد كثير من الناس لا يعرفون بالضبط ما يحدث في القطاع، لكن المقاطعة تجعلهم يسألون ويعرفون أو يدخلون في نقاشات حول الأمر.

وتشير إلى أنّ "المقاطعة رفعت الوعي لدى الناس، لأنّهم أصبحوا يفرّقون بين المنتجات المحلية الأصلية، أو تلك الأخرى الأجنبية، وذلك يفيد القضية الفلسطينية ولو بشكل غير مباشر"، متسائلةً: "من كان يعرف مثلاً أنّ كوستا جزء من شركة كوكاكولا المساندة لإسرائيل إلا من خلال المقاطعة؟".

وتواصل خبيرة التسويق تحليلها وتلفت إلى أنّ المقاطعة تعمل على تشكيل وعي ورأي عام، وتجعل المواطن يتأثر بشكل أكبر من المعتاد، وخصوصاً من خلال مواقع التواصل، مشيرةً إلى أنّ "الناس تريد المساندة، لذا يقومون إما بالتبرع وإما المقاطعة".

وترى محمود أنّ مشاهير مواقع التواصل أصبحوا يسهمون في فكرة المقاطعة بترويجهم للمنتجات المحلية، معتبرةً أنّه "لولا ضغط المقاطعة، لما كانت الشركات في مصر تخرج ببيانات تتحدث عن محليّتها الكاملة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً