ذكرت جريدة هآرتس الإسرائيلية، أن حكومة تل أبيب اعترفت بهزيمتها أمام الحملة العالمية المناصرة لإسرائيل، التي تسود وسائل التواصل الاجتماعي منذ انطلاق الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ما دفع إسرائيل إلى اقتناء نظام سيبراني، هو الأكثر تطوراً، من أجل صناعة ونشر المحتوى الداعم لها على الإنترنت.
وتستمر حرب السرديات القائمة بين إسرائيل والمحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، ومع تزايد وتيرة التضامن الدولي مع فلسطين وحملات فضح جرائم الاحتلال وتكذيب سرديَّته، تواجهه إسرائيل ذلك بموجة تضليل تنشرها لجان إلكترونية، تابعة لها، ويديرها ضباط مخابرات ومسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية.
أنظمة سيبرانية متطورة
وكتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن حكومة البلاد اقتنت نظاماً سيبرانياً متفوقاً، هو الأول من نوعه في العالم، من أجل مواجهة الحملة التضامنية مع فلسطين على الإنترنت. وذلك بعد أن أدركت هيئات دفاع واستخبارات الاحتلال، أنها كانت تخسر المعركة على الإنترنت أمام ما تسميه الصحيفة الإسرائيلية "آلة الحرب النفسية والمعلوماتية المجهزة جيداً" التابعة للمقاومة وحماس.
وأضافت الصحيفة، أنه يمكن لهذا النظام، من بين أمور أخرى، إنشاء محتوى مخصص لجماهير محددة تلقائياً. وقد جرى تصميم هذا النظام في البداية لخدمة الحاجات العسكرية، كحل المسائل الاستخباراتية والحرب النفسية، ويجري تشغيله حالياً من مكتب حكومي.
ونقلت مصادر حكومية إسرائيلية مطلعة، بأن النظام موجه لمكافحة ما سمّوه "عدم جاهزية الدبلوماسية العامة وفشلها في مواجهة آلة الحرب النفسية والمعلوماتية" التابعة للمقاومة، في إشارة إلى حملة التضامن الدولي مع فلسطين التي صعدت عقب انطلاق حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة.
واعترفت الصحيفة الإسرائيلية، ومصادرها، بأن "وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي محدودة في قدرتها على التصدي بفاعلية للتدفق الكبير للمواد المرئية التي تدفع بها حماس"، كما أن تداول مستخدمي الإنترنت هذه المواد الداعمة الحق الفلسطيني بشكل واسع، وضع إسرائيل في حرج كبير.
وأتبعت أن الدعم الدولي الكبير الذي حظيت به القضية الفلسطينية، منذ اندلاع الحرب، قد فاجأ مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي. وأن الدعم الشعبي الدولي لفلسطين، قد جرى استغلاله لتقويض مكانة إسرائيل بشكل غير مسبوق. ونقلت عن مسؤول استخباراتي كبير سابق، قوله: "إنها معركة حول شرعية وجود إسرائيل كدولة ذات جيش. وبهذا المعنى، فقد فازت حماس بالفعل".
جنود خلف لوحات المفاتيح
وعلاوة على هذه المنظومة السيبرانية المتفوقة، تعتمد إسرائيل في نشر هذه الحملة التضليلية على لجان إلكترونية وصفحات تابعة لأجهزة استخباراتها ووزارة خارجيتها.
وفي حوار له على موقع جيروزاليم بوست، اعترف رئيس القسم الرقمي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ديفيد سارانغا، بأن عملهم اليومي يهدف إلى "إعادة تشكيل السردية" الدولية حول الحرب، لأن "المعركة اليوم ليست فقط على الأرض في غزة".
ويعمل القسم الذي يرأسه سارانغا على استهداف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بدعاية مضلِّلة لحشد الدعم للاحتلال، نُشر خلالها "أكثر من 10 آلاف مشاركة وتغريدة منذ بداية الحرب"، بست لغات أساسية: الإنجليزية، العربية، الفارسية، الروسية، الإسبانية، والعبرية، وذلك للتركيز على المناطق التي يوجد فيها تضامن كبير مع القضية الفلسطينية، كالعالم العربي وأمريكا اللاتينية وإيران وروسيا.
وأوضح المسؤول الإسرائيلي استراتيجية دعاية بلاده، بقوله: "لا أحاول إقناع الأشخاص الذين هم ضد إسرائيل، لأنني لن أنجح، بالتالي نحن نركز جهودنا أولاً على الأشخاص الذين هم في الوسط، الذين ليس لديهم أدنى فكرة عما يحدث، من أجل نقل الرواية الإسرائيلية. كما نتواصل مع الأشخاص الذين يؤيدون إسرائيل لأننا نريد أن نعطيهم رسالة إسرائيل تلك، ونريدهم أن ينشروا رسالتنا أيضاً".
وفي المقابلة نفسها، كشفت سابير ليفي، مسؤولة التواصل الاجتماعي بالعربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن لجاناً كاملةً تعمل تحت يدها لصناعة المحتوى المعزِّز للسردية الإسرائيلية وتداوله على أوسع نطاق.
وقالت ليفي: "منذ بداية الحرب، نعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مع عشرات المنشورات والتغريدات(...) أكبر منصة لدينا، وأكبر حساب لدينا، موجود على فيسبوك، ويسمى (إسرائيل تتحدث العربية).. ولدينا جيش من المتطوعين يعد محتوى للمشاركة حول ما حدث في إسرائيل، ولدينا أيضاً فنانون يعدون الرسوم الكاريكاتورية".
وعلاوة على هذا، كشفت تحقيقات أجرتها منصة إيكاد عن روابط وثيقة تجمع بين لجان إلكترونية تنتحل الهوية العربية للدعاية لإسرائيل وبين ضباط في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ووصلت المنصة إلى منشور يعود إلى عام 2016 ويعلن عن أكاديمية إسرائيلية تتخصص في تدريس اللغة العربية وتأهيل الشبان على العمل الاستخباراتي، وكانت سابير ليفي إحدى المسؤولات عن التدريب فيها.
وشهدت السنوات الأخيرة صعوداً كبيراً للجان الإلكترونية الإسرائيلية، ففي فبراير/شباط الماضي، كشفت تحقيقات صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، وعدد من المؤسسات الصحفية الدولية من بينها "فوربيدن ستوريز"، عن وكالة إسرائيلية يديرها شخص لقبه "خورخي" تتدخل في الانتخابات حول العالم.
غير أن مجهودات إسرائيل في تشكيل السردية العالمية حول جرائمها وتضليل الرأي العام الدولي تعود إلى سنوات قبل هذا التاريخ. فإبان عدوانها على قطاع غزة عام 2012، خصصت الدولة العبرية نحو 50 مليون دولار لـ"دعم" مدوّنين وناشطين في الولايات المتحدة من أجل دعم وتعزيز سرديتها.
وفي عام 2008، جرى إنشاء "وحدة الإعلام الجديد"، التي كُلّفت بمهمة صناعة المحتوى الداعم لإسرائيل وتوزيعه على المنصات الإعلامية والصحفيين حول العالم. وفي عام 2011 رُصدت ميزانية تُقدَّر بـ1.6 مليون دولار لهذه الوحدة، رُفعت لاحقاً إلى 91 مليون دولار.