هل تعزز روسيا هجماتها السيبرانية على أوكرانيا؟ وكيف يستعد الناتو لمواجهتها؟ / صورة: Getty Images (Bill Hinton/Getty Images)
تابعنا

بالتزامن مع القصف الروسي لمحطات الطاقة في عموم أوكرانيا، التي يُتوقع أن تزداد حدتها مع انخفاض درجات الحرارة، لزيادة المعارضة داخل أوكرانيا ودفعاً لمواطنيها إلى الهجرة إلى غرب أوروبا وبالتالي زيادة الضغط على الاقتصاد الأوروبي الذي لا يمرّ بأفضل أوقاته، كشفت شركة مايكروسوفت كورب أن موسكو بصدد تكثيف جهودها السيبرانية للضغط على مصادر الدعم العسكري والسياسي الأوكراني على الصعيدين المحلي والأجنبي، وفقاً لما نقلته بلومبرغ.

وفي منشور على مدونة الشركة "On the Issues"، حثّ المدير العامّ لمركز تحليل التهديدات الرقمية في مايكروسوفت كلينت واتس، العملاء على الاستعداد لمزيد من الهجمات الإلكترونية الروسية خلال فصل الشتاء. وأضاف: "قد يكون شنّ جهات استخباراتية عسكرية روسية مؤخراً هجوماً شبيهاً ببرامج الفدية -يُعرف باسم Prestige- في بولندا نذيراً بأن روسيا توسع نطاق الهجمات الإلكترونية خارج حدود أوكرانيا".

ومع دخول سيناريو الهجوم السيبراني الواسع على أوكرانيا وحلفائها إلى مسرح الأحداث، أطلق حلف الناتو الأسبوع الماضي تدريبات سيبرانية واسعة في إستونيا، شارك فيها أكثر من 1000 متخصص في مجال الإنترنت من أعضاء الناتو وحلفائه في جميع أنحاء العالم لاختبار وتعزيز الدفاعات الإلكترونية.

الحرب السيبرانية

وحسب مجلة الإيكونوميست، فإن الحروب لطالما كانت ميادين اختبار للأسلحة الحديثة والتكنولوجيا الجديدة. فبينما شهدت الحرب الكورية استخدام المقاتلات النفاثة على نطاق واسع لأول مرة، كانت حرب الخليج عام 1991 بمثابة حفلة لتتويج الذخائر الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). واليوم تُعَدّ الحرب الروسية-الأوكرانية المرة الأولى التي تتقاتل فيها قوتان إلكترونيتان ناضجتان على شبكات الكمبيوتر في زمن الحرب، وبطبيعة الحال فإن نتيجتها ستكون درساً في حدود القوة السيبرانية وأهمية وجود دفاع سليم لصدها.

وقد تشكلت الفكرة الشعبية للحرب السيبرانية من خلال سيناريوهات مروعة ومخيفة لـ"بيرل هاربور الإلكترونية"، التي تُصوِّرَت لأول مرة في التسعينيات وعُزّزت من خلال الرقمنة التي لا هوادة فيها في المجتمع، وفقاً للإيكونوميست. وهي الفكرة التي تبلورت في الأذهان بعد دودة Stuxnet الأمريكية-الإسرائيلية، التي ظهرت إلى النور عام 2010 وألحقت أضراراً بالآلات النووية الإيرانية بـ"براعة شيطانية".

وعلى رقعة الحرب الأوكرانية، توقع عديد المحللين مستوى غير مسبوق من الهجمات الإلكترونية تزامناً مع الهجمات العسكرية، بسبب تاريخ روسيا في مثل هذه الهجمات منذ اندلاع الصراع بين البلدين عام 2014، إلا أن ذلك لم يحدث حتى اللحظة.

وعلى الرغم من سلسلة الهجمات الإلكترونية منخفضة المستوى التي شهدتها أوكرانيا على نطاق واسع لاستهداف البنوك وشبكة الحوسبة الحكومية في أوكرانيا، حتى قبل شن القوات الروسية هجماتها في 24 فبراير/شباط الماضي، فإن البنى التحتية الحيوية في أوكرانيا مثل شبكة الاتصالات الهاتفية والإنترنت والطاقة وأنظمة الرعاية الصحية، لم تتضرر كثيراً.

هل نحن على أبواب حرب سيبرانية واسعة؟

لم يشهد العالم مطلقاً حرباً إلكترونية شاملة تُستخدم فيها الهجمات الإلكترونية لإحداث نفس التأثير المدمر للضربات المادية، على غرار تعطيل الخدمات الحيوية كالطاقة والمياه ومنع استعادتها. ومع ذلك فإن الوضع في أوكرانيا يتأرجح على حافة الهاوية، وفقاً للـبوليتيكو.

وحسب بلومبرغ، فإلى جانب ما يقرب من شهرين من الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، كانت هجمات إلكترونية "تكميلية" على سلاسل التوريد الأوكرانية والأجنبية، بالإضافة إلى "عمليات التأثير التي تُمكَّن عبر الإنترنت".

باختصار، تهدف هذه الجهود إلى "تقويض الدعم السياسي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو لأوكرانيا، وزعزعة ثقة وتصميم المواطنين الأوكرانيين"، فضلاً عن الجهود الروسية لتضخيم المعارضة الشعبية، على سبيل المثال، بشأن ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم في جميع أنحاء أوروبا.

ومما يزيد الأمور تعقيداً مدى تعرض الشبكات الحساسة في دول الناتو للهجمات الإلكترونية. يمكن أن تمتد هذه العمليات من العمليات المعقدة إلى زرع البرامج الضارة في تحديثات البرامج إلى هجمات برامج الفدية الأكثر شيوعاً. في إشارة إلى تزايد الضربات الإلكترونية المتشابكة مع الحرب التقليدية، نسقت روسيا الضربات الصاروخية في أوكرانيا بهجمات إلكترونية لتكثيف بؤس المدنيين على الأرض.

كيف يستعدّ الناتو لصدّ الهجوم السيبراني؟

أضافت الحرب في أوكرانيا إلحاحاً جديداً على الأسئلة حول كيفية ردّ الناتو على هجوم إلكتروني على دولة عضو كبيرة بما يكفي لاستدعاء المادة 5، التي تصف الهجوم على أي دولة عضو بأنه هجوم ضدّ الجميع، لا سيما وأن حكومة ألبانيا سبق أن طلبت تفعيل هذه المادة في هذا العام بعد هجوم إيراني واسع النطاق على شبكات البلاد.

ولعب الصراع في أوكرانيا دوراً مهمّاً في تعزيز أهمية تمرين التحالف الإلكتروني السنوي لحلف الناتو، إذ يعمل أكثر من 40 دولة عضواً وحلفاء ومنظمات أخرى معاً للردّ على الهجمات الإلكترونية المحاكية والتعافي منها على البنى التحتية الحيوية، مثل شبكات الطاقة والسفن. وهذا العام امتدّ التمرين إلى جميع أنحاء العالم، بمشاركة ما يقرب من 1000 متخصص في مجال الإنترنت من بُعد من بلدانهم الأصلية.

وعلى هامش التدريبات التي استضافتها العاصمة الإستونية تالين للتحضير للحرب الإلكترونية، حيث تَضمَّن جزء من التمرين تكييف استخدام تقنيات الذكاء الصناعي للمساعدة في مواجهة التهديدات السيبرانية، قال ديفيد كاتلر، مساعد الأمين العامّ لحلف الناتو للاستخبارات والأمن: "لا تزال الإنترنت عموماً منطقة أعتبرها تفضّل المهاجم على المدافع، وآمل أن نتمكن من تغيير الديناميكية، لكننا لم نبلغ هذا الحدّ بعد".

وبينما يقول المسؤولون إن صعوبة إبعاد المتسللين تزيد أهمية التدرب على كيفية الردّ بمجرد اختراقهم الشبكات، يرى الخبراء أن الناتو بحاجة إلى تجاوز الحكومة والجيش لمواجهة الهجمات الإلكترونية، في إشارة إلى الدور الذي قد يتعيّن على القطاع الخاصّ أن يلعبه في إعادة تشغيل الأنظمة على الإنترنت.

TRT عربي