تابعنا
بلا إفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء قراره، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد رسمياً إلغاء منصب مفتي الجمهورية وتعزيز صلاحيات المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف مقابل ذلك، ليعتبر كثيرون أن في هذا القرار استهدافاً للهُوية السورية.

شنت مؤخراً الأوساط الدينية والشرعية، وفي مقدمتها وزارة الأوقاف السورية إلى جانب طيف واسع من الناشطين والمعارضين، حملة انتقادات واسعة لمفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، وذلك على خلفية تصريحاته المثيرة للجدل خلال تأبين الفنان السوري الراحل صباح فخري. إذ اعتبر حسون على حد تعبيره أن خريطة سوريا مذكورة في سورة التين من القرآن الكريم، وأن من يُولد فيها يُخلق في أحسن تقويم، وإن غادرها رُدّ إلى أسفل سافلين.

ورداً على ما جاء في خطبة المفتي السوري الجدلية هاجم "المجلس العلمي الفقهي" التابع لوزارة الأوقاف السورية تصريحات حسون واعتبر في ذلك تحريفاً بتفسير آيات القرآن الكريم بدافع الأهواء والمصالح الشخصية.

وبينما تصاعدت ردود الأفعال المستهجنة لتصريحات حسون والمستحضرة لما يزخر به ماضيه من مواقف جدلية مشابهة، يبدو أن السلطة قررت هذه المرة الاستثمار في ما اعتبره كثيرون الأخطاء الشرعية لحسون، لإلغاء منصب الإفتاء في سوريا، لتطرح بذلك العديد من إشارات الاستفهام حول خلفيات القرار، وسط تباين في التحليلات والترجيحات.

استهداف لسنة سوريا؟

بموجب مرسوم تشريعي ألغى رئيس النظام بشار الأسد يوم الاثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري منصب مفتي الجمهورية ومفتي المحافظات، محيلاً في الأثناء مهمة الإفتاء إلى المجلس الفقهي العلمي التابع لوزارة الأوقاف، موسعاً في الوقت ذاته صلاحيات المجلس.

وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها النظام السوري تعديلات على قانون عمل الأوقاف، إذ عزز من قبل عام 2018 صلاحيات وزير الأوقاف وحدد مدة مهمة المفتي، فإن القرار الأخير بإلغاء منصب المفتي العام، قد أثار جدلاً محموماً.

وبينما يرى باحثون وناشطون أن في ذلك نتيجة لسنوات من الصراع بين وزير الأوقاف السوري محمد عبد الستار السيد والمفتي أحمد بدر الدين حسون، يفسر خبراء ومحللون في المقابل القرار بأن حسون الذي عرف بتأييده للنظام السوري و"تملقه" للسلطة ومعارضته للاحتجاجات، لم يكن إلا الحلقة الأضعف في المشهد، وليس المقصود بقرار نظام الأسد في إلغاء منصب الإفتاء العام، وإنما كان مجرد تعلة لاستهداف الهوية السورية.

وفي هذا السياق قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري مطيع البطين: "إنّ إلغاء منصب الإفتاء في سورية هو الخطوة الأخطر سيراً بسورية نحو مخطط الولي الفقيه، وهو مضيّ في تغيير العناوين المعبّرة عن هويّة سوريا وانتمائها. إنه بمنتهى الوضوح استمرار في إضعاف المسلمين السُّنَّة وتحويلهم إلى أقلية مهمّشة ضعيفة الحضور في المشاهد والمواقع كافة".

وقد أثيرت المخاوف من تبعات القرار، بناءً على تركيبة المجلس العلمي الفقهي التي تتألف من رجال الدين الممثلين لمختلف الطوائف السورية، من سُنَّة ومرجعيات شيعية وعَلَوية ودروز وغيرهم.

بذلك لن يكون المذهب السني المرجعية الوحيدة والأولى للفتاوى الشرعية وقوانين الأحوال الشخصية، لأن قرار الأسد سيفرض بذلك شراكة في صياغة الفتوى.

وبناءً على ذلك فإن إبعاد المفتي المنحدر من الأغلبية السُّنية من مركز المشهد الديني، هو مقدمة لزعزعة الهوية السنية التي تتميز بها سوريا، واستهداف مباشر للأغلبية السنية بما يساهم في مزيد من عزلها وانزوائها، حسب آراء خبراء ومحللين.

بالتالي يستبعد مختصون ومحللون الفرضيات الاجتماعية التي تعتبر حسون لا ينحدر من الوسط الدمشقي، أو فرضيات اتهامه بقضايا فساد أو بعدم الولاء التامّ لأجندات السلطة، وفرضيات خلافاته مع وزير الأوقاف، لترجّح في المقابل مخطَّط النظام لضرب الهُوية السورية، ولم يكن خطأ حسون إلا أداة ومبرراً لتمرير هذه الأجندات.

إلغاء المرجعية السنية.. لصالح من؟

يرى خبراء ومحللون أن قرار إلغاء منصب الإفتاء العام، يملك في حقيقته دلالة خطيرة أخرى، تكشف اليوم مدى تمدُّد المذهب الشيعي في سوريا.

وقد أكد في وقت سابق عديد من المصادر والتقارير الإعلامية، مدى تغوُّل إيران، التي تدعم نظام بشار الأسد في حربه في سوريا واستهدافه المدنيين، على المؤسسات القانونية والتشريعية التي تخضع في تقنينها للمذهب السُّنّي، وبالتالي يصبح الشيعة اليوم شركاء في صياغة الفتوى إلى جانب السُّنة وبقية الطوائف الأخرى، تحت غطاء قانوني.

وفي هذا السياق يقول الباحث السوري في مركز جسور للدراسات عباس شريفة في تصريح خاص لـTRT عربي إن "قرار نظام الأسد إلغاء منصب الإفتاء وإحالته إلى المجلس العلمي الفقهي المتكون من عدة طوائف، يهدف إلى إعادة رسم المشهد الديني في سوريا بما يضمن مصالح السلطة ومصالح إيران".

ويضف شريفة: "النظام السوري الأقلّوي، له مصلحة أيضاً، إضافةً إلى ذلك كله، في الخروج من عقدة النظام الأقلّوي الذي يحكم أغلبية سُنّية ممثّلة للهوية السورية".

TRT عربي