لماذا تدعم أيرلندا القضية الفلسطينية؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، اتخذت الحكومة الأيرلندية موقفاً مناصراً للشعب الفلسطيني، ومندداً بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في حقه، فيما قاد الشعب الأيرلندي مظاهرات تضامنية مع نظيره الفلسطيني، مطالباً بوقف المجازر التي يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتعد دبلن أكبر داعم لفلسطين في أوروبا، واستخدمت دخولها الاتحاد أداةً للدفاع عن الفلسطينيين داخل المجلس والبرلمان الأوروبيين. ويُجمع محللون على أن أسباب تضامن الأيرلنديين مع الفلسطينيين، عائد لاشتراك الشعبين في معاناة الاستعمار.

دعم راسخ

وفي حين سارع معظم الدول الأوروبية للاصطفاف خلف إسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، بما في ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية التي أعلنت "الدعم اللا مشروط" من الاتحاد الأوروبي لإسرائيل، كانت أيرلندا في صف الشعب الفلسطيني، وانتقد الرئيس الأيرلندي مايكل هيغينز، تصريحات فون دير لاين، قائلاً إنها "لا تتحدث باسم أيرلندا، ولا تتحدث نيابةً عن الآراء التي يحملها الأيرلنديون".

ويعد دعم فلسطين موقفاً راسخاً لدى الحكومات الأيرلندية، إذ كانت أيرلندا إحد أولى الدول الغربية التي اعترفت بحقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال. وفي ختام القمة الأوروبية، يوم الخميس، قال رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار، إن بلاده "تحدثت عن الاعتراف بفلسطين"، وهو ما رحبت به دول أوروبية أخرى.

وأضاف فارادكار أن "عمل عدد من دول الاتحاد الأوروبي معاً للاعتراف بفلسطين يمكن أن يسمح بإجراء مفاوضات أكثر مساواة بعد انتهاء الحرب في غزة في إطار حل الدولتين".

ودعا رئيس الوزراء الأيرلندي نظراءه في الاتحاد الأوروبي، إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، بسبب انتهاكات هذه الأخيرة حقوق الإنسان. وقال: "العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل تقوم على اتفاق يتضمن بنداً يتعلق بحقوق الإنسان، ويعتقد الكثير منّا أن إسرائيل قد تنتهك هذا الاتفاق".

وحسب تقرير لوكالة الأناضول، فإن إسرائيل، بالنسبة للكثيرين في أيرلندا، أقرب إلى كيان استعماري أنشأه النفوذ البريطاني بالقوة، ومصمم على فرض نفسه على السكان الأصليين. وحسب استطلاعات رأي، ينظر 71% من الأيرلنديين إلى إسرائيل على أنها دولة فصل عنصري.

لماذا تدعم أيرلندا القضية الفلسطينية؟

يُرجع محللون الدعم الأيرلندي الراسخ لفلسطين، إلى اشتراك شعبَي البلدين في معاناتهما من الاستعمار. وخلال استعمارها أيرلندا، ارتكبت بريطانيا فظائع عديدة، أبرزها خلال منتصف القرن الـ19الميلادي، ما أدى إلى قتل نحو مليون أيرلندي وتهجير مليون ونصف آخرين إلى الولايات المتحدة.

وفي حديثه مع TRT عربي، يرى الناشط الأيرلندي إبراهيم حلاوة، أن الموقف الأيرلندي الداعم لفلسطين يعود إلى تاريخ النضال المشترك بين البلدين، ذلك لأن حكومات العالم خذلت فلسطين وأيرلندا وقت نضالهما ضد القوى الاستعمارية، وهو ما يجعل الجانب الأيرلندي حريصاً على تقديم سُبل الدعم كافة للفلسطينيين.

وشدد حلاوة على أن "كلا البلدين شعر بأنه يشترك في الألم الناجم عن قوة استعمارية عدوانية".

وكتبت صحيفة الغارديان البريطانية أن التضامن مع فلسطين هو جزء من السيكولوجية العامة للمجتمع الأيرلندي. ونقلت الصحيفة عن جين أوهلمير، أستاذة التاريخ بكلية ترينتي في دبلن قولها إن أيرلندا هي أقدم مستعمرة بريطانية ونموذج لفلسطين، وهو "ما شكّل ومن دون شك الكيفية التي يتواصل بها الشعب الأيرلندي مع نزاعات ما بعد الاستعمار".

وحسب مقال لـ"فورين بوليسي"، فإن تمرد أيرلندا هو على استعمار بريطانيا، الذي أغرق الجزيرة في حرب أهلية مؤلمة أدت إلى تقسيمها، وبالتالي يرسم الأيرلنديون أوجه شبه بين سياسات الاحتلال الإسرائيلي والانقسام الذي يعيشونه. وهذا ما تؤكده أيضاً تصريحات عديد من السياسيين الأيرلنديين، خصوصاً من حزب "شين فين" اليساري.

وفي عام 2021، وعقب تصويت البرلمان الأيرلندي على قرار تجريم الاستيطان الإسرائيلي، وصف جون بوين، المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب "شين فين"، تلك الخطوة بأنها كانت نتيجةً مباشرةً لتصرفات إسرائيل وتعبيراً عن "الروابط المشتركة بين المعاناة الأيرلندية والفلسطينية".

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمّرة بدعم أمريكي على غزة خلّفت، حتى الأربعاء، 27 ألفاً و708 شهداء، وأكثر من 67 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة، حسب الأمم المتحدة.

TRT عربي