تابعنا
حذّر وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي من خطورة مطالبة السلطات الإسرائيلية بتعويضات خيالية عن ممتلكات وأموال اليهود الذين أُجبروا على مغادرة تونس بعد حرب 1967 التي هزم فيها الجيش الإسرائيلي الجيوش العربية واحتلّ مساحات واسعة من أراضيها.

ذكر العشي في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك أنه استقبل في 2015 سفيرة الاتحاد الأوروبي في تونس لورا بايزا التي أكدت له طلب إسرائيل إبلاغ السلطات التونسية عزمها على طلب تعويضات ضخمة تتعلق بأملاك مواطنيها الذين فروا من تونس سنة 1967 و1973 إبان النكسة، فيما لم يستبعد العشي أن تستعمل إسرائيل هذا الملف للضغط على تونس وجرّها نحو التطبيع.

وقد كشفت الصحيفة الإسرائيلية "تايم أوف إسرائيل" في تقرير لها بتاريخ 6 يناير 2019، بدء إسرائيل في مسار تقاضٍ للمطالبة بتعويضات من سبع دول عربية عن أملاك اليهود الذين أُجبروا على ترك تلك البلدان، موضحة أن قيمة المبلغ الإجمالي تصل إلى حدود 250 مليار دولار، ومن بينها تونس التي بلغت قيمة التعويضات فيها حدود 35 مليار دولار.

إسرائيل تطالب دولا عربية ب250 دولارا للتعويض لليهود المهجرين (Others)

وأكّد رئيس الطائفة اليهودية في تونس بيريز الطرابلسي في تصريح لـTRT عربي، أن آلاف اليهود من حاملي الجنسية التونسية، اضطُروا أواخر الستينيات وبداية السبعينيات وتحت ضغط الغضب الشعبي للمسلمين في تونس إبان العدوان الإسرائيلي على دول عربية، إلى ترك أملاكهم وعقاراتهم ومغادرة البلاد، دون رجعة.

ويشير الطرابلسي إلى أن العدد الكلي لليهود في تونس يقدَّر حالياً بـ1500 شخص، بعد أن كان يفوق 100 ألف شخص خلال الخمسينيات، ويؤكد أنهم كانوا يملكون عديداً من العقارات بسبب نشاطهم التجاري، وتتوزع ممتلكاتهم في كثير من المحافظات التونسية لا سيما الجنوبية منها بخاصة جزيرة جربة التي تشهد سنوياً زيارة آلاف من الطائفة اليهودية في العالم للحج نحو معبد "الغريبة".

وكانت منظمة "العدالة من أجل اليهود المنحدرين من البلدان العربية" من المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية التي حركت ملف التعويضات لليهود العرب، لتنال القضية في فبراير/شباط 2010 اعترافاً رسمياً من الكيان الإسرائيلي بعدسنّ الكنيست قانوناً سُمي "قانون الحفاظ على حق تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية وإيران".

القانون يدعم حسب ما جاء عبر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية "ضمان حقوق اليهود اللاجئين من الدول العربية، إذ يقضي بالتزام الكيان الإسرائيلي ضمان شمول أي مفاوضات سلمية في الشرق الأوسط لمسألة تعويض اللاجئين اليهود أيضاً.

أما الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي فقلّل في تصريح لـTRT عربي من خطورة ملف التعويضات عن أملاك اليهود في تونس، معتبراً أن المنظمة الإسرائيلية التي تعمل لفائدة اليهود العرب المهجرين حول العالم تهدف إلى ابتزاز الدول العربية وإحراج نشاطوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لإثبات أنه مثلما يوجد لاجئون فلسطينيون مهجرون يوجد أيضاً يهود هُجّروا من بلدانهم الأصلية وجب التعويض لهم.

قال العبيدي إنه تابع شخصياً هذا الملف حين كان مستشاراً لوزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى، بين سنتَي 2001 و2002، مؤكداً أن كثيراً من اليهود الذين غادروا تونس خلال فترة السبعينيات، اتخذوا من النكسة ذريعة للسفر نحو دول أخرى، والحال أن دافعهم الحقيقي هو رفض سياسة التعاضد والاشتراكية التي قادها الوزير السابق في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أحمد بن صالح، إذ تمسك كثير من اليهود المعروفين بتجارتهم الواسعة بعدم التفريط بأملاكهم للدولة.

كثير من أملاك اليهود كما يقول الدبلوماسي السابق، لا يزال موجوداً ولم يقع الاستيلاء عليه حسب مزاعمهم، والأمر لا يتعدى ممارسة ضغط إعلامي ودولي لتحقيق غايات سياسية، مستدركاً بأن تونس لا يمكن أن تقبل ابتزازها بهذا الملف لفتح الباب نحو التطبيع.

أما الموقف الرسمي التونسي من قضية التطبيع فقد كان قاطعاً على أثر موجة التطبيع العربي الأخيرة التي بدأتها الإمارات ووصلت إلى المغرب، إذ أكدت الخارجية التونسية في بلاغ رسمي نُشر سابقاً، أنها غير معنية بالتطبيع وأنها متمسكة بعدم المشاركة في أي مبادرةتمسّ الحقوق الشرعيّة للشعب الفلسطيني،وأن موقفها لا تؤثر فيه التغيرات الدولية.

موقف تونس من القضية الفلسطينية، لم يمنع منظمات وطنية تونسية من تحذير السلطات من مغبة الانجرار نحو التطبيع، إذ لوّح الاتحاد العامّ التونسي للشغل، باعتباره أكبر منظمة وطنية نقابية في البلاد، في أكثر من مناسبة بمغبّة اتخاذ السلطات أي خطوة تطبيعية مع إسرائيل، مشدداً على أنه سيتصدى مع القوى الوطنية وكل الشعب التونسي لأيّ محاولة لجرّ تونس إلى مستنقع التطبيع مع إسرائيل.

وجدد الاتحاد أيضاً مطالبته مجلس النواب بالتصديق على المبادرة الخاصّة بسنّ قانون لتجريم التطبيع، الذي سبق أن عرضته على أنظار المجلس أحزاب قومية ومنظمات حقوقية، لكنه ظل حبيس أروقة البرلمان بسبب تعطيلات بعض الكتل البرلمانية وضغوط خارجية.

ويلتقي الأمين العام للحزب الجمهوري مع مواقف سابقيه من قضية التطبيع ومن إثارة ملف التعويض لليهود التونسيين، مؤكداً في تصريح لـTRT عربي أن فتح ملف كهذا الغرض منه جسّ نبض السلطات والشعب التونسي من قضية التطبيع، ملقياً باللائمة على الوزير السابق حاتم العشي بعد إفصاحه عن المحادثة التي جمعته مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، بشكل متأخر.

إثارة ملف تعويض اليهود لا يكسوها أي سند قانوني وفق الشابي، مؤكداً أن أموال اليهود التونسيين محفوظة ومصونة، باعتبارهم مواطنين تونسيين يتمتعون بحقوقهم وواجباتهم كاملة، لكنه يستدرك في المقابل بأن كل من استقرّ في الأراضي المحتلة فهو في نظر التونسيين "مغتصب لأراضي الفلسطينيين ومطالَب بدفع تعويضات لهم"، وفق قوله.

موقف تونس الثابت والمبدئي من قضية التطبيع، لا يُخفِي مخاوف بعض الأوساط السياسية والحقوقية من محاولات مستمرة من إسرائيل وحلفائها في العالم لجرّ تونس نحو قطار التطبيع، واستغلال الوضع الاقتصادي والسياسي المتأزم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً