تُعَدّ الولايات المتحدة الأولى عالمياً من حيث انتشار السلاح على ترابها.  (Lucas Jackson/Reuters)
تابعنا

بعد أقلّ من عشرة أيام من حادثة مدينة بافالو العنصرية، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية الثلاثاء فاجعة أخرى لإطلاق نار عشوائي، حين فتح شاب ذو 18 عشرة سنة النار داخل مدرسة ابتدائية، مودياً بحياة 21 ضحية، 19 منهم أطفال.

وقال حاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ أبوت في مؤتمر صحفي، إنّ "المهاجم أطلق النار وقتل الضحايا بشكل مروّع ومجنون في مدرسة ابتدائية في بلدة يوفالد" الواقعة على بعد 130 كيلومتراً تقريباً غرب سان أنطونيو، قبل أن تقتله الشرطة التي هُرعت إلى المكان.

وتعيد حوادث إطلاق النار العشوائي بالولايات المتحدة، كلما تجددت، إشعال جدل انتشار السلاح في البلاد، الذي يسعى الديمقراطيون منذ توليهم الحكم للحد منه، فيما يواجهون في ذلك جماعات الضغط القوية الممولة من شركات السلاح، على رأسها "الجمعية الوطنية للبنادق".

وفي تطرُّقه إلى حادثة تكساس الفاجعة، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "فقدان طفل يشبه اقتلاع جزء من روحك (...) وتشعر كأنك غارق في هذا الأمر ولا تستطيع الخروج منه، (لهذا) علينا تحويل هذا الألم إلى عمل"، قبل أن يتوعد لوبي السلاح بالمواجهة، والعمل على تقنين انتشار الأسلحة.

وتساءل بايدن منفعلاً: "متى بحقّ الرب سنقف في وجه لوبي السلاح؟ لماذا نُضطرّ إلى التعايش مع هذه المذبحة؟ لماذا نستمر في السماح بذلك؟"، فـ"نادرا ما تقع حوادث إطلاق النار الجماعي هذه في أي مكان آخر في العالم، لماذا؟".

الأولى عالمياً في انتشار الأسلحة

بلغة الأرقام، تحتل الولايات المتحدة المركز الأول في العالم من حيث انتشار السلاح، بمعدل بلغ سنة 2020 وحدها 120.5 مليون بندقية لكل 100 مليون مواطن أمريكي. وفي سنة 2018 فقط قُدّر عدد البنادق المتداوَلة على التراب الأمريكي ما يزيد على 390 مليون بندقية. وتتعدى الولايات المتحدة في هذا المؤشر عدداً من مناطق العالم التي تعرف نزاعات مسلحة، بينها اليمن وسوريا.

يُضاف إلى هذه الأرقام أعداد "الأسلحة الأشباح"، التي تُنتَج يدوياً عن طريق طابعات ثلاثية الأبعاد وتفتقر إلى أي رقم تسلسلي لمراقبتها. وتقدّر السلطات الأمريكية عدد هذه الأسلحة بـ20 ألف قطعة منتشرة داخل تراب البلاد.

وقتلت الأسلحة النارية سنة 2020 ما يُقدَّر بـ45222 شخصاً في الولايات المتحدة، 43% منهم خلال حوادث إطلاق نار، و54% في حوادث انتحار. كما أن 79% من جرائم القتل في البلاد نُفّذَت بأسلحة نارية، لتحتلّ بذلك أيضاً المرتبة الأولى عالمياً، بفارق كبير عن وصيفتها كندا التي لا يتعدى فيها القتل بالسلاح الناري 37% من مجمل جرائم القتل.

تتزايد سنةً تلو أخرى حوادث إطلاق النار العشوائي واستهداف المدنيين، إذ سجّلت البلاد أكثر من 600 إطلاق نار خلال 2020 وحدها، مقارنة بـ419 خلال 2019، وأدّى 25 من هذه الحوادث إلى قتل جماعي. وحسب إحصائيات مؤسسة "إفري تاون للأبحاث"، فخلال الـ12 سنة الماضية راح أكثر من 1280 أمريكياً ضحية لحوادث إطلاق نار عشوائي، كان ربعهم أطفالاً، مقابل 973 جريحاً.

وحسب استطلاعات الرأي، يميل الأمريكيون إلى معارضة انتشار الأسلحة عشوائياً ويطالبون بتقنين صارم لها، إذ يرى 52% من الأمريكيين ضرورة تقنين صارم للأسلحة النارية، مقابل 35% يرون بقاء قوانين السلاح كما هي.

بايدن ولوبي السلاح

منذ حملته الانتخابية، ضد الرئيس السابق دونالد ترامب الداعم للسوق الداخلية للأسلحة، تَعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتشديد الخناق على هذه التجارة. وكان آخر إجراءاته ما أطلقه في أبريل/ نيسان الماضي لمكافحة "الأسلحة الأشباح"، الذي يُلزِم الشركات المصنّعة لنماذج هذه الأسلحة إرفاق أرقام تسلسلية بها، يمكن تتبُّعها من خلالها بموجب قانون تتبع الأسلحة.

لكن هذه الإجراءات دائماً ما تصطدم بعقبات كبيرة داخل الكونغرس، حيث تموّل لوبيات تجار السلاح معارضة قوانين تقنين تلك التجارة بأموال طائلة. وعلى رأس هذه اللوبيات "الجمعية الأمريكية للبنادق"، التي تبلغ ميزانيتها السنوية نحو 300 مليون دولار، أنفقت منها فقط في سنة 2020 ما يزيد على 2.2 مليون دولار على الضغط السياسي داخل الكونغرس.

وإضافة إلى شراء السياسيين، أنفقت "الجمعية الوطنية للبنادق" الأمريكية إعلانات تليفزيونية تخدم مصالحها بمقدار 4.7 مليون دولار خلال الأرباع الثلاثة الأولى من سنة 2020. وفي سنة 2016 (سنة انتخابية) أنفقت ما يزيد على 27.3 مليون دولار على حملاتها الإعلانية، 3.7 مليون دولار منها على الإعلانات عبر الإنترنت.

كيف يدعم مسؤولون أمريكيون حيازة الأسلحة؟

رغم خطورة الأمر المتزايدة يدعم بعض المسؤولين الأمريكيين بخاصة من الحزب الجمهوري قوانين تسليح الأفراد، وأحياناً يكتسب ذلك الدعم أشكالاً فجة.

ففي ديسمبر/كانون الأول العام الماضي نشر عضو الكونغرس الأمريكي الجمهوري توماس ماسي صورة مثيرة للجدل على صفحته الخاصة في تويتر، يظهر فيها مع عائلته بجانب شجرة عيد الميلاد يحملون بنادق رشاشة أوتوماتيكية، مرفقة بعبارة "عيد ميلاد سعيد! نطلب من سانتا (بابا نويل) إحضار الذخيرة".

لاحقاً حينما أثارت الصورة انتقادات حادّة برّرها السيناتور الجمهوري بأنه وجدها "صورة مرحة يمكن نشرها في عيد الميلاد". ودافع عن حيازة السلاح قائلاً: "إنه مجرد تقليد متوارَث لحيازة الأسلحة واستخدامها في جميع المناسبات، لا يقتصر ذلك على الصيد مثلاً، بل تصلح لكل الأوقات"، وفق صحيفة "بيزنس إنسايدر".

ودعماً لزميلها الذي لقي انتقادات بخصوص الصورة المذكورة نشرت عضوة الكونغرس الجمهورية لورين بوبارت صورة مشابهة لها برفقة أبنائها الأربعة مدججين بالسلاح بجانب شجرة عيد الميلاد، وقالت: "عائلة بوبارت تحمي ظهرك يا توماس ماسي! لكن لن نترك لك أي ذخيرة!".

فيما لقيَت الصورتان ردود فعل منتقدة، على رأسها فريد غوتنبرغ، أبو المراهقة خايمي غوتنبرغ التي راحت ضحية إطلاق نار في ثانوية باركلاند في ولاية فلوريدا سنة 2018، الذي قال في تغريدة: "بما أننا نشارك الصور العائلية، ها هي ذي صوري: إحداها آخر صورة التقطتها لخايمي، والأخرى مكان دفنها بسبب حادثة إطلاق النار في مدرسة باركلاند". ووصف مغردون آخرون الصورة بـ"الإرهاب المحلي".

TRT عربي