يحتاج الجيش الإسرائيلي في الفترة المقبلة إلى ما يقرب من 8000 جندي لسدّ العجز في قواته المنتشرة على ثلاث جبهات / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

ووفقاً للقانون الإسرائيلي يظلّ الجنود والضباط في إطار الخدمة الاحتياطية حتى سن 40 عاماً للجنود و45 عاماً للضباط، ويجري استدعاؤهم كل عام لأيام وأسابيع للتدريب أو الخدمة العسكرية.

فكرة "جيش الشعب" جعلت جنود الاحتياط فاعلين مهمين في الحياة السياسية الإسرائيلية لما يقع على كاهلهم من عبء، بخاصة في أوقات الحروب والطوارئ.

ومنذ إعلان إسرائيل حربها على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، جنّد جيش الاحتلال ما يقرب من 300 ألف جندي، وعلى مدار شهور الحرب سرحت جزءاً منهم وأبقت جزءاً آخر.

طول مدة الخدمة دفع الظرف السياسي العام في إسرائيل مجموعة من ضباط وجنود الاحتياط إلى الاحتجاج علناً، بعد أن نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية خبر رسالة قدمها جنود وضباط من الاحتياط احتجوا فيها على السياسية الإسرائيلية وطريقة إدارة الحرب في غزة وملف المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.

وتلعب عوامل عدة في منح أهمية لأي مؤشرات احتجاج تصدر عن جنود الاحتياط، أولها التاريخ الاحتجاجي لهذه الفئة الذي يرجع إلى سبعينيات القرن الماضي وأثره الهامّ في السياسة بإسرائيل.

بالإضافة إلى موقف جزء أساسي من جنود الاحتياط من رئيس الوزراء نتنياهو، ظهر في مشاركة جزء منهم في الاحتجاجات على خطة الإصلاح القضائي، وأخيراً العبء الكبير الذي تتحمله هذه الفئة وحاجة إسرائيل في المستقبل إلى تجنيد مزيد منها.

تاريخ من الاحتجاج

يُعَدّ احتجاج جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي من الظواهر الاجتماعية-السياسية التي تبلورت في سبعينيات القرن الماضي بعد إخفاق الجيش الإسرائيلي في حرب 1973. وبسبب هذا الإخفاق نشأت حركة احتجاج واسعة النطاق بقيادة جنود وضباط احتياط خدموا في الحرب.

وأدّت الاحتجاجات العامة والضغط السياسي إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية، عُرفت باسم لجنة أغرنت، ونتيجة لتوصيات اللجنة، استقال عدد من كبار القادة العسكريين والسياسيين وتغييرات تنظيمية ومفاهيمية في الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

كما شهد عقد السبعينيات ظهور حركة "السلام الآن"، التي تأسست عام 1978 على يد مجموعة من جنود الاحتياط دعت إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة وتحقيق السلام مع الدول العربية. وتحولت "السلام الآن" لاحقاً إلى حركة رائدة في الكفاح من أجل السلام، ومثال على ما يمكن لجنود الاحتياط فعله.

في الثمانينيات والتسعينيات ركز احتجاج جنود الاحتياط على تحسين شروط الخدمة، وزيادة الدعم المالي والقانوني، والاعتراف بمساهمتهم في أمن الدولة. وأدّت هذه الاحتجاجات إلى تغييرات كبيرة، بما في ذلك تشريعات سمحت بتحسين الشروط وتخفيف الأعباء على جنود الاحتياط.

وبعد الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية (2006)، عاد جنود الاحتياط إلى واجهة العمل السياسية، بعد أن دفعتهم الإخفاقات التشغيلية وظروف الخدمة الرديئة إلى الاحتجاج والمطالبة بتحسين جاهزية الجيش. ونتج عن ذلك، تشكيل لجان تحقيق أوصت بتغيرات في التنظيم والجاهزية العسكرية.

جنود الاحتياط في مواجهة نتنياهو

لجنود الاحتياط سابقة في الاحتجاج على حكومة نتنياهو وسياساتها الداخلية، بعد أن شكلوا مادة أساسية في الحراك الاحتجاجي داخل إسرائيل ضد ما عرف بخطة الإصلاح القضائي التي تقدم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بداية العام الماضي، وتضمنت مجموعة من التغييرات الهيكلية في المحكمة العليا، تقليص صلاحياتها وتغييرات أخرى في النظام القضائي.

رفضت المعارضة الإسرائيلية الخطة، وقادت حراكاً شعبياً مناهضاً لها من خلال تنظيم مظاهرات أسبوعية في المدن المركزية في إسرائيل.

وأعلن عديد من جنود الاحتياط، بمن في ذلك الطيارون وضباط كبار في الأسلحة المختلفة، وقف الخدمة في الجيش الإسرائيلي كاحتجاج ضد الخطة، زاعمين أنها تعرّض قيم الديمقراطية والأمن الوطني للخطر.

ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في شهر أغسطس/آب 2023، أن اثنين من أصل خمسة لواءات في الاحتياطي البحري الذين يخدمون في مقر العمليات، ونائبين لقائد القوة، أعلنوا أنهم لن يتطوعوا بعد الآن للخدمة الاحتياطية بسبب التعديل القانوني الذي أجرته الحكومة.

وجاءت حركة الاحتجاج الكبرى في سلاح الجو الذي يمثّل العاملون فيه نخبة المجتمع الإسرائيلي، بعد أن وقّع ما يقرب من 1140 عاملاً في سلاح الجو على رسالة تحذر الجيش من أنهم لن يخدموا في حال استمرت الحكومة في خطتها القضائية، وأشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن ما يقرب من 70% منهم نفّذوا تهديداتهم بالفعل.

هذا الأمر دفع رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية هرتسي هاليفي إلى تحذير نتنياهو من أن أزمة جنود الاحتياط يمكن أن تنتقل إلى الجيش النظامي، وأن التشريع الأحادي بلا إجماع سياسي واسع يمكن أن يؤدي إلى موجة من تقاعد الضباط، وقد يؤثّر في تجنيد الجنود القادم، وفقاً لما نقلته القناة 13 الإسرائيلية في يوليو/تموز 2023.

المساواة في العبء

يعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي كثيراً على تجنيد الاحتياط لتوفير الموارد البشرية التي يحتاج إليها، وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول ازدادت حاجات الجيش الإسرائيلي للعنصر البشري في ظلّ اضطرارها إلى القتال على جبهات ثلاث.

وأشار المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عاموس هرائيل إلى أن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى ما يقرب من 8 آلاف جندي إضافي لتعويض الإصابات التي تَعرَّض لها الجنود، وإراحة الوحدات التي أرهقتها الخدمة.

وفي هذا الإطار يشير يوسي يهوشع مراسل شؤون الجيش والأمن، في صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن الجيش يدرس رفع عدد الكتائب التي تحمي قطاع غزة، من 4 كانت تتمركز على طول الحدود مع غزة إلى 8، وكذلك مع الضفة الغربية والحدود مع لبنان وسوريا.

هذا الأمر دفع الحكومة الإسرائيلية إلى دراسة تمديد خدمة جنود وضباط الاحتياط سنة، لتنتهي الخدمة لدى الجنود على سنّ 41 عاماً والضباط على 46 عاماً.

يجري ذلك في ظل استمرار أزمة تجنيد طلبة المدارس الدينية في جيش الاحتلال، فمن أصل أكثر من 60 ألف شابّ يمكن له الخدمة العسكرية، أعلن الجيش تجنيد 3000 شاب حريدي.

يؤدي ذلك وفقاً لعاموس هرئيل إلى شعور عام بعدم المساواة لدى الجنود والضباط في الاحتياط، بخاصة "عندما يتحمل الجنود الصهاينة العلمانيون والمتدينون مثل هذا العبء الثقيل من الخدمة".

ويحذّر هرئيل من أن مضيّ هيئة الأركان العامة في عدم تجنيد شباب المدارس الدينية وتجنُّب السعي إلى ترتيب أكثر مساواة، "قد يفجّر في وجهها الغضب ويعرّض النموذج المتعثّر للجيش الشعبي للخطر".

TRT عربي
الأكثر تداولاً