امرأة محجبة في إحدى محطات القطار في الولايات المتحدة (Reuters)
تابعنا

تلاحق الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية المسلمين من كل جانب وتستهدفهم عبر التجسس والمراقبة وسرقة البيانات بذريعة "مكافحة الإرهاب". وكان آخر ما كُشف في هذا الإطار مراقبة جهاز المخابرات الإقليمي المركزي في فرنسا مسلمين بسبب آرائهم السياسية.

تجسُّس ومراقبة

وكشف تقرير نشرته إذاعة "أوروبا 1" مطلع سبتمبر/أيلول الجاري أنها حصلت على "مذكرة سرية من جهاز المخابرات الإقليمي المركزي" وُزّعت على كبار المسؤولين وأعضاء الحكومة والعاملين في الرئاسة (الإليزيه)، رصدت تصويت نحو 69% من الناخبين المسلمين لصالح المرشح اليساري في الانتخابات الفرنسية الأخيرة جان لوك ميلونشون.

ووفقاً للتقرير، كُتبت المذكرة في 17 مايو/أيار الماضي، بعد ثلاثة أسابيع من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بهدف فهم سبب تصويت 69% من الناخبين المسلمين لصالح ميلونشون، في إطار ما عُرف بـ"تأثير المسلمين في العملية الانتخابية".

وحسب المذكرة التي نقلتها وسائل الإعلام، استنتجت المخابرات أن المرشح الرئاسي اليساري جان لوك ميلونشون جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، بفضل "صوت المسلمين" ودعم "المؤثرين والناشطين الإسلاميين الذين رحّبوا وتناقلوا مواقفه".

واستشهد التقرير بعديد من الشخصيات المسلمة في فرنسا، بما في ذلك المحامي رفيق شكات، عضو جمعية "العمل ضد الإسلاموفوبيا" والصحفية المستقلة سهام الصباغ، وكلاهما وُصِف بـ"الإسلامي"، لاتخاذهما موقفاً ضد الإسلاموفوبيا أو الاستعمار.

بالإضافة إلى شكات والصباغ، تضمنت المذكرة أسماء كل من فنسنت سليمان، وهاني رمضان، وفريد سليم، وجميعهم وصفوا بأنهم "دعاة" أو "أئمة" تابعون لجماعة الإخوان المسلمين، وفق المذكرة.

كما جرى تعقب فايزة بن محمد، الصحافية في وكالة الأناضول التركية، وإدراجها في قائمة المخابرات الإقليمية بسبب "آرائها السياسية الحقيقية أو حتى المفترضة والمتوقعة".

وكشف تقرير "أوروبا 1" أن المخابرات الفرنسية الإقليمية صنفت فايزة على أنها صحافية "موالية" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمجرد أن وكالة الأنباء التي تعمل فيها تركية.

وأشار التقرير إلى تَعقُّب صحافية الأناضول أيضاً على خلفية "نشرها سلسلة من التغريدات التي تبرر اختيارها التصويت لجان لوك ميلونشون، الذي تعتبره المرشَّح الوحيد الموثوق به الذي لا يطمح إلى استخدام المسلمين أداة لإلهاء الناس عن المشكلات".

واختتمت الوثيقة الاستخباراتية بالقول إن "الإسلام السياسي في فرنسا يُظهِر عدم ثقة مستمرّاً بالطبقة السياسية المؤسسية".

وفي مارس/آذار 2021 كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن الحكومة النمساوية ضغطت على المسلمين في السنوات الأخيرة بشكل متزايد عبر إصدار قوانين بزعم أنها "تهدف إلى تنظيم حياتهم".

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 كُشف عن تكليف عدد من البلديات الهولندية شركة خاصة، للتجسس على الجاليات المسلمة في مناطقها، لكن تلك الشركة ركزت نشاطها داخل المساجد، حسب تقرير لموقع "لوكوريي إنترناسيونال" الفرنسي.

الموقع ذكر وقتها أن أجهزة مكافحة الإرهاب الهولندية كانت منحت 7.5 مليون يورو للبلديات للتعامل مع هذه القضية.

ولأن بعض تلك البلديات -حسبما نقل لوكوريي إنترناسيونال عن الموقع الإخباري المغربي دياسبورا تل كيل- "لم تكن تعرف كيفية فعل ذلك، فقد دفعت جزءاً من هذا المبلغ لشركة أمنية خاصة لتنفيذ المهمة".

ومن المثير للانتباه، حسب الموقع، أن تلك الشركة، واسمها "إن تي إيه" (NTA)، يديرها نجيب توزاني قائد الشرطة السابق لمدينة أوتريخت (وسط البلاد).

ولفت التقرير إلى أن تلك الشركة اقترحت تقديم خدماتها مقابل 50 ألف يورو، ويشمل ذلك إعداد رسم خرائطي داخل المجتمعات المستهدفة من أجل "توازن القوى"، وهو مصطلح يشير، حسب الشركة، إلى "بحث حول الاتجاهات الراديكالية المختلفة".

والمشكلة، حسب الموقع، أن هؤلاء المحققين الخاصين لم ينتهجوا الطريقة التي أعلنوا عنها، بل تَصرَّفوا كجواسيس داخل المساجد، وقد أثارت هذه القضية ضجة في أماكن العبادة المستهدفة.

وقد أورد التقرير أن 10 بلديات من أصل 39 قد طلبت خدمات هذه الشركة. وفي معرض دفاعها عن نفسها بسبب عزوف أغلب البلديات عن خدماتها نظرا لأساليبها المتبعة، قالت الشركة إنها تصرفت وفقاً لـ"القانون واللوائح".

وفي الولايات المتحدة كشفت صحيفة واشنطن بوست في يناير/كانون الثاني الماضي عن تفاصيل قصة تجسُّس تَعرَّض لها مركز العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير).

وأوضحت الصحيفة أن مجموعة "المشروع الاستقصائي حول الإرهاب" التي تُعَدّ منظمة معادية للمسلمين الأمريكيين، تورطت في الأمر، مما أعاد إلى الأذهان الوضع الذي يعيشه مسلمو أمريكا منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

كما كشف خلال السنوات الأخيرة عن استخدام السلطات الأمريكية عدداً من التطبيقات للتجسس على المسلمين في الولايات المتحدة وحذر من أنها تعرّض خصوصيتهم للخطر.

وشملت هذه تطبيقات شهيرة مثل "Muslim Mingle" و"Muslim Pro’s features" و"Full Quran MP3" و"Qibla Copass" و"QR barcode scanner" و"Al-moazin Lite".

وهذه التطبيقات التي يستخدمها المسلمون كثيراً أضيفت داخلها شفرة خاصة تعمل على تتبُّع من ينزّلها ويستخدمها.

وعام 2020 طالب مغردون بحذف تطبيق "مسلم برو" بعد تقارير عن استخدام الجيش الأمريكي بيانات المستخدمين في التجسس عليهم.

وكشف تقرير لموقع "فايس" عن اتفاق الجيش الأمريكي مع إحدى الشركات الخاصة من أجل شراء بيانات العملاء الذين يصل عددهم إلى 98 مليون مستخدم، بحجة مكافحة الإرهاب.

وتتشكل غالبية مستخدمي تلك التطبيقات من المسلمين، وهو ما يُنظَر إليه على أنه استمرار لسياسة الولايات المتحدة التي بدأت قبل عقود في بعض البلدان الإسلامية مثل أفغانستان والعراق.

المشهد وتأثيراته

يرى الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر أن "أوروبا والعالم الغربي شهد تحولاً مهمّاً في سياق أولويات التصعيد نحو المسلمين، ورغم ذلك فإنه مستمرّ في بعض الدول".

وقال في حديث لـTRT عربي إن الغرب على وجه الخصوص منشغل الآن بتداعيات الحرب في أوكرانيا والتحدي الروسي والتضخم وأزمة الطاقة، ضمن مرحلة جديدة عنوانها الحرب الباردة.

ويعتقد أن في حالة العداء تجاه ضد المسلمين في بعض الدول الأوروبية خفوتاً، مع استثناءات واضحة، في فرنسا تحديداً.

وأضاف: "تتأجج المواقف الرسمية في فرنسا بشكل مبالغ فيه ضد المسلمين، وتشهد البلاد نقاشاً تصعيدياً من طرف صقور في الحكومة الفرنسية كوزير الداخلية جيرالد دارمانان.

وبعد اتهامه بالفشل في إتمام عملية ترحيل الإمام حسن إيكويسن، الذي حُوّل بين عشية وضحاها إلى "عدو للجمهورية"، يعمل وزير الداخلية الفرنسي على إعداد قائمة برجال دين مسلمين آخرين لإبعادهم، وفقاً لموقع ميديا بارت Mediapart الفرنسي.

في هذا الإطار قال الموقع في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، إنه اطّلع على ما يُظهِر أن جيرالد دارمانان حدد عديداً من الأئمة الذين سيسعى لاستبعادهم.

وأوضح حسام شاكر أن "هذه الإثارة تخضع بالأساس لحسابات داخلية فرنسية ذات طابع انتخابي تنافسي مع أقصى اليمين في محاولة لكسب رهان سياسي او انتخابي".

وربط شاكر التصعيد في النبرة الشعبوية ضد المسلمين بالحملات الانتخابية خلال السنوات السابقة، وهو أمر ما زال يحدث حتى اليوم، "وهذا نوع من الاستثمار الانتخابي الرخيص المعهود في أوروبا".

وتحدث عن مزيد من التصعيد في ملفات مرتبطة بالمسلمين كالهجرة في عدد من الدول الأوروبية.

وتؤثّر حملات الإسلاموفوبيا الرسمية والشعبية وعمليات المراقبة والتجسس المستمرة بالسلب على المسلمين في الدول الغربية.

ومما يُذكَر هنا أنه في نهاية يوليو/تموز الماضي، استهدفت اللجنة المشتركة بين الوزارات لمنع الانحراف والتطرف في فرنسا (CIPDR)، التابعة لوزارة الداخلية، في سلسلة تغريدات على حسابها على تويتر، عديداً من المواطنين الفرنسيين الذين يناهضون الإسلاموفوبيا.

وبعد هذا الإجراء من الدولة الفرنسية، تعرضت فايزة بن محمد الصحافية في وكالة الأناضول التركية لمضايقات واعتداء لفظي وإهانات على منصات التواصل الاجتماعي، واستمر هذا الوضع لعدة أسابيع وأثّر في حياتها الشخصية والمهنية.

وفي الولايات المتحدة أظهرت دراسة أجرتها جامعة "رايس" أن المسلمين أكثر عرضة بخمس مرات لمضايقات الشرطة بسبب دينهم مقارنة بالديانات الأخرى.

وبشكل أكثر تحديداً، فإن البالغين المسلمين الذين يُعرَفون بأنهم سود أو شرق أوسطيين أو عرب أو شمال إفريقيين أكثر عرضة للإبلاغ عن تعرضهم لمضايقات الشرطة بسبب دينهم، وفقاً للدراسة.

وقال تقرير نشرته "ميدل إيست آي" إن المعدل الإجمالي بين البالغين في الولايات المتحدة قُدِّر بـ3.8%، لذا فإن الأفراد المسلمين أكثر عرضة بنحو خمسة أضعاف للقول إنهم تعرضوا لمضايقات من الشرطة بسبب دينهم.

وخلقت البيئة الجيوسياسية التي أعقبت 11 سبتمبر علاقة متوترة مع سلطات تطبيق القانون للمجتمعات الأمريكية المسلمة. ويخشى عديد من المسلمين الأمريكيين "مراقبة الشرطة التي تفرضها الدولة من خلال إجراءات مثل التتبع عبر الإنترنت، أو أمن المطارات، أو التوقفات الروتينية أو المراقبة داخل الأماكن الدينية"، كما جاء في دراسة جامعة رايس.

ونادراً ما يجري التعبير عن الهدف الرئيسي لأمر المراقبة هذا، ومن الصعب العثور على كلمة "مسلم" في وثائق استراتيجية "مكافحة الإرهاب" الرسمية للاتحاد الأوروبي.

ويقول مركز الأبحاث البريطاني "open democracy" إنه "في لغة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، التطرف اختصار لعملية سياسية تشمل المسلمين فقط".

وبيّن في تقرير سابق له أن "أمر المراقبة هو في الأساس يستهدف المسلمين ولو لم تجرؤ أوروبا على النطق بهذه الكلمات".

ورأى أن مراقبة المسلمين ونظام التجسس ليس سوى جزء واحد من آلة أمنية أو حرب مترابطة طورتها الدول الغربية لمحاربة "العدو المسلم".

وتابع: "لا يمكن القول إن المسلمين يشكّلون تهديدا للديمقراطيات الليبرالية أكبر من تهديد الشيوعية أو الفاشية أو الغزو العسكري من الدول الأجنبية أو الحرب النووية بين الدول".

وختم قائلاً: "المسلم في نظر الغرب عالق في حالة دائمة من التعصب الوشيك، لهذا عليهم إجراء مسح لجميع المسلمين في جميع الأوقات".

وبيّن أنه "في أساس أمر المراقبة يعتقد صانعو السياسة الغربيون أن المسلم متعصب محتمَل وأن غير المسلمين يمكن أن يصبحوا متعصبين من نوع ما، لكن طريقهم إلى التعصب يُفترض أن يكون حالة شاذة، وأن المسلم ليس كذلك".



TRT عربي