كيف أصبح ملف الدبابات نقطة خلاف غربي جديد مركزه برلين؟ (Others)
تابعنا

تواصل كييف إلحاحها في طلب الحصول على دبابات غربية، ارتباطاً مع التطورات المتسارعة للمعارك في الشرق، واستعداداً لهجوم روسي واسع مرتقب، تواردت الأنباء باحتمال حدوثه بحلول الربيع إذ تسمح التضاريس والطقس بذلك.

وحسب "بوليتيكو" الأمريكية، يجادل المسؤولون الأوكرانيون بأن الوقت ينفد للاستعداد لما يُتوقع أن يكون هجوماً روسياً في الربيع، مؤكدين أن قواتهم ستحتاج إلى الوقت من أجل تدفق أعداد كبيرة من الدروع الثقيلة والدبابات في الأسابيع المقبلة، والتي من دونها قد يتعثر اختراق خطوط الدفاع الروسية الراسخة والمنتشرة عبر مئات الكيلومترات.

هذا ما أكده الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، في خطابه الجمعة، مشيراً إلى أنه لا خيار أمام بلاده للمقاومة سوى الحصول على الدبابات الغربية. وقال زيلينسكي: "علينا أن نواصل القتال للحصول على دبابات حديثة، وكل يوم نؤكد بوضوح أكبر أنه لا حل آخر سوى اتخاذ قرار في شأن الدبابات".

بيد أن هذه المطالبة الأوكرانية الملحة تصطدم بصخرة صلبة تتمثّل في اختلاف مواقف حلفائها الغربيين بشأن منحها تلك الأسلحة، وهو ما يكشفه فشل الوصول إلى اتفاق حول الأمر خلال اجتماعهم الجمعة بقاعدة رامشتاين الألمانية.

رامشتاين بلا نتيجة؟

اجتمع وزراء الدفاع والقادة العسكريون من نحو خمسين دولة، فيما يعرف بمجموعة الاتصال الخاصة بأوكرانيا، الجمعة، في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا. وفي ختام الاجتماع اتفقوا على زيادة المساعدات العسكرية لحكومة كييف، وتشديد العقوبات على روسيا ومجموعة فاغنر التابعة لها.

ومع ذلك، ظل المأمول من هذا الاجتماع ممتنعاً، إذ فشل المسؤولون الغربيون في التوصل إلى اتفاق لتزويد كييف بالدبابات التي تطلبها بشدة، بسبب معارضة ألمانية حالت دون ذلك، وانضمت إليها فرنسا في وضع شروط على الأمر. في المقابل، تقود بولندا تياراً يضم دولاً أوروبية وغربية أخرى، للضغط على جارتها الجنوبية من أجل العدول عن موقفها بشأن الملف.

وفي أعقاب الاجتماع، قال وزير الدفاع الألماني الجديد بوريس بيستوريوس، إن حكومته لم توافق بعد على الطلب الأوكراني بتسليمها دبابات "ليوبارد 2" ألمانية الصنع. وأردف في حديثه للصحفيين: "لا يمكننا جميعاً أن نقول اليوم متى سيأتي قرار (بشأن احتمال إرسال دبابات ليوبارد) وكيف سيجري ذلك".

وناشد الحلفاء ألمانيا علناً من أجل العدول عن موقفها، كونها الوحيدة التي تمتلك مفاتيح الإفراج عن تلك المساعدات، نظراً إلى شروط بيعها التي تقيد المنح لدولة ثالثة. وكشف بيستوريوس عن أن المستشار الألماني نفسه متردد بشأن هذه الخطوة.

بالمقابل، اعتبر الوزير الألماني أنه من "الخطأ" القول بأن بلاده معزولة بشأن هذا الملف، مشيراً إلى عدم وجود "رأي موحد" بين الحلفاء يدفع باتجاه إرسال دبابات "ليوبارد" قد تُتهم ألمانيا بالوقوف "في طريقه". وبدلاً من ذلك، أفاد بوجود دول عدة تزن "بعناية شديدة" بين إيجابيات وسلبيات عمليات التسليم هذه.

وفي وقت سابق، كشف مسؤولون في الحكومة الألمانية عن أن المستشار أولاف شولتز يضع شرط تسليم دباباته إلى أوكرانيا بإرسال الولايات المتحدة دباباتها أولاً.

فيما يخيم التردد نفسه في واشنطن بشأن وعودها بتسليم دبابات "أبرامز" محلية الصنع إلى أوكرانيا، إذ أعزى البنتاغون عدم إيفائه بتلك الوعود حتى اليوم، إلى التعقيدات اللوجستية والصيانة التي يتطلبها ذلك العتاد العسكري.

وهو ما أكّده نائب المستشار الأمريكي لسياسات الدفاع، كولين كاهل، قائلاً: "دبابة أبرامز هي قطعة معقدة للغاية وباهظة الثمن، وتتطلب تدريباً شاقاً. بالإضافة إلى اشتمالها على محرك نفاث، أعتقد أنه يستهلك 11 لتراً من الكيروسين لكل كيلومتر. وبالتالي فإنه ليس نظاماً تسهل صيانته".

خلاف داخل التحالف الغربي؟

ردّاً على التردد الألماني بشأن "ليوبارد"، اتهمت الحكومة البولندية برلين بـ"التقاعس" في دعم أوكرانيا، وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيسكي، في حديثه لوكالة الأنباء المحلية، الأحد، إن بلاه مستعدة للالتفاف حول المعارضة الألمانية لبناء "تحالف مصغّر" من الدول وإيجاد حلفاء يرغبون في إرسال الدبابات إلى كييف.

وأضاف رئيس الوزراء البولندي: "لن نقف مكتوفي الأيدي نراقب أوكرانيا وهي تنزف (وبالتالي) بما أن الوزير بيستوريوس ينفي أن بلاده تمنع توريد الدبابات إلى أوكرانيا، أود أن أسمع إعلاناً واضحاً من برلين بأنها تدعم إرسالها.. هل يريد الألمان الاحتفاظ بتلك الدبابات في المخازن حتى تهزم روسيا أوكرانيا وتطرق باب برلين؟".

وبعد الجدل الذي أثاره نهاية الأسبوع، يعرف الموقف الألماني حلحلة خفيفة، دون التحول الصريح إلى دعم مساعدة كييف بدبابات "ليوبارد". وهو ما أعربت عنه وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، في تصريحاتها لوسائل إعلام فرنسية، بالقول: "ألمانيا لن تقف في طريق أي دولة أرادت إرسال ليوبارد إلى الأوكرانيين". وهو ما يرمي بكرة القرار الأخير في ملعب وارسو، التي تحدثت مراراً عن استعدادها لتأدية ذلك الدور.

وهو ما أكده المستشار شولتز بدوره، في بيانه المشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ أكدا نقطة "ضرورة استيفاء أوكرانيا بعض الشروط" من أجل الموافقة على تسليمها الدبابات. وكانت فرنسا هي الأخرى قد وعدت بإرسال دبابات "لوكلير" كمساعدات للجيش الأوكراني.

وتعرّضت الحكومة الألمانية إلى ضغوطات كبيرة بشأن ملف الدبابات، ما يدفع الصحافة المحلية إلى ترجيح عدول شولتز عن قراره ذاك. وقالت صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية بأن المستشار "سيعرف بنفسه أنه لن يستمر على هذا الموقف طويلاً. ربما يستطيع أن يعرقل تسليم دبابات قتالية (إلى أوكرانيا)، لكنه لن يستطيع منع ذلك. الحكومة الاتحادية أيضاً تتوقع كسر تابو ليوبارد، إن لم يكن الآن، فقريباً".

وتضيف الصحيفة أن "شولتز يفضل الاصطفاف وراء الأمريكيين، كما فعل بالنسبة إلى المساعدات العسكرية الأخرى"، لكن تعذر إرسال واشنطن "أبرامز" يفضي إلى "عودة الكرة مجدداً إلى ملعب المستشار".

من جهته خاض وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، محاولات إقناع مطولة للمستشار الألماني قبيل اجتماع رامشتاين، لكنها باءت بالفشل. وهو ما ترجح "نيويورك تايمز" الأمريكية، بأنه مؤشر على ظهور شقوق في موقف الحلفاء الغربيين بشأن دعم أوكرانيا.

وتورد الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين أصيبوا بإحباط بسبب الموقف الألماني، رغم أن الوزير أوستن وآخرين تجنبوا انتقاد شولتز علانية، ذلك "لكونهم يعتقدون بأن قلق المستشار الحقيقي هو أنه لا يعتقد أن العالم مستعد لرؤية الدبابات الألمانية بالقرب من حدود روسيا، وهو تذكير بالغزو النازي في الحرب العالمية الثانية".

TRT عربي