تابعنا
تحدّث ولي العهد السعودي الأمير  ابن سلمان في 2017 عمّا سماه قدرته على "اجتثاث جماعة الحوثي" في غضون أيام قليلة، لكن يبدو أنّ حُلم القضاء على الحوثيين في اليمن من قِبل التحالف السعودي-الإماراتي لم يعُد ممكناً بعد مرور ست سنوات من الحرب.

ومن الدلائل على ذلك أن القدرات العسكرية للحوثيين في تطوّر مستمرّ منذ نشوب الحرب وحتى الآن، وذلك من خلال اختراق طائراته المسيرة وصواريخه الأجواء السعودية، واستهداف أهمّ المواقع الحيوية في داخل العمق السعودي، الأمر الذي قد يُظهِر عجز القوات السعودية عن التصدي لهجمات الحوثيين، بل وعجزها عن حسم المعركة لصالحها.

مؤخراً، وفي يوم الثلاثاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قدمت المملكة العربية السعودية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد ميليشيا الحوثيين، وذلك بعد تبنّي الحوثيين لهجمات عسكرية استهدفت محطة لشركة "أرامكو" النفطية في جدة. وفوجئت السعودية في اليوم التالي، 25 نوفمبر 2020، بعد الهجوم الذي استهدف المحطة النفطية، الذي تسبّب بحرائق في المنشأة، باستهداف آخر للسفينة الإيطالية "Agrari" التابعة للشركة الإيطالية "TMS Tankers" بلغم بحريّ في ميناء الشقيق السعودي قبالة الحدود اليمنية.

ولحق بهذا الهجوم مؤخراً الاعتداء على السفينة "BWRHINE" التابعة لشركة "HAFNIA" في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، قبالة ميناء جدة، من قِبل مصدر مجهول، حسب تصريح الشركة المالكة للسفينة، الأمر الذي لم تنفِه أو تؤكّده جماعة الحوثي.

لم تكُن هذه الهجمات العسكرية هي الأُولى من نوعها التي تستهدف العمق السعودي من قِبل الحوثيين، وبالأخص شركة النفط العالمية "أرامكو"، بل سبقتها هجمات أوسع في 14 سبتمبر/أيلول 2019، تسببت في وقف نحو نصف إنتاج الشركة البالغ ما يقرب من عشرة ملايين برميل يوميّاً.

وإلى جانب لجوء المملكة إلى مجلس الأمن للتدخل لحمايتها ومنع الهجمات، اضطرّت السعودية مؤخراً إلى استقدام قوّات وخبرات خارجية، بريطانية على وجه التحديد، لتعزز من قدراتها الدفاعية للتصدي لهجمات الطائرات المسيرة والصاروخية المتكررة التي تستهدف أراضيها.

وقد أكّد وزير القوات المسلحة البريطانية جيمس هيبي في 27 نوفمبر أنّ إرسال جنود بريطانيين إلى المملكة العربية السعودية إنما جاء لأغراض دفاعية، وذلك بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت محطات النفط في جدة. كما رافق نشر الجنود البريطانيين نشر رادارات عسكرية متقدمة للكشف عن الطائرات المسيرة.

وفي هذا الصدد صرح المحلل والناشط السياسي نبيل البكيري لـTRT عربي قائلاً: "إنّ لجوء السعودية إلى مجلس الأمن له دلالات خطيرة، ونتيجة طبيعية في ذات الوقت للسياسات السعودية التي اتبعتها على مدى ست سنوات من الحرب، وهي سياسات عقيمة وكارثية أتت بهذه النتائج الكارثية للحرب التي شُنّت من أجل استعادة الشرعية اليمنية والقضاء على المشروع الإيراني في اليمن، فإذا بها تنحرف عن أهدافها وتأتيبنتائج عكسية، وهي عدم إسقاط الانقلاب وتمكين جماعة الحوثي والمشروع الإيراني في اليمن".

ويبدو أن المملكة لم تعُد تتحمّل تبعات الحرب في اليمن، فبعد أن كانت تعتقد أنها قادرة على إنهاء هذه الحرب في خلال أيام معدودة، أصبحت وبعد ست سنوات من الحرب تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه. لذلك أبقت خطوط التواصل المباشر مع الحوثيين قائماً دون التنسيق مع الشرعية، إذ أفاد رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط، عن وجود اتصالات مستمرة بين جماعته والسعودية، وعلى حدّ وصفه فإنّ هذه الاتصالات تأتي في إطار بحث سُبل تسوية الأزمة في اليمن.

وقد كشفت وكالة "رويترز" في 17 نوفمبر 2020 نقلاً عمّا سمته "مصادر مطلعة" أنّ السعودية أبلغت الحوثيين في مباحثات رفيعة المستوى بإمكانية التوقيع على اقتراح الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار على مستوى البلاد بالكامل، مقابل موافقة جماعة الحوثيين على إنشاء "منطقة عازلة" داخل الحدود اليمنية وعلى طول الحدود بين الدولتين، اليمن والسعودية.

وفي هذا الصدد صرح المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي لـTRT عربي بقوله: "إنّ المنطقة العازلة مقترح إشكاليّ تريد السعودية إعادة طرحه من جديد بعد أن طُرِح بدعم من الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما، عندما كان التركيز ينصبّ حول الضمانات المتصلة بأمن المملكة".

وأردف التميمي قائلاً: "يبدو أنّ السعودية على استعداد كامل لتقرير مصير اليمن بعيداً عن السلطة الشرعية، التي لا شك يزعجها أن يجري الإعلان عن عروض سعودية تهمّش الشرعية وتُقصيها. ومع ذلك لا يحتاج الأمر إلا إلى ممارسة مزيد من الضغط العسكري على معاقل الشرعية لإسكاتها وتحييدها، كما يحدث اليوم في مدينة مأرب من خلال تمكين الحوثيين من التقدم صوب المدينة".

ومن ناحية أخرى علّق الأمين العام لمجلس شباب الثورة اليمنية محمد المقبلي لـTRT عربي قائلاً: "السعودية تريد أن تحقق مكاسب قائمة على فكرة إيجاد منطقة عازلة تخلق مجالاً بعيداً عن أي استهداف من الممكن حدوثه من الأراضي اليمينة، خصوصاً في ما يتعلق بالمقذوفات والطائرات المسيرة وغيرها".

وأضاف المقبلي: "نحن كيمنيين نتخوّف من طروحات كهذه، كونها تعتبر مدخلاً للدولة السعودية القائمة على التوسع منذ عهد الملك عبد العزيز حتى هذه اللحظة، الذي يكون دائماً على حساب دول الجوار، وفي مقدمتهم دولة اليمن التي خسرت عشرة أضعاف مساحة لبنان الحالية في ما كان يعرف بـ(المخلاف السليماني). ومثل هذا المشروع سيقابل برفض ومقاومة كبيرة من قِبل الشعب اليمني".

وقد لا يقتصر أمر التوسع السعودي على مشروع المنطقة الآمنة فقط، فقد سبق ذلك إنشاء قواعد عسكرية سعودية في منطقة المهرة اليمنية المتاخمة للحدود العمانية-السعودية، تمهيداً لفرض سيطرة السعودية على هذه المنطقة، التي تطمح من خلالها إلى إنشاء أنابيب نفط تمتدّ من داخل الأراضي السعودية عبر المهرة حتى البحر العربي. وهذا ما أكده وكيل محافظة المهرة السابق، الشيخ علي سالم الحريزي، وأنه لا يحقّ للسعودية التصرف في تنفيذ مشروع الأنبوب النفطي على الأراضي اليمنية كما لو كانت منطقة المهرة أرضاً تابعة للمملكة، إلا في إطار اتفاق رسميّ بين الدولتين، لأن اليمن دولة ذات سيادة.


TRT عربي