تابعنا
رغم حالة العداء المعلن التي كانت تجهر بها وتتحرك وفقها عواصم الخليج الثلاث، الرياض وأبو ظبي والمنامة، تجاه تركيا، رحبت أنقرة بخطوات المصالحة الخليجية في سبيل تحقيق استقرار المنطقة وإنهاء الخلاف ورأب الصدع.

اعتبرت الخارجية التركية في بيان صادر لها عقب قمة العلا، أن "إظهار إرادة مشتركة في سبيل حل النزاع الخليجي والإعلان عن إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع قطر أمر يبعث على السرور".

وقد قامت تركيا في وقت سابق بتنسيق مشاريع التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع قطر، وإرسال قوات عسكرية إلى الدوحة بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك، لمساعدتها على تخطي آثار الحصار الذي فُرض عليها نتيجة الأزمة الخليجية سنة 2017، التي كان وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب حينها إلى الحكم سبباً في مزيد تأجيجها.

فتصاعدت بذلك موجة العداء الإماراتي السعودي مع تركيا، ولكن ملف الأزمة الخليجية لم يكن الملف الوحيد الذي تصادمت فيه المواقف السياسية والخارجية بين البُلدان الثلاثة.

فموقف تركيا الثابت من دعم شعوب المنطقة في التحرر والذي انطلق مع موجة الربيع العربي، تسبب في خلاف بينها وبين الرياض وأبو ظبي التي دعمت الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي سنة 2013.

ملفات الخلاف التركي-الخليجي

لم يكن للعداء السعودي-الإماراتي مع تركيا شعبية كبيرة بين دول الخليج، التي لم تكن ترى بدّاً من استعداء أنقرة، وتسعى لتوطيد سبل التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بينها.

وإن كانت السياسات الخارجية السعودية تتجه إلى الحذر في ظل ما تمر به من انتكاسات لمشاريعها في المنطقة وتورطها في قضايا لانتهاك حقوق الإنسان، من بينها تورطها في جريمة مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي على الأراضي التركية، فإن الإمارات لم تدّخر جهداً في استعداء تركيا، سواء في التحرك في بعض الملفات الإقليمية أو في التصريحات الإعلامية التي كانت تعمد فيها إلى تشويه صورة تركيا إعلامياً.

ففي ليبيا، دعمت أبو ظبي الجنرال الانقلابي خليفة حفتر في محاولاته لإجهاض فرص السلام واستهدافه للعاصمة الليبية طرابلسسعيا للاستيلاء عليها وارتكابه للعديد من الجرائم، في حين استمرت أنقرة في تقديم الدعم لليبيا ومد يد العون لحكومة الوفاق الشرعية المعترَف بها دولياً، والتصدي لداعمي حفتر ومن بينهم دولة الإمارات، إذ حذّر وزير الدفاع التركي خلوصي أقار في آخر زيارة له إلى ليبيا خليفة حفتر وداعميه من مغبة أي محاولة لاستهداف القوات التركية على الأراضي الليبية.

أما في ما يتعلق بالملف السوري، فقد نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريراً يكشف فيه محاولات محمد بن زايد دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى انتهاك وقف إطلاق النار مع المعارضة السورية في إدلب والمدعومة من تركيا. كما رفضت الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2015 التوقيع على بيان أصدرته سبع دول من بينها تركيا والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية تطالب فيه روسيا بوقف عملياتها العسكرية في سوريا. ومن دعم خفي إلى دعم معلن، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق معبرة عن دعمها للنظام السوري الذي تورط في استخدام القصف الجوي والأسلحة الكيميائية ضد المتظاهرين والمدنيين من أبناء شعبه، لتتخذ بذلك أبو ظبي سياسية مناهضة للسياسات التركية في ما يتعلق بالملف السوري. كما نشرت تقارير أخرى سعي الإمارات الحثيث لما سمي بمحاولة سحب البساط من تحت أقدام تركيا في سوريا، وذلك من خلال تقديم مجموعة من المقترحات لروسيا لإنعاش اقتصاد سوريا.

وقامت أبو ظبي بدعم ميليشيا PYD ذات الأهداف الانفصالية، في استعداء واضح لأنقرة، إذ جاء على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في لقاء له مع قناة الحرة الأمريكية: "لدينا تعاطف كبير مع الكرد في العراق وسوريا، وهم أبلوا بلاءً حسناً في هزيمة «داعش» وضحوا تضحيات كبيرة، ومن هذا المنطلق أعتقد يجب حماية الكرد".

وبنفس القدر استمر التصادم التركي الخليجي في ملفات إقليمية أخرى، لينفجر في صيف 2016 إبان محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، ولقد وُجهت حينها أصابع الاتهام إلى الإمارات بدعمه ومباركته.

إذ قال وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو أن "دولة مسلمة موّلت الانقلاب بثلاثة مليارات دولار"، وذلك بعد كشف تسريبات لإيميلات سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة.

ولم يتم ادخار الجهد في تغذية الخصومة والمناكفة المستمرة، إذ شنّت الإمارات والسعودية حملات مقاطعة للسياحة والبضائع التركية، استهدافاً للاقتصاد التركي ومحاولة لإضعافه، بالإضافة إلى الحملات الإعلامية المتواصلة بهدف النيل من صورة تركيا إقليمياً ودولياً.

التقارب التركي-الخليجي

خسر المحور السعودي-الإماراتي الكثير من الحلفاء، وفي ظل ما يعيشه من هزائم إقليمية فقد أصبحت العاصمتان الخليجيتان تتجهان نحو مزيد من الانحسار والانكفاء. وبعد قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة التي أسفرت عن المصالحة مع دولة قطر، بات السؤال عن مستقبل العلاقة بين الإمارات والسعودية مع تركيا مطروحاً وبشكل ملحّ.

وقد أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز،اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتباحث العلاقة الثنائية وسبل التعاون بين البلدين. وصدر في بيان للرئاسة التركية اتفاق الطرفين على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة.

وكان الملك سلمان قد قام في وقت سابق بإرسال مساعدات إنسانية إلى تركيا عقب الزلزال الذي ضرب إزمير خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وصرح مطلق القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، عن استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والسعودية.

وفي تغريدة له على حسابه على تويتر قالوزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو،بعد لقاء جمع بينه وبين نظيره السعودي فيصل بن فرحان على هامش اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي في النيجر: "نولي علاقتنا مع المملكة العربية السعودية أهمية. الشراكة القوية بين تركيا والسعودية ليست لصالح البلدين فحسب، بل للمنطقة بأكملها".

وفي خطوة لافتة، حاولت الإمارت أن تحذو حذو السعودية وباقي العواصم الخليجية في الوصول إلى اتفاق مع تركيا، إذ قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاشفي تصريحاتله لوسائل إعلام محلية وأجنبية، إن أبو ظبي "هي الشريك التجاري الأول لأنقرة في الشرق الأوسط"، و أضاف أن بلاده تسعى إلى علاقات طبيعية مع تركيا.

ويبدو بذلك أن أبو ظبي تراجعت خطوة إلى الوراء في خصومتها مع أنقرة، إلا أنه لم يصدر من الجانب التركي ردّ فعل رسمي حول هذه الرسائل باستثناء التصريح بالبحث في سبل التنسيق والتعاون المشترك مع دول الخليج العربي في ملفات عدة.

المصالح الخليجية مع تركيا

إن كان على دول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل بشكل مشترك لمواجهة التحديات الاقتصادية والتحديات الدولية، فإن مد جسور التعاون والتنسيق بينها وبين تركيا سيعود حسب رأي العديد من الخبراء والمراقبين بالنفع على جميع الأطراف.

وفي هذا الإطار دعا الدكتور خالد الجابر، مدير مركز مينا للأبحاث في واشنطن في حوار سابق معTRT عربي، دول الخليج شعوباً وحكاماً، إلى إجراء نوع من الموازنة ما بين تركيا والقوى الأخرى، سواء كانت إقليمية مثل إيران أو خارجية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، معبراً عن اعتقاده أن دخول تركيا في المعادلة "سيحقّق نوعاً من التوازن، وولو كان هناك اختلاف في بعض الأجندات مع السياسة الخارجية التركية".

وكانت تركيا قد نددت بالاعتداء الأخير لجماعة الحوثي على الرياض، وأمام هذا التهديد المستمر الذي تعيشه السعودية توجهت إلى التعاون العسكري مع تركيا عبر توقيع عقود لشراء الأسلحة التركية المتطورة، ومن بينها طائرات بيرقدار لحسم الصراع مع جماعة الحوثي، علاوة على التعاون الأمني والعسكري، فإن دول الخليج ومن بينها السعودية والإمارات تتطلع إلى زيادة استثمارها في السوق التركية، وهو ما سيعود بالنفع على جميع الأطراف.

تمكنت تركيا وعواصم الخليج من إعادة ضبط العلاقات بينها وتخفيف التوتر الذي استمر لسنوات، وساهمت المصالحة الخليجية في توحيد رؤى البلدان الخليجية نحو تركيا كحليف اقتصادي وعسكري مهمّ في المنطقة.

فهل سيكون لهذا التقارب الحذر بينها مستقبلاً ما يؤثر في سياساتها في التعاطي مع ملفات المنطقة؟

TRT عربي