تابعنا
استيقظ السودان قبل يومين على وقع اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ختام حرب تصريحات بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع.

استيقظ السودان قبل يومين على وقع اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ختام حرب تصريحات بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع.

وتركزت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم، وفي مناطق عدة شمال وغرب البلاد، حيث يعلن كل من الطرفين أفضليته العسكرية وسيطرته على عديد من النقاط والمؤسسات الحساسة.

دمج الدعم السريع في الجيش.. عنوان الأزمة

تحولت عملية دمج قوات الدعم السريع في بنية الجيش السوداني إلى نقطة خلاف مركزية شغلت الساحة السياسية والعسكرية السودانية خلال الفترة الماضية. تضاف إلى العديد من الخلافات الأخرى على رأسها المشروع السياسي لكل من البرهان وحميدتي. بنهاية المطاف، لقد خشي الجيش السوداني أن تتشكل قوات موازية تعمل على زعزعة سيطرة الجيش على أمن البلاد.

"الدمج هو أساس المشكلة" يقول الدكتور عماد الدين بحر الدين في تصريحه لـTRT عربي، موضحاً أن "الاتفاق الإطاري نص على دمج قوات الدعم السريع في مدة تصل إلى 10 سنوات، أما قائد الجيش عبد الفتاح البرهان فقال إن الاتفاق الإطاري فيه بند يهمنا وهو بند دمج الدعم السريع، ورؤية الجيش أن يجري الدمج خلال سنتين".

ويضيف بحر الدين الباحث السوداني في الشؤون الأمنية والاستراتيجية أن فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان اقترح أن يحدث الدمج خلال 5 سنوات، وهو ما لم يلقَ قبولاً من البرهان أو حميدتي.

وكان الاتفاق الإطاري قد جرى توقيعه من المكون العسكري وقوى مدنية بارزة في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، باعتباره يوفر إطاراً لحل الأزمة السياسية في البلاد، ونص على بنود أساسية منها تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة، والنأي بالجيش عن السياسة وممارسة الأنشطة الاقتصادية، وإقرار خطة إصلاح أمني تضم دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش وفقاً لترتيبات تقود إلى جيش مهني وقومي واحد.

لكن الاتفاق الإطاري نفسه ما لبث أن تحول إلى مادة تنازع داخل السياحة السياسية السودانية بين معارضيه ومؤيديه، ما أدى إلى تأجيل توقيع الاتفاق النهائي الذي كان مقرراً في السادس من هذا الشهر.

بين الجيش والدعم السريع.. رؤى متضاربة حول الإصلاح

ظهر التباعد بين الجيش والدعم السريع ضمن ورشة إصلاح أمني وعسكري شهدتها الخرطوم مؤخراً، وفقاً للدكتور بحر الدين الذي مضى قائلاً: "قدم الدعم السريع رؤاه للإصلاح الأمني والعسكري في السودان، ومعتبراً أن الجيش السوداني ليس جيشاً قومياً كما أنه يفتقد إلى المهنية، وواصفاً إياه بأنه جيش مكون من مليشيا معينة تنتمي إلى قبائل معينة، مقترحاً أنه يجب أن تعاد أسس التعيين في الكلية الحربية وأن لا تكون بالتزكية".

أما الجيش من جانبه، يقول بحر الدين، فتقدم أيضاً برؤياه الخاصة "والتي تضمنت تسريح أي ضابط انضم إلى الدعم السريع بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأن يدمج الدعم السريع في المؤسسة العسكرية".

في السياق يؤكد الباحث السوداني بالشؤون الإفريقية عباس محمد صالح أن مسألة الإصلاح الأمني ودمج قوات الدعم السريع قضية مطروحة بقوة في الساحة السياسية وفي قلب الصراع السياسي.

موضحاً في تصريح خاص لـTRT عربي أن "التسوية السياسية الأخيرة ممثلة بالاتفاق الإطاري قد وسعت من الشقة بين المكون العسكري والقوى المدنية، وأطلقت صراعاً محموماً على السلطة بين هذه الأطراف".

ويمضي محمد صالح بالقول أنه بينما "يتمسك الجيش السوداني بدمج كل القوات والمليشيات في مؤسسة القوات المسلحة، وتحديداً دمج قوات الدعم السريع في غضون عامين، يحاول قائد الدعم السريع تجنب ذلك من خلال التحالف مع مجموعات مدنية طارحة أن تكون عملية الدمج عشر سنوات".

ويضيف محمد صالح أن قضية التبعية تمثل أحد الملفات الخلافية بين الطرفين "حيث تطرح القوات المسلحة خضوع كل المجموعات المسلحة لقيادة الأركان المشتركة، في المقابل تتمسك قوات الدعم السريع بتبعيتها لرئيس الوزراء المدني، ما يعني استمرارها ككيان عسكري وسياسي مستقل عن القائد العام للقوات المسلحة".

وفي 30 مارس/آذار الماضي اختتمت "ورشة الإصلاح الأمني والعسكري" في السودان التي استمرت 4 أيام دون التوصل إلى توصيات نهائية، حيث غاب كل من البرهان وحميدتي عن حضور الجلسة الختامية للورشة، وهو ما دلّ على توسع الخلاف بين الطرفين حول مخرجاتها.

كيف وصلنا إلى هنا؟

تُرجم الخلاف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى حالة من التوتر المتصاعد شهدتها البلاد في الأيام الماضية، حيث كانت شرارة الصدام وفقاً للدكتور بحر الدين "وصول قوات الدعم السريع إلى قاعدة مروي العسكرية، وتصميمها على إخراج القوات المصرية من هناك".

ويضيف بحر الدين أن السبب وراء هذا هو شعور قيادة الدعم السريع أن هذه القوات تدعم الجيش السوداني، ولذا فقد كان من الضروري في اعتقاد حميدتي طرد قواته المصريين من قاعدة مروي، وأن تفرض سيطرتها عليها.

وتضم مدينة مروي مطارين عسكرياً ومدنياً وقاعدة جوية، ووفقاً للواء السوداني المتقاعد أمين مجذوب فإن مطار مروي يغطي العمليات الجوية في شمال السودان وشرقه وغربه، ويعتبر قاعدة جوية مساندة بديلة للقواعد العسكرية الأخرى في السودان وللمطار العسكري الأول في الخرطوم، ويستقبل مطارها الكبير الطائرات العسكرية المقاتلة وطائرات النقل الجوي.

واستضافت قاعدة مروي الجوية تدريبات عسكرية ومناورات جوية مشتركة تحت اسم "نسور النيل 2" شاركت فيها القوات السودانية والمصرية في مارس/آذار 2021، وبعد تسريب قوات الدعم السريع لفيديو يظهر احتجاز جنود مصريين كانوا في القاعدة قال متحدث عسكري مصري إن وجود تلك القوات كان بغرض "إجراء تدريبات مشتركة مع نظرائهم في السودان".

ورغم تأكيد عباس محمد صالح أهمية انتشار قوات الدعم السريع حول قاعدة مروي العسكرية في انفجار الأوضاع في السودان، فإنه يعتقد وجود عوامل أخرى هامة منها "اصطفاف مجموعات مدنية وتحالفها مع قائد قوات الدعم السريع ضد مؤسسة القوات المسلحة وقائدها".

مضيفاً في تصريحه لـTRT عربي أنه لا يمكن التغاضي أيضاً عن "الطموحات السياسية لقائد الدعم السريع في المحافظة على مكاسبه ومصالحه الشخصية من خلال الاحتفاظ بقواته كأداة لخدمة مشروعه السياسي".

وخلال الأيام الماضية نشر الدعم السريع قوات ضخمة في محيط مطار مروي، وهو ما عارضه الجيش معتبراً أن الخطوة جرى اتخاذها دون إخطار أو تنسيق مسبق، مطالباً هذه القوات بالانسحاب خلال 24 ساعة قبل أن يجري إجبارها على ذلك، في حين أعلن الدعم السريع أن قواته تعمل بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة وأن وجودها في مروي يندرج ضمن أدائها مهامها وواجباتها.

TRT عربي