ولي عهد دولة الإمارات محمد بن زايد (AFP)
تابعنا

أصبح راسخاً لدى الجماهير العربية المتطلعة إلى الحرية والديمقراطية أن رأس الحربة في محور الثورات المضادة دولة الإمارات العربية، ويرى الكثير من المحللين السياسيين أن المحاولات الإماراتية المضنية لوأد الديمقراطية في المنطقة في أعقاب الربيع العربي كانت خوفاً منها أن يصبح أي من هذه الدول نموذجاً للديمقراطية يمكن أن تحتذيه الشعوب ولا سيما الشعب الإماراتي في المستقبل.

وعلى الرغم من وجاهة هذا الطرح فإنه يهمل الدوافع الاقتصادية لهذا التوجه الإماراتي الذي ظهر مبكراً قبل ثورات الربيع العربي في دعم حركة الشباب الإرهابية في الصومال.

فطموح الدولة الصغيرة تزايد بصورة كبيرة بعد نجاحها في بناء نموذج اقتصادي ريعي خدمي، اعتمد في الأساس على العائدات النفطية التيتساهم بنسبة 30% من الناتج المحلي، ومن بعدها عوائد قطاع العقارات والتشييد الذي يساهم بنحو 14%، وقطاع السياحة الذي يساهم بنحو 10.9%، بالإضافة إلى قطاع خدمات النقل الجوي والبحري اللذين يساهمان بنسبة 15%، 5% من الناتج المحلي على الترتيب.

ولكن بعد الأزمة المالية التي واجهت إمارة دبي في منتصف 2010، وبعدها أزمة انخفاض أسعار النفط 2014، ومع تهافت النموذج الخدمي التابع لحركة النشاط الاقتصادي العالمي المعرض دائماً للتقلبات، فمن الواضح أن القيادة الإماراتية اكتشفت حجمها الطبيعي سواء على مستوى الجغرافيا أو السكان أو حتى الاحتياطيات المالية.

وقبل انتشار فيروس كورونا، عانى الاقتصاد الإماراتي انحساراً شديداً في النمو بفعل تراكم أزماته، في وقت تتورط فيه الدولة بميزانيات ضخمة لحروبها وتدخلاتها العسكرية الخارجية، ما أدي إلى اختناق الاقتصاد وسط تدهور قياسي وهو ما انعكس في تدنٍّ قياسي لثقة الشركات بالدولة.

وحقق اقتصاد الإمارات نمواً لم يتجاوز 2.9% في 2019، وفق البنك المركزي الإماراتي الذي كان أعلن توقعات نمو تتجاوز 3.5% للعام نفسه. وسجل القطاع غير النفطي نمواً محدوداً لم يتجاوز 1.1% في وقت أفاد البنك المركزي فيه بأن أسعار العقارات في دبي انخفضت 7% بالربع الأخير من العام.

ووفقاً لتقرير صادر عن "آي.أتش.إس ماركيت" الأمريكية، فإنه قبل تفشي كورونا توجد مخاطر محدقة بعالم الأعمال في الإمارات، كما يشير إلى أن الطلب أصبح ضعيفاً للغاية في مختلف القطاعات، لدرجة أنه حتى تخفيض الأسعار في المبيعات لم يعد كافياً لإغراء المشترين.

وزاد انتشار فيروس كورونا تعقُّد أوضاع الاقتصاد الإماراتي سوءاً، إذ تتعرض حالياً القطاعات الاقتصادية في الإمارات لضربة مزدوجة بسبب الفيروس، وتهاوي عائدات النفط مع انهيار أسعاره عالمياً إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل، بينما تحتاج الإمارات إلى 65 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في موازنتها العامة، وفق تقرير صادر عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري.

هذه الضربة دفعت الإمارات إلى الاقتراض الخارجي، فاقترضت إمارة أبو ظبي 7 مليارات دولار من السوق الدولية في الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان الماضي، كما مددت أبو ظبي للمرة الثانية أجل قرض بـ10 مليارات دولار لدبي خلال أزمة الائتمان العالمية التي شهدت انهيار سوق العقارات بالإمارة.

ولا تزال إمارة دبي تعاني ديوناً مرتفعة منذ الأزمة التي عرفتها عام 2009، عندما كانت على عتبة الإفلاس، وتشير تقديرات كابيتال إيكونوميكس إلى أن عبء ديون دبي يبلغ نحو 135 مليار دولار (125% من الناتج الإجمالي) تحل مواعيد استحقاق نصفها تقريباً قبل نهاية 2024.

وتعتقد مؤسسة "موديز إنفستورز سيرفس" للتصنيف الائتماني أن اعتماد دبي على العقارات والنقل والسياحة يجعلها المكان الأكثر تضرراً من تأثير تفشي فيروس كورونا، فمن المحتمل أن يعصف فيروس كورونا بقطاع السياحة الذي يشكل 11% من الناتج المحلي للإمارة، التي كانت تعد وفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة ثالث أكثر مدن العالم جذباً للإنفاق السياحي بواقع 28 مليار دولار في 2019، بزيارة أكثر من 16 مليون سائح زاروا المدينة العام الماضي.

ووفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، فإن قطاع الطيران الإماراتي قد يخسر 13.6 مليون راكب وإيرادات أساسية بقيمة 2.8 مليار دولار، وتوجد 163 ألف وظيفة بقطاع الطيران مهددة بسبب كورونا، وكانت طيران الإمارات المملوكة لحكومة الإمارة التي حققت أرباحاً بلغت 862 مليون درهم (234.70 دولار) في النصف الأول من 2019، قد علقت رحلات الركاب ثم قررت الدولة بعد ذلك تعليقها لكل الرحلات باستثناء رحلات الإجلاء.

كما تسببت الصدمات الاقتصادية التي تعرض لها الاقتصاد الإماراتي على خلفية انتشار فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط وتدني أسعار الفائدة في انخفاض أرباح بنوك إماراتية خلال الربع الأول من العام 2020، بأكثر من المتوقع. إذ انخفضت أرباح بنك دبي الإسلامي في الربع الأول من العام بحوالي 18% مع تجنيبه مخصصات انخفاض قيمة قدرها 1.48 مليار درهم (403 ملايين دولار) الآثار السلبية.

ومن الجدير بالذكر أن بنك دبي الإسلامي ليس أول بنوك الإمارات تجنيباً للمخصصات تحسُّباً لتداعيات الوباء على سوق الائتمان، إذ سبقه إلى ذلك بنك الإمارات دبي الوطني.

توضح الأمثلة السابقة أن ما يعانيه الاقتصاد الإماراتي قبل كورونا وبعده هو الدافع الأكبر الذي من خلاله يمكن تفسير مساندة الإمارات لمحور الثورات المضادة، فالتحوُّل الجوهري في السياسات الإماراتية كان بحثاً عن تأمين مصدر اقتصادي دائم، بعيداً عن تقلبات أسعار النفط والظروف الاقتصادية الدولية، فكانت استراتيجيتها الباحثة عن موقع إستراتيجي، أو احتياطيات طبيعية، أو قوي عسكرية للإيجار، وكل ذلك لمساندة الاقتصاد المتداعي.

ووفقاً لهذه الفرضية يمكن قراءة الوجود الإماراتي في الصومال وسقطرى اليمنية بحثاً عن الموقع الاستراتيجي للموانئ المحتمل أن تنافس مواني دبي، وكذلك تفسر محاولة غزو قطر الفاشلة للاستيلاء على الثروات القطرية، وتفسر كذلك مساندة المجلس العسكري الحاكم في السودان الذي سيوفر الجنود لمساندة حفتر في ليبيا، وهي المساندة التي توفر الثروة الزراعية السودانية علاوة على احتياطي النفط الليبي الذي كان الخطة البديلة لغزو قطر.

فشلت المساعي الإماراتية الرامية إلى التمدد على جثث الشعوب الطامحة للحرية، وإذا استمرت الاستراتيجية الإماراتية في محاربة إرادة الشعوب، فإن الاقتصاد الإماراتي المتصدع سيكون أكثر عرضة للانهيار في ظل التداعيات التي فرضها انتشار فيروس كورونا، وفي ظل بروز الدور التركي المساند لحقوق الشعوب المتطلعة إلى الديمقراطية في المنطقة.

TRT عربي