تابعنا
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الفرنسية والنيجر، في الآونة الأخير، توتراً ملحوظاً حتى أصبح شبح الصدام العسكري يَلوح في الأفق، وسط مخاوف دولية من تفاقم الوضع وتدهوره بسبب تكلفة مآلاته وتداعياته الباهظة المتوقعة على جميع الأطراف.

يرى مراقبون أن أزمة السفارة بين باريس ونيامي وصلت إلى "نقطة اللا عودة"، فالمدة الزمنية التي أمهلها المجلس العسكري للسفير الفرنسي، سيلفان إيتي، لمغادرة الأراضي النيجرية انقضت منذ أيام كثيرة، غير أن السفير تمسك بالبقاء رغم انتهاء المهلة الممنوحة، ما زاد الوضع الراهن تعقيداً، لا سيما بعد إصدار وزارة الخارجية التابعة للمجلس العسكري تعليمات للشرطة النيجرية بطرد وترحيل السفير الفرنسي وعائلته من البلاد، إلى جانب رفع الحصانة الدبلوماسية عنه.

تشهد العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الفرنسية والنيجر، في الآونة الأخير، توتراً ملحوظاً حتى أصبح شبح الصدام العسكري يَلوح في الأفق، وسط مخاوف دولية من تفاقم الوضع وتدهوره بسبب تكلفة مآلاته وتداعياته الباهظة المتوقعة على جميع الأطراف.

طرد السفير: أزمة نحو التصعيد

قبل عدة أيام، وتحديداً في 25 من أغسطس/آب، أصدر المجلس العسكري الحاكم في النيجر أمراً لسفير الجمهورية الفرنسية لنيامي، السفير سيلفان إيتي، بمغادرة الأراضي النيجرية خلال مدة زمنية أقصاها 48 ساعة. وقد انقضى أجلها بتاريخ 28 من الشهر ذاته، لكنّ باريس رفضت رفضاً تاماً الامتثال له لعدم اعترافها بالانقلاب واعتباره "غير شرعي".

من جانبه، شدد الرئيس الفرنسي ماكرون خلال خطاب عن السياسة الخارجية ألقاه أمام سفراء فرنسا المجتمعين في باريس، على مواصلة السفير مهامه الدبلوماسية في النيجر، قائلاً: "سفيرنا في نيامي باقٍ رغم ضغوط قادة الانقلاب"، مؤكداً أن فرنسا ستواصل نهج "سياستها الحازمة" تجاه قادة الانقلاب.

من جانبهم، يصر قادة الانقلاب في النيجر على تنفيذ قراراتهم المتعلقة بطرد السفير. وفي خطوة تصعيدية أمرت السلطات في نيامي أجهزة الشرطة المحلية بتنفيذ تعليمات قرار طرد السفير الفرنسي وعائلته من الأراضي النيجرية، إضافةً إلى سحب الحصانة الدبلوماسية منه، وأيضاً بطاقاته المهنية وتأشيرات أفراد أسرته.

وتعليقاً على أزمة طرد السفير، قال محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، في تصريحاته لـTRT عربي: "في تقديري الشخصي، أسباب أزمة السفارة الحالية بالنيجر مرتبطة أساساً بتأويل مختلف ومتعارض للمادة التاسعة من ‏اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، التي تؤطر مسألة تبادل السفراء وحدود عملهم وحصانتهم”. وأوضح الأكاديمي والمحلل السياسي بودن فكرته قائلاً: "المجلس العسكري في النيجر يرى أنه يتمتع بالصلاحيات اللازمة، والحزام الشعبي، ‏ومخول للقيام بخطوات إعلان السفير الفرنسي بنيامي شخصاً غير مرغوب فيه. أما من الجانب الفرنسي، ‏فالأمر يتعلق بخطوات غير مسنودة بالشرعية الدستورية والقانونية".

وخلص المحلل السياسي بودن إلى أن "الأزمة تتعلق بتصادم ‏موقفين متعارضين يمكن أن يؤدي لتدهور العلاقات بين البلدين وعودتها إلى نقطة الصفر، خصوصاً أنه في ظل عدم بحث باريس عن مخارج للعلاقة الراهنة مع نيامي سيؤدي لفقدان فرنسا أبرز نقاط ارتكازها في القارة الإفريقية، بحكم أن النيجر تتمتع بأهمية استراتيجية في المنظور الفرنسي ‏وكقاعدة للقوات الفرنسية في الساحل والصحراء، بعد التحولات الحاصلة في مالي وبوركينافاسو التي ‏لم تصب في مصلحة باريس".

وبدوره، أكد محمد تورشين‏، الأكاديمي والباحث المختص في الشؤون الإفريقية، أن "أزمة العلاقات بين النيجر وفرنسا وصلت إلى مرحلة اللا عودة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، مهما طال الزمن أو قصر، أن تعود كما كانت في السابق".

وأكد تورشين أن "مغادرة السفير الفرنسي أراضي النيجر صعب أن يحدث في الوقت الحالي، رغم كل الضغوط الممارَسة، وذلك يعود لأن فرنسا متمسكة بقوة برأيها". مستطرداً: "لكن يمكن في أي لحظة من اللحظات أن تلجأ السلطات النيجرية الحاكمة إلى خيار استعمال القوة لطرد المبعوث الدبلوماسي وبقية أفراد القوات العسكرية الفرنسية، خصوصاً إذا أحسّت نيامي بخطر محدق حقيقي من وجود فرنسا على أراضيها".

مآلات أزمة السفارة: تسوية سياسية أم حرب علنية؟

يرى مراقبون أن الأحداث السياسية بين باريس ونيامي بدأت في اتخاذ منحى جديد وغير متوقع، بعد الإعلان عن قرار طرد المبعوث الدبلوماسي الفرنسي، سيلفان إيتي، المحتجز في السفارة دون حصانة، من الأراضي النيجرية. هذا القرار، في نظرهم، صاحبته مخاوف إقليمية ودولية كثيرة، منها التخوف من أن تتحول الأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين إلى صراع عسكري ميداني.

فحسبما يرون يزداد الوضع الراهن تعقيداً شيئاً فشيئاً، لا سيما بعدما أرسلت باريس مجموعة من التهديدات والتحذيرات لنيامي، جاءت على لسان المتحدث باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية الكولونيل بيير غوديير، الذي أكد أن "القوات العسكرية الفرنسية مستعدة للرد على أي تصعيد للتوتر من شأنه أن يقوّض الوجود العسكري والدبلوماسي الفرنسي في النيجر"، وأنه "جرى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذا الوجود".

وفي هذا الصدد، يتوقع الكاتب والمتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد آدم إسحق آندي، أن "تسحب فرنسا سفيرها لدى النيجر قريباً، لكن لفترة محددة فقط، خوفاً من تفاقم الأوضاع الحالية أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، خصوصاً بعد رفع الحصانة الدبلوماسية عن السفير"، ويتابع: "فرنسا حالياً مدركة جداً أنها تخسر مستعمراتها القديمة تباعاً، لأن هناك امتعاضاً شعبياً كبيراً داخل الدول المستعمَرة منها، وتحديداً دول الساحل، خصوصاً أنها لم تتعامل أبداً معها بواقعية، بل تعاملت بفوقية بُنيت أساساً على استغلال خيرات البلاد ونهب الموارد".

أما الصحافي والباحث في الشأن الإفريقي، محفوظ ولد السالك، فيرجّح أن تكون "هذه الأزمة سبباً مباشراً لتدخل عسكري فرنسي، في حالة أُخرج السفير عنوة، لأن باريس ستعد ذلك اعتداءً على دبلوماسييها، ما يمكن أن يدفعها إلى التدخل باستعمال القوة".

وأضاف الكاتب الصحفي ولد السالك: "مغادرة السفير الفرنسي الأراضي النيجرية سيشكّل لا محالة انتصاراً على فرنسا، وقد يُثني (إيكواس) عن التهديد العسكري من أجل إعادة بازوم للسلطة". لكن في حالة حدوث العكس، ستؤكد فرنسا بشكل قوي عدم اعترافها بالانقلابيين وبشرعيتهم"، وفق تعبيره.

وأضاف: "أعتقد أن الضغط على النيجر قد يتراجع كثيراً بعد انقلاب الغابون العسكري، ويمكن أن يؤول الوضع إلى تفاهم أساسه الاعتراف بالانقلاب كأمر واقع من الجميع"، وخلص ولد السالك إلى أن "هذا الانقلاب، ومن قبله انقلابات مالي وبوركينا فاسو، تعد انقلابات على سياسة فرنسا وحضورها في المنطقة".

كما يذهب المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الإفريقية، محمد تورشين، إلى استبعاد خيار اللجوء إلى الحل العسكري قائلاً: "من الصعب أن تتدخل فرنسا عسكرياً، بأي حال من الأحوال، مهما كانت طرق الاستفزاز، ومهما كانت آليات الضغط من الجانب النيجري، لأن أي محاولة تدخل عسكري من فرنسا، أو حتى أي دعم مباشر أو غير مباشر لـ(إيكواس)، سيجعل السخط الشعبي على فرنسا أكبر وأكبر، ففرنسا حالياً تدرك هذا التحدي الخطير، لذا فالمسألة مستبعَدة حالياً".

TRT عربي
الأكثر تداولاً