تابعنا
صوّت مجلس النواب العراقي في 12 يونيو/حزيران الجاري، على الموازنة المالية للسنوات الثلاث (2023- 2024- 2025)، وسط قلق خبراء اقتصاديين من إشكاليات مستقبلية؛ بسبب اضطراب أسعار النفط الذي يُمثل النسبة الأكبر من صادرات العراق.

خرج العراق من أزمة سياسية خانقة بعد 6 شهور من المفاوضات بين الكتل السياسية وتصاعد الصراعات حول إقرار الموازنة الثلاثية، التي تُعدّ الأضخم في تاريخ العراق الحديث بعد تغيير النظام عام 2003.

وصوّت مجلس النواب العراقي في 12 يونيو/حزيران الجاري، على الموازنة المالية للسنوات الثلاث (2023- 2024- 2025)، وسط قلق خبراء اقتصاديين من إشكاليات مستقبلية؛ بسبب اضطراب أسعار النفط الذي يُمثل النسبة الأكبر من صادرات العراق.

الموازنة الأضخم

وضمّت الموازنة الثلاثية التي أقرّها مجلس النواب العراقي 66 مادة، والتي ستُرسل إلى رئاسة الجمهورية للاطلاع والتصديق النهائية عليها، ومن ثمّ تُنشر على القنوات الرسمية ومؤسساتها الإخبارية والبحثية، فتُرسل لترويجها الختامي في جريدة الوقائع الحكومية التابعة لوزارة العدل.

وفي هذا الصدد يقول مستشار رئاسة الحكومة العراقية للشؤون المالية مظهر محمد صالح، إنّ العراق شهد "قفزة نوعية" على مستوى القرارات الحكومية لأول مرة في تاريخه بعد 20 عاماً من التغيير السياسي، إذ أقرّ البرلمان الموازنة الثلاثية التي بلغت 198.9 تريليون دينار عراقي (153 مليار دولار) لكلّ عامٍ، مع خطة حكومية لتنفيذ سلسلة من المشاريع التنموية والاقتصادية التي ستنهض بالواقع الخدمي والتجاري في السنوات القادمة.

ويؤكد لـTRT عربي، "عدم وجود مخاوف حول إقرار مشروع الموازنة الثلاثية؛ لأنّ الحكومة ستستثمر الأموال في مشاريع مستدامة ذات رؤية استراتيجية رصينة ومدروسة، وستنفتح المؤسسات العراقية نحو الاستثمارات الأجنبية، ويتوسّع التعاون مع دول الخليج وبقية البلدان العربية".

ويلفت صالح إلى أنّ الحكومة العراقية تعمل على رفع الصادرات النفطية إلى أكثر من 3 ونصف مليون برميل يومياً، وستُخصّص الأرباح للقطاعات الخدمية ومشاريع البُنى التحتية وبرامج الإسكان ودعم القطاع الخاص، وإعادة فتح المصانع المحلية وتطويرها، وحلّ مشاكل الزراعة في البلاد.

"خطوة جريئة"

وبعد إقرار الموازنة الثلاثية، انقسم المراقبون بين مؤيدٍ للخطوة ورافضٍ لها؛ وذلك لمخاوف تتعلق بعدم استقرار أسعار النفط، وتصاعد مصاريف التسليح العسكري ورواتب الموظفين، إذ كانت الحكومات السابقة تعدّ الموازنة المالية لعامٍ واحد، ثمّ تُصدّق من رئاسة الجمهورية، لكنّ حكومة محمد شياع السوداني هذه المرة تخطو خطوة استباقية محفوفة بالمخاطر، وبالوقت نفسه طموحة لرسم خطط تنموية بعيدة المدى.

ويصف المحلل الاقتصادي نافع عبد الرحيم، إقرار الموازنة الثلاثية بـ"الخطوة الجريئة" غير المسبوقة على المشهد الاقتصادي العراقي، إذ قدّر البرلمان قيمة العجز السنوي بنحو 64.36 تريليون دينار عراقي (48 مليار دولار)، وهو العجز الاقتصادي الأكبر في العراق خلال 10 سنوات السابقة.

ويلفت في حديثه لـTRT عربي، إلى أنّ "الإشكالية الأكبر في اعتماد العراق على التصدير الوحيد للنفط الذي يُشكل نحو 97% من وارداته المالية -والذي قدّرهُ البنك المركزي العراقي بـ70 دولاراً للبرميل الواحد- متناسياً تغييرات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في تحديد الأسعار استناداً إلى التحولات العالمية في الأسواق الدولية".

ويعتقد عبد الرحيم أنّ ذلك قد يضع الحكومة العراقية في "مأزق كبير" في حال انخفض سعر برميل النفط إلى 50 دولاراً، والذي سيؤدي بدوره إلى تراكمات خطيرة من الديون الخارجية على العراق، فضلاً عن احتمالية حدوث تضخّم في أسعار المواد داخل البلاد.

بدوره يحذّر وزير الخارجية والمالية الأسبق هوشيار زيباري، من أنّ "الموازنة الثلاثية تعكس سياسية مالية غير مستقرة للبلاد، وتحقق مصالح الكتل السياسية التي أخفقت بإدارة الدولة في الحقب الماضية، وستكون سبباً مباشراً بتفاقم الفساد وهدر المال العام".

وفي حديثه لـTRT عربي، أعرب زيباري عن قلقه، قائلاً: "سيسهم إقرار الموازنة باشتداد الخلافات بين أربيل وبغداد، وسيُهدم كل خطوات التفاوض بينهما، وسيُدق ناقوس الخطر لمستقبل كارثي للاقتصاد الوطني"، لافتاً إلى أنّ ذلك قد يؤدي إلى تضخّم خطير في صرف العملة، وسيطرة الأجندات الخارجية على موارد البلاد؛ نتيجةً لتراكم محتمل للديون وارتفاع معدل العجز الاقتصادي.

أربيل تعترض

وبعد صمتٍ طويل، دخل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني إلى خط التصريحات، وفاجأ الأوساط السياسية بخطابه الذي سمّاه "المحاولة المتهوّرة" لتقويض تنمية محافظات إقليم شمال العراق، واصفاً ما حدث من تصويتٍ على قرارات الموازنة بـ"الالتفاف حول التفاوضات".

وأكد البارزاني أنّ "الأحزاب السياسية في الحكومة الاتحادية قد أزالت القناع وكشفت عن الوجه الحقيقي للأطراف الشوفينية، وعدم احترامها للعهود والدستور"، حسب تعبيره.

وحول ذلك، تواصل مراسل TRT عربي مع نائب رئيس مجلس النواب العراقي شاخوان عبد الله، وقال إنّ "الوفود السياسية التي قدمت لأربيل للاتفاق على المادة 14 المختصة بحصة إقليم كردستان العراق من الموازنة، اتفقت مع رئاسة الإقليم من أجل إيجاد طريقة تُنصف حكومتي بغداد وأربيل، وتسعى إلى سدّ الخلافات ورفع مستوى الانفتاح والتعاون بين الجانبين في سبيل تطوير عجلة التنمية الاقتصادية، لكنّ الحكومة الاتحادية لم تلتزم بالعهود".

في هذا السياق، تشير المادة 14 من مشروع الموازنة الاتحادية، إلى أنه في حال حدث خرق للاتفاق، أو تعرضت مصالح إقليم شمال العراق لأي مشاكل، يلجأ الطرفان إلى تشكيل لجنة تنسيقية تُحقق بملف الاتفاق بطريقة عادلة، وترفع الشكاوى لمجلس الوزراء، والأخير يتفاوض مع الجانب الكردي لحماية مصالحه، وبالشكل الذي لا يضرُّ مصالح حكومة بغداد بالوقت ذاته.

ويستدرك عبدالله -النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني- بالقول: "رغم ذلك باغت أعضاء مجلس النواب في بغداد كل ممثلي إقليم كردستان، وصوّتوا على القانون من دون الرجوع إلى رئاسة الإقليم، وهذا مخالف للسياقات الدبلوماسية والدستورية".

ويشير إلى أنّ البرلمان العراقي أقرّ أنّ حصة الإقليم من الموازنة تبلغ 12.67%، مع التزام أربيل بيع 400 ألف برميل عبر شركة تسويق المنتجات النفطية العراقية (سومو)، وهذا "مخالف للاتفاق بين الطرفين"، فقد خُفّضت نسبة موازنة الإقليم مع إجباره على بيع النفط وفتح حساب مصرفي عبر وزارة المالية، وإيداع الواردات في البنك المركزي الاتحادي ببغداد.

ويرى النائب الكردي أنّ هذه الموازنة "لا تتناسب مع استراتيجية حكومة إقليم كردستان العراق واستحقاقها المالي ومشاريعها الاقتصادية، ويعدّ ذلك "التفافاً حول الاتفاق الثنائي، وسيفتح باباً لخلافات كبيرة بين الجانبين".

مرحلة قلقة

وحذّرت تقارير دولية من العجز الاقتصادي الكبير في موازنة الدولة العراقية، والذي من المتوقع أن يبلغ 48 مليار دولار سنوياً، وهو ما أشّره صندوق النقد الدولي بتعليقه على الموازنة الثلاثية، وتخوّفه من زيادة مصاريف مشاريع القطاع العام الخدمية والتشغيلية ورواتب الموظفين الضخمة، التي ستُجبر الحكومة الاتحادية على اتخاذ قرارات معقّدة بخصوص احتمالية اضطرار العراق لرفع إنتاج النفط وزيادة الأسعار لسد العجز الاقتصادي.

وتعليقاً على مخاوف صندوق النقد الدولي، يقول الباحث الدولي في المعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي حميد المرسومي، إنّ المشاريع الاستثمارية المتلكئة طوال السنوات السابقة والفساد المستشري بسبب المحاصصة الحزبية، أدت إلى طرد الاستثمار الأجنبي، وتورط العراق بديون تراكمية كبيرة، مشيراً إلى أنّ "تلك التجارب الماضية ستُضعف من قدرة الحكومة على إدارة المال وتنفيذ البرامج الاقتصادية".

ويرى في حديثه لـTRT عربي أنّ "إقرار الموازنة الثلاثية تمَّ وفق قياسات الأحزاب السياسية ومصالحها التقاسمية في العراق، ولم يكُن استجابةً إلى مشاكل الشعب".

وكان هدر أكثر من 800 مليار دولار طوال 20 عاماً الماضية سبباً في انهيار البُنى التحتية والنظام المصرفي، ما أدى إلى تصاعد قيمة العجز المالي، وانتشار الفساد في البلاد، حسب المرسومي.

TRT عربي