تابعنا
يَجمع العراق وتركيا ملفات وموضوعات إستراتيجية مشتركة منها المياه والنفط والغاز والتجارة والأمن وطريق التنمية الذي يجري العمل عليه لربط تركيا بالخليج العربي عبر الأراضي العراقية.

ينتظر قطاع النفط والغاز في إقليم شمال العراق تطوراً ملحوظاً وتعاوناً إستراتيجياً جديداً وطويل الأمد بين العراق وتركيا.

وبحث سفير أنقرة لدى بغداد، علي رضا غوناي، مع رئيس وزراء حكومة إقليم شمال العراق مسرور بارزاني استئناف تصدير النفط العراقي عبر تركيا، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك ضمن مساعي إعادة اتفاق خط أنابيب العراق-تركيا، ما سيسمح باستئناف تصدير النفط والغاز عبر خط جيهان التركي، الذي كان متوقفاً نتيجة خلافات مع بغداد وحكومة إقليم شمال العراق بخصوص اتفاقية نقل النفط.

ونتيجة لقاءات مع مسؤولين عراقيين تم إحياء الاتفاق مع بغداد، على أن يتم حلّ مشاكل تقنية بين بغداد وأربيل تسمح ببدء تصدير النفط والغاز عبر تركيا.

إحياء التعاون النفطي

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، أمام منتدى للطاقة: "سنبدأ تشغيل خط الأنابيب في غضون أسبوع"، وهو ما أكده وزير النفط العراقي حيان عبد الغني خلال زيارة إلى أربيل، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وتعمل كل من أربيل وبغداد منذ 25 مارس/آذار 2023 على التفاوض لاستئناف صادرات النفط عبر تركيا، إلّا أن المشاكل السياسية العالقة بين الإقليم والحكومة المركزية ببغداد ألقت بظلالها على تدفق شحنات النفط، مسببة خسائر بمليارات الدولارات.

وحول مسألة اعتراض بغداد على تصدير النفط من إقليم شمال العراق إلى تركيا، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني إن "توقف تصدير النفط عبر تركيا كان محاولة من بغداد على حث حكومة إقليم شمال العراق تلبية جميع شروطها ومطالبها".

ويضيف المشهداني لـTRT عربي، أنّ "استئناف التصدير نحو تركيا قد أخذ وقتاً طويلاً، رغم أن الموافقات الفنية جاهزة من الجانبين التركي والعراقي".

ويشير إلى أن بغداد تطالب أربيل بتنفيذ اتفاقات مبرمة بين الطرفين تخصّ تسليم الإيرادات الجمركية والرسوم والضرائب إلى خزينة الدولة والإفصاح عنها، وعن العدد الحقيقي للموظفين في الإقليم.

من جهته، يقول الخبير المتخصص بالشأن العراقي، كفاح محمود، إن بغداد لم تقم بتشريع قانون واضح للنفط والغاز يضمن حقوق الجميع، ما فتح الباب أمام هذا الوضع.

ويضيف محمود لـTRT عربي، أنّ "هناك فرصاً كثيرة للتعاون بين العراق وتركيا ستتم مع حلّ الإشكال والتعقيدات التي تواجه إعادة تصدير نفط إقليم شمال العراق".

ويؤكد الخبير على أن العراق خسر ما يزيد على 6 مليارات دولار قيمة النفط الذي أوقف تصديره.

وكان قد صرح سفين دزايي، رئيس مكتب العلاقات الخارجية في رئاسة وزراء إقليم شمال العراق، أنّ البلاد تكبد خسائر تقدر بنحو 5.5 مليارات دولار؛ بسبب توقف تصدير نفط الإقليم نحو تركيا.

ويشيد كفاح محمود بالمفاوضات المكثفة بين العراق وتركيا، إلّا أنه يشير إلى أن التباطؤ في الإجراءات الفعليّة يؤخّر تدفّق النفط إلى الربع الثاني من عام 2024.

من جانبه، يقول الخبير في الشأن الاقتصادي هادي فتح الله، إن النقاش حالياً يتطرّق إلى مسائل تقنية، وأن "الخطوط العريضة لاتفاق إعادة التصدير عبر خط جيهان جاهزة من الطرفين العراقي والتركي".

ويبيّن فتح الله الذي يعمل مستشاراً لدى شركات نفطية دولية، في حديثه مع TRT عربي، أن "أبرز النقاط العالقة هو رغبة بغداد تصدير 450 ألف برميل من نفط الإقليم من خلال شركة النفط العراقية (سومو) وهذه نقطة ترفضها أربيل".

جذور الأزمة

انطلق عام 2007 فصل جديد من العلاقات بين أربيل وأنقرة حين وافق برلمان الإقليم على إنتاج موارد النفط والغاز في شمال العراق بشكل مستقل عن بغداد.

وأنشأت حكومة إقليم شمال العراق وزارة الموارد الطبيعية للإشراف على هذه الأصول القيّمة، لكن سرعان ما تصاعدت التوترات بين بغداد وأربيل؛ بسبب صادرات النفط والغاز عبر خط جيهان التركي.

وتسبّبت التوترات بين أربيل وبغداد إلى قطع الأخيرة حصّة حكومة الإقليم في الميزانية الفيدرالية واتخاذ إجراءات قانونية، بلغت ذروتها بتعليق إمدادات النفط في 25 مارس/ آذار 2023.

قطع الإمدادات النفطية، دفع أنقرة إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية آخذةً بعين الاعتبار مخاوف كل من بغداد وأربيل.

ويَجمع العراق وتركيا ملفات وموضوعات إستراتيجية مشتركة منها المياه والنفط والغاز والتجارة والأمن وطريق التنمية الذي يجري العمل عليه لربط تركيا بالخليج العربي عبر الأراضي العراقية.

وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على أن بلاده مستعدة لإيجاد حل لاستئناف صادرات النفط إلى تركيا.

وتمثل عائدات تصدير النفط نحو 80% من الميزانية السنوية لحكومة الإقليم، وكلّف الحظر النفطي مليارات الدولارات، في ظل توقعات من أن استمرار الحظر سيؤدي إلى تراجع اقتصاد الإقليم بشكل كامل، وفق خبراء.

وذكرت رابطة صناعة النفط في إقليم شمال العراق (ابيكيور)، أن إغلاق خط الأنابيب الرابط بين تركيا والعراق جعل العراق وحكومة الإقليم ومنتجي النفط، يخسرون نحو سبعة مليارات دولار من عائدات التصدير.

وينقل خط الأنابيب التركي حوالي 10% من إجمالي الصادرات العراقية، أي ما يعادل 0.5% من الإنتاج العالمي، وكان إقليم شمال العراق يصدّر نحو 450 ألف برميل من النفط الخام يومياً قبل إغلاق خط الأنابيب.

وتأثراً بإغلاق الأنابيب، أعلنت شركة النفط النرويجية (DNO)، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، امتناعها عن إنتاج وتصدير النفط في إقليم شمال العراق حتى تحلّ مشكلة المدفوعات المتأخرة المقدرة بنحو مليار دولار.

ووفق وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، فإنه في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحث مسؤولون عراقيون مع ممثلين عن رابطة صناعة النفط في إقليم شمال العراق (ابيكيور) ومع المسؤولين الأتراك سُبل تكييف عقود الشركات النفطية الحالية مع الدستور العراقي.

وتضم الرابطة شركات نفط وغاز عالمية لها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عقود النفط والغاز في إقليم شمال العراق.

واضطرّ عدد كبير من هذه الشركات إلى وقف الإنتاج بسبب إغلاق خط الأنابيب، لكن الاتفاق الجديد سيعيد فتح الباب أمام نشاط اقتصادي، ويتيح العمل بشكل أفضل على مشاريع مشتركة تجتمع أنقرة وبغداد.

طريق التنمية للتعاون إستراتيجي

تراهن كلاً أنقرة وبغداد على "طريق التنمية" الذي يعتبر "مشروعاً إستراتيجياً" يساهم في تنمية اقتصاد البلدين.

وحول فرص التعاون بين العراق مع تركيا، يقول المشهداني، إن "الفرص كبيرة بين أنقرة وبغداد وأربيل، لا سيّما فيما يخص المشروع الإستراتيجي لطريق التنمية الذي يربط البلدين ويعزّز التعاون بينهما".

ويضيف الخبير الاقتصادي أنه "خط إستراتيجي عملاق يحتاج إلى خدمات تشغيل وصيانة وسوف تُنشأ مدن صناعية كاملة، ومناطق تجارة حرة قرب خطوط النقل البريّ وسكك الحديد، وسوف يربط جميع المحافظات العراقية".

وحول أهمية هذا المشروع يشير إلى أنّ "الأيّام تثبت أهمية تنفيذ هذا الطريق، فالمشاكل التي حصلت في البحر الأحمر ومضيق باب المندب دفع إلى التفكير بإيجاد طرق بديلة، وهنا يأتي دور صنّاع القرار في التعجيل بإنشاء طريق التنمية".

وبحسب المشهداني، فإنّ "طريق التنمية المقرّر أن يربط التجارة العالمية في شرق آسيا عبر تركيا بأوروبا يقصّر المسافات بشكل كبير وتزداد أهميته الآن، في ظل المشاكل الإقليمية التي يتعرض لها مجال الشحن والتجارة الدولية".

ويردف: العالم يبحث الآن عن خطوط نقل جديدة ومشتركة تربط الشرق بالغرب، ونتحدث اليوم عن أكثر من 45 تريليون دولار حجم التجارة.

وما يزيد أهميّة مشروع طريق التنمية، هو اهتمام دول المنطقة ومنها إلى جانب تركيا كل من سوريا والأردن وإيران وقطر والسعودية، وبدأت أغلب هذه الدول بالعمل على ربط تجارتها بهذا الخط.

TRT عربي
الأكثر تداولاً