تابعنا
تعود الخلافات المغربية الجزائرية إلى بداية سنوات الستينيات بعد استقلال الجزائر، بسبب المشاكل الحدودية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي، وتباين التوجهات والخيارات الإستراتيجية للبلدين.

تجمع المغرب والجزائر خصوصيات وروابط ضاربة في التاريخ، تستند إلى وحدة الهوية والأرض وكذلك المصير المشترك بحكم الجوار الجغرافي والتقارب بين شعبي البلدين، غير أن العلاقات بين الرباط والجزائر تعيش منذ استقلالهما عن فرنسا، على وقع الخلافات السياسية المتوالية.

وبلغت التوترات بين الجزائر والمغرب، حد المواجهة العسكرية سنة 1963 بسبب مشاكل حدودية ووصلت إلى إغلاق هذه الحدود سنة 1996، وتستمر القطيعة إلى اليوم بسبب مشكل الصحراء، كأبرز خلاف عالق بين البلدين.

مع حراك " 22 فبراير" ورحيل نظام بوتفليقة، دخلت الجزائر منعطفاً تاريخياً جديداً، تُطرح معه أسئلة حول أفق العلاقة بينها وبين المغرب، التي أصبح إصلاحها، حسب العديد من المتابعين، ضرورة حتمية، أمام التحديات الأمنية والضرورات والفرص الاقتصادية المهدورة، فضلاً عن الرغبة الملموسة بين شعبي البلدين في إسقاط الحدود وعودة الدفء إلى العلاقات.

خلافات بعد الاستقلال

تعود الخلافات المغربية الجزائرية إلى بداية سنوات الستينيات بعد استقلال الجزائر، بسبب المشاكل الحدودية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي، وتباين التوجهات والخيارات الإستراتيجية للبلدين، ما فتح الشرارة لاندلاع معارك على الحدود بين البلدين سنة 1963، في إطار ما سمي بـ"حرب الرمال".

واستمر الصراع الجزائري المغربي، بعد سنوات من ذلك، مع بروز قضية الصحراء؛ فبعد تصفية الاستعمار الإسباني ورحيل القوات الإسبانية عن الصحراء، تفجّر صراع محتدم بين البلدين الجارين، حيث اشتد النزاع بين جبهة "البوليساريو" التي تطالب باستقلال الصحراء مدعومة من طرف الجزائر، والمملكة المغربية المُصرة على تبعية المنطقة لنفوذها الترابي.

وأدى دعم الجزائر لطرح البوليساريو انفصال الصحراء واحتضانها على أراضيه، إلى حدوث، هوة عميقة في العلاقات بين البلدين، اتسعت مع توالي السنين، وبلغت حد القطيعة النهائية، بعد تفجيرات فندق "آسني" بمراكش (وسط المغرب) سنة 1994، التي كشفت التحقيقات المغربية، تورط المخابرات الجزائرية في تنفيذه، ما دفع المغرب إلى فرض التأشيرة على الجزائريين لدخول المغرب، وهو القرار الذي لم تستسغه الجزائر وردّت عليه بغلق الحدود البرية، معتبرة أن قرار فرض التأشيرة "جاء أحادي الجانب"، لتبقى الحدود مغلقة إلى اليوم.

آفاق العلاقات

يرهن باحثون، انفراج العلاقات بين البلدين بحل نزاع الصحراء وما ستسفر عنه الثورة الشعبية بالجزائر. يقول أستاذ العلوم السياسية بالمغرب، عز الدين العلام،في تصريح لموقع TRT عربي، إن السبب الجوهري للعلاقة السيئة، هو إصرار كل طرف على رأيه في موضوع الصحراء، واستبعد أن تطوى هذه الخلافات الجوهرية برحيل بوتفليقة.

وفي الوقت الذي يشدد فيه الأستاذ الجامعي على أن أي بناء للديمقراطية في البلدين معاً، من شأنه أن يساهم في تحسين علاقاتهما، يرى أن "وجوه نظام بوتفليقة ما زالت قائمة، والنظام ما زال هو نفسه والعلاقة تحمل أسباب الخلاف ذاتها، ويصعب رفع منسوب التوقعات حول مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية".

لم تتبلور بعد معالم المرحلة المقبلة بالجزائر؛ حيث تتواصل المسيرات الشعبية وتمر البلاد بفترة انتقالية، يعتبرها أستاذ العلوم السياسية بالجزائر، بوحنية قوي، "مرحلة مخاض عسير" تستوجب، حسب رأيه، انتظار ما ستسفر عنه مرحلة الحوار الوطني ليتضح الخطاب والتوجه القادم لسياسة البلد في علاقتها مع المغرب.

من جهته، ربط الصحافي الجزائري، حمزة عتبي، تحسن العلاقات بين الجزائر والرباط بعد رحيل بوتفليقة، بالرئيس المقبل وكيفية وصوله إلى الحكم، مشيراً إلى أنه إن "وصل إلى سدة الحكم بطريقة ديمقراطية وشفافة من قبل الشعب، فلا شك أنه سيعمل على تذويب الخلافات، والسعي نحو فتح الحدود تماهياً مع إرادة ورغبة الشعب الجزائري".

يضيف الصحفي الجزائري، أن دعوة الملك محمد السادس في إحدى خطاباته الأخيرة، لطي صفحة الماضي وتشكيل آلية سياسية للحوار لبداية صفحة جديدة، فضلاً على التزام المغرب الصمت إزاء ما يحدث في الجزائر بعد الحراك واعتبار الأوضاع شأناً داخلياً، "مؤشرات ينبغي استغلالها ومن شأنها أن تخلق انفراجاً في مستقبل العلاقة بين البلدين".

كلفة "اللامغرب"

أدى الاختلاف الواضح في الآراء حول مسألة الصحراء وقطع الحدود بين البلدين، إلى تأثر النشاط الاقتصادي، ليس فقط بين البلدين بل كان أثره على المنطقة المغاربية ككل، وكان سبباً مباشراً في فشل منظمة "اتحاد المغرب العربي"، الذي تأسس سنة 1989، والذي سعى إلى تشكيل تكتل إقليمي اقتصادي قوي بين بلدان تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا.

ذلك أن بالرغم من الأهداف الطموحة التي سطرها قادة البلدان المغاربية للمنظمة، إلا أنهم عجزوا عن تنزيلها وتفعيلها، بسبب الخلافات السياسية المغربية والجزائرية، والتي كانت "كلفتها باهضة جداً" حسب عبد الرحيم العلام، وتدفع ثمنها الشعوب والدول المغاربية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية".

وأمام الوضع الراهن، تُوجَّه للمغرب والجزائر انتقادات لعدم إعطاء الأولوية للفرص الاقتصادية الواعدة بينهما بسبب الخلافات السياسية، حيث يعتبر بوحنية قوي أن من أبرز معيقات تطور البلدين، "عدم التعاون الاقتصادي بينهما، وهو ما يضيع عليهما الكثير"، مشيراً إلى أن من شأن فتح الحدود "فتح مجال أوسع للتبادل الاقتصادي والتجاري، ستستفيد منه اقتصاديات وشعبَي البلدين."

"خاوة خاوة"

وفي مقابل الجمود والخلافات السياسية التي تطبع علاقة البلدين، دأب مواطنون وناشطون من البلدين على المطالبة بإعادة فتح الحدود، حيث ظلت العلاقات بين الشعبين الجزائري والمغربي على مدار السنين الماضية، ثابتة ومترسخة وتجمع بين العديد من أسر البلدين علاقات صداقة وقرابة ومصاهرة، خصوصاً بالمناطق الحدودية للبلدين.

"هناك رغبة عميقة تاريخية بين شعبَي وفعاليات البلدين الفكرية والمدنية، بضرورة تحسين العلاقة بين البلدين وبكون التوتر الذي عاشته العلاقات على المستوى الرسمي، قد تم توظيفه لصالح أنظمة البلدين، على حساب المصلحة التاريخية التي تربط الشعبين الشقيقين" يقول بوحنية قوي في تصريح لموقع TRT عربي.

وتزامناً مع انطلاق مباريات كأس إفريقيا للأمم بمصر، شهدت العلاقات بين الشعبين دفعة جديدة، بعد التشجيع المتبادل لمنتخبي البلدين، والانتشار الواسع لشعار "خاوة خاوة" (إخوة إخوة: باللهجة المغاربية). وحظيت المباريات الأخيرة للمنتخب الجزائري، بتفاعل خاص من طرف المغاربة، الذين شجعوا واحتفلوا بتأهل "ثعالب الصحراء" إلى نهائي الكأس، بالإضافة إلى الأحداث التي شهدتها الحدود الشرقية بين البلدين، بعد أن قام مشجعون جزائريون بالتسلل عبر الحدود للاحتفال مع المغاربة في الضفة الأخرى.

وفي مقابل، تقليل عبد الرحيم العلام من أهمية موضوع الشعارات والتفاعل مع المباريات، "كونها تدخل في إطار الحماس الرياضي والعاطفي ويغيب عنها فهم طبيعة الصراع الحاصل"، يؤكد الصحفي الجزائري، حمزة عتبي، أن الضغط الشعبي من شأنه أن يدفع الساسة في البلدين إلى مراجعة مواقفهم وتناسي خلافات الماضي؛ استجابة لرغبة الشعبَين في فتح الحدود.

ويؤكد المحلل السياسي، كريم عايش، في نفس الإطار، على كونها مؤشراً قوياً على إرادة التغيير لدى الأشقاء، مشدداً "على أهميته في خلق الحدث وتغيير المعطيات الجيوسياسية بالمنطقة والدفع بالعجلة السياسية إلى تغيير واقع العلاقات المغربية الجزائرية من الانغلاق والانعزال إلى الشراكة والاندماج".

مع حراك " 22 فبراير" ورحيل نظام بوتفليقة، دخلت الجزائر منعطفاً تاريخياً جديداً، تُطرح معه أسئلة حول أفق العلاقة بينها وبين المغرب (AA)
بعد حرب الرمال سنة 1963، استمر الصراع الجزائري المغربي مع بروز قضية الصحراء (AP)
تعود الخلافات بين المغرب والجزائر بعد استقلال هذه الأخيرة، ما فتح الشرارة لاندلاع معارك على الحدود بين البلدين سنة 1963، في إطار ما سمي بـ"حرب الرمال" (TRT Arabi)
يقول مراقبون إن دعوة الملك محمد السادس في إحدى خطاباته الأخيرة، لطي صفحة الماضي وتشكيل آلية سياسية للحوار مؤشر قد يخلق انفراجاً في مستقبل العلاقة بين البلدين (AP)
TRT عربي