تابعنا
مُشعل الحرائق، والاستفزازي، وكاره العرب، والعنصري، والإرهابي، والخطير، والمدان بالإرهاب.. تعد هذه قائمة مختصرة للأوصاف التي يطلقها الإعلام الإسرائيلي على إيتمار بن غفير الذي بدأ حياته السياسية في 16 من عمره عضواً في حركة كاخ الإرهابية اليهودية.

مع دخول شهر رمضان المبارك، وفي ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، طفا اسم وزير الأمن الوطني الإسرائيلي المتطرف، ورئيس حزب "عظمة يهودية"، إيتمار بن غفير، على سطح الأحداث بسبب توصياته التي أراد من خلالها منع دخول الفلسطينيين المسلمين من حَمَلَة الجنسية الإسرائيلية ومن سكان الضفة الغربية المحتلة ومدينة القدس إلى المسجد الأقصى المبارك، بذريعة "الأمن".

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تبنّى توصيات بن غفير، وهو ما دفع منظومة الأمن الإسرائيلية وكابينت الحرب المصغَّر إلى التحذير من "خطورة هذه الخطوة"، وإلى اتخاذ قرار "يقضي بإقصاء بن غفير عن النقاشات المتعلقة في شؤون المسجد الأقصى، والقيود التي ستفرضها الشرطة على المصلين في شهر رمضان، بسبب أفكاره المتطرفة واقتحاماته المتكررة والاستفزازية للمسجد الأقصى".

لا يُفوّت بن غفير فرصة لخلق توتر وإشعال الميدان إلّا ويستغلها، كما فعل في 13 من مارس/آذار الحالي عندما زار الشرطي الإسرائيلي في حرس الحدود في مركز التحقيق الداخلي للشرطة، لمساندته وطلب وقف التحقيق معه "ومنحه بدل ذلك وساماً" بسبب قتله الطفل الفلسطيني رامي الحلحولي الذي يبلغ من العمر 13 عاماً في مخيم شعفاط الذي يقع شمال شرقي مدينة القدس المحتلة.

انتقاد سياسة بن غفير والتحذير من الخطر الذي تمثله سياساته العنصرية، لا يقتصر على منظومة الأمن الإسرائيلية، بل وصل الأمر إلى أن يُحذر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن منه "ومن أن استمرار وجوده في الحكومة سوف يزيد من عزلتها في العالم"، كما سبق أن درست الإدارة الأمريكية اتخاذ خطوات عقابية ضده وضد أفراد من حزبه المتطرف.

مدان بالإرهاب وعضو في تنظيم عنصري محظور

مُشعل الحرائق، والاستفزازي، وكاره العرب، والعنصري، والإرهابي، والخطير، والمدان بالإرهاب.. تعد هذه قائمة مختصرة للأوصاف التي يطلقها الإعلام الإسرائيلي على إيتمار بن غفير (مواليد عام 1976) الذي بدأ حياته السياسية في السادسة عشرة من عمره عضواً في حركة كاخ الإرهابية اليهودية المعادية للعرب، وفق ما يصفها المركز الإسرائيلي للديمقراطية.

وحركة كاخ (ترجمتها تعني "هكذا" بالعربية) أسّسها الحاخام المتطرف مائير كاهانا عام 1971، ومُنعت من المشاركة في الانتخابات للكنيست عام 1988 بسبب "مواقفها العنصرية والمتطرفة والعنيفة"، كما عُرفت بأنها "حركة إرهابية محظورة في إسرائيل" بعد قتل أحد أعضائها وهو الطبيب الإرهابي باروخ غولدشتاين مصلّين فلسطينيين داخل الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل في أثناء صلاة الفجر وهم ساجدون عام 1994.

يتباهى بن غفير بأنه يعلق صورة الإرهابي غولدشتاين، مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي، في صالون بيته الموجود في قلب مدينة الخليل في مستوطنة "كريات أربع"، كما أعرب عن إعجابه به أكثر من مرة بقوله إنه ينظر إليه على أنه "البطل الملهم بالنسبة إليه"، كما تنكّر خلال عيد المساخر اليهودي في زيٍّ شبيه بزيّ غولدشتاين في العام التالي.

تدرج بن غفير في صفوف حركة كاخ إلى أن صار مسؤول قسم الشبيبة فيها، ووصف مؤسس الحركة مائير كاهانا بأنه "قديس وفاضل" رغم حظر نشاطه في إسرائيل واعتباره إرهابياً عنصرياً.

وُلد إيتمار بن غفير في بيت محافظ لعائلة يهودية مهاجرة من العراق، وعُرف بنشاطه المعادي للعرب منذ صغر سنه، إذ اعتُقل واتُّهم وأُدين أكثر من 45 مرة بتهم تتراوح بين الانتماء إلى تنظيم إرهابي، والتحريض على العنصرية والاعتداء على الآخرين أو ارتكاب أعمال مخلّة بالأمن، منها توزيع منشورات تدعو إلى "طرد العرب من المسجد الأقصى"، وصولاً إلى مخالفات سير وعدم احترام الحيز العام، هو سبب عدم قبوله الخدمة في الجيش الإسرائيلي وعدم تأديته الخدمة العسكرية.

أثار بن غفير اهتمام الإعلام الإسرائيلي بسبب مواقفه المناهضة لاتفاق أوسلو للسلام الذي عقده رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عام 1993، بسبب انتشار مقابلة متلفزة له يتوعد فيها بـ"الوصول إلى رابين" الذي قُتل على يد مستوطن متطرف بعدها بعامين.

رغم أن بن غفير درس القانون، وتخرج في كلية "أونو" فإن نقابة المحامين الإسرائيليين رفضت قبول عضويته في صفوفها بسبب "ماضيه الجنائي ومواقفه العنصرية" وهو ما دفعه إلى الاستئناف على القرار وعدّه "نوعاً من الملاحقة السياسية"، الأمر الذي مكّنه في النهاية من الانضمام إلى النقابة والحصول على عضويتها، وتمثيل عشرات المستوطنين والمتطرفين العنصريين المتهمين بالاعتداء على فلسطينيين، والمدانين بقضايا إرهاب وعنف ضد العرب أمام المحاكم الإسرائيلية.

وفي عام 2013، ترشح بن غفير لأول مرة للكنيست على قائمة "عظمة يهودية" التي يرأسها الآن، ولم ينجح في تجاوز نسبة الحسم، لكنه نجح عام 2023 بعد أن تحالف مع قائمة "الصهيونية الدينية"، وهو تحالف هندسه ودعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كي يضمن حصول أحزاب اليمين على الأغلبية داخل الكنيست.

وزير الشرطة وعضو الكابينت المنبوذ

نكث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتعهده الانتخابي الذي قطعه على نفسه بشكل علني، بأنه "لن يُعيّن بن غفير وزيراً في حكومته المقبلة في حال تشكيله لها"، إذ استجاب لطلب الأخير تولي وزارة الأمن الداخلي، التي غيَّر اسمها لتصبح وزارة الأمن الوطني.

بسبب عدم خبرته الأمنية والسياسية، والخشية من تسريب أسرار خطيرة لأوساط يمينية متطرفة، أقصى نتنياهو الوزير بن غفير عن النقاشات الأمنية الحساسة، وجلسات تقدير الموقف الأمنية، وجلسات الكابينت، كما أقصاه عن البتّ في القضايا التي تتعلق بأمن الدولة، وهو سلوك دعمته المنظومة الأمنية وقيادة الشرطة بسبب "تسريباته المتكررة وعدم الثقة برأيه المتطرف"، إذ دعا ستة قادة شرطة سابقين و42 ضابطاً كبيراً في عريضة نشروها في وسائل الإعلام موجَّهة إلى نتنياهو، إلى "إقالة بن غفير لأنه يشكل خطراً على أمن الدولة، ولأن وجوده على رأس جهاز الشرطة يهدد بانهيارها".

المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، دعت هي الأخرى إلى عدم السماح لإيتمار بن غفير "بالتدخل في إدارة الشرطة وعملها اليومي" والاكتفاء بدورٍ إشرافي، بسبب تحريضه الدائم ضد المعارضين للحكومة والضغط من أجل "قمعهم واستخدام العنف ضد احتجاجاتهم" على الإصلاحات القانونية التي قادتها حكومة نتنياهو العام الماضي.

سعى بن غفير من أجل الالتفاف على هذه القيود والمعوقات القانونية، إلى إحداث تغييرات جذرية في جهاز الشرطة، من خلال تشكيل "ميليشيا خاصة" تتْبعه مباشرةً أطلق عليها اسم "الحرس الوطني"، كما عمل على نشر السلاح بكثافة في المدن المخلّطة (يهود وعرب)، وتسهيل حصول مجموعات المستوطنين المتطرفين على رخص حمل السلاح (وهي المجموعات نفسها التي دافع عنها وبرر جرائمها واعتداءاتها ضد الفلسطينيين)، كما أمر بتغيير أوامر إطلاق النار وحث الشرطة على عدم التردد في "قتل الفلسطينيين" لمجرد الشبهة، متعهداً بحماية أفراد الشرطة. كما سمح بزيارات أعضاء كنيست من حزبه مستوطنين اتُّهموا بقتل فلسطينيين، وأعلن أنه "سيقف مع أي شرطي يُتهم بقتل فلسطيني".

تصرُّف بن غفير من موقعه في الحكومة لم يختلف عن سلوكه العنيف وغير المنضبط في أثناء نشاطه في التنظيمات الإرهابية التي انتمى إليها في فترة شبابه، وهو ما حوَّله إلى شخصية منبوذة في الأوساط الأمنية، وشخصية غير مرحَّب بها في دول الغرب وأوروبا والولايات المتحدة، إذ لم يُستقبَل في أي عاصمة غربية، ورفضت السفارة الأمريكية في إسرائيل دعوته إلى الاحتفالات السنوية التي تقيمها في إسرائيل بمناسبة اليوم الوطني الأمريكي، حيث اعتادت دعوة الوزراء والمسؤولين الأمنيين والحزبيين من مختلف الأحزاب.

عنفٌ ضد الفلسطينيين وحمايةٌ للإرهابيين اليهود

كشفت تقارير إعلامية أنه خلال العام الماضي والفترة التي تولى فيها إيتمار بن غفير وزارة الأمن الوطني، توقفت الشرطة عن ملاحقة "الإرهابيين اليهود" والتصدي لعنفهم المتواصل ضد الفلسطينيين. في المقابل أطلق بن غفير حملة شرسة ضد الأسرى في السجون الإسرائيلية أدت إلى استشهاد 11 أسيراً منهم خلال خمسة أشهر، وتردي وضعهم المعيشي، ومصادرة حقوقهم الأساسية، ومنعهم من تناول وجبات تشمل أي نوع من اللحوم، أو التواصل مع عائلاتهم.

يرى بن غفير أن وجوده في الحكومة مكرَّس لهدف واحد هو تمرير أفكاره المتطرفة والمعادية للفلسطينيين وتحويلها إلى قوانين وخطة عمل، مستفيداً من حاجة نتنياهو إليه وإلى حزبه للحفاظ على الأغلبية اللازمة له للبقاء في السلطة، وفي الشق الآخر الدفاع عن شركائه في الجماعات الاستيطانية والمتطرفة وإعادة دمجها في مؤسسات الدولة والحكم وزيادة تأثيرها داخل المجتمع.

الأقصى والهيكل

يؤمن إيتمار بن غفير بأنْ لا حقَّ لغير اليهود في المسجد الأقصى، الذي يرى أنه بُني مكان "الهيكل"، ومن أجل هذا نظَّم قبل انتخابه وبعد دخوله الكنيست، لا سيما بعد أن أصبح وزيراً، اقتحامات جماعية استفزازية في باحات المسجد الأقصى، والإخلال بـ"الوضع القائم تاريخيّاً في الأماكن المقدسة"، كما سعى إلى الضغط على الشرطة للسماح بزيارات اليهود للأقصى، وشارك في مَسيرة الأعلام السنوية التي تمر من البلدة القديمة في القدس، وكانت السبب في اندلاع مواجهة مع المقاومة في قطاع غزة عام 2021.

لا يُخفي بن غفير أفكاره المتطرفة وعداءه لغير اليهود، وهو ما يجعل وجوده في وزارة حساسة تُشرف على الأماكن المقدسة، والأسرى، وتوزيع السلاح وترخيصه، تحت رئيس حكومة ضعيف يحتاج إلى أصوات بن غفير وحزبه للبقاء في الحكم، وصفةً للتفجير وإشعال مزيد من الحرائق.

TRT عربي