تابعنا
عُقد يوم الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني 2021 في قصر السلام في العاصمة العراقية بغداد اجتماع للرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي).

أكد الاجتماع على ضرورة ترسيخ الأمن الداخلي وحماية حق التظاهر، ومنع الأعمال الخارجة عن القانون. كما شدد المجتمعون على ضبط السلاح المنفلت وإنجاح الانتخابات المبكرة في موعدها المقرر في السادس من يونيو/حزيران المقبل.

تناول الاجتماع حسب بيانٍ صحفي لرئاسة الوزراء العراقية أهمية الانتخابات المقبلة باعتبارها المسار الديمقراطي والدستوري للبلاد، لا سيما وأنها تأتي بعد حراك شعبي ورأي عام وطني واسع يتطلع نحو الإصلاح والتغيير، وهو ما يستدعي أن تكون الانتخابات المقبلة استجابة حقيقية لتطلعات الشعب، ومتطلبات الحياة السياسية والخدمية التي يستحقها العراقيون.

فقدان الثقة بالانتخابات

أجريت في العام 2018 الانتخابات التشريعية العراقية، وهي ثاني انتخابات عراقية عامة منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، ورابع انتخابات منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وقد وقع حريق في موقع تابع لوزارة التجارة العراقية خزنت فيه مفوضية الانتخابات صناديق الاقتراع في حي الرصافة الذي يمثل نصف أصوات محافظة بغداد، أكثر المحافظات العراقية سكاناً، إذ يبلغ نصيبها 71 مقعداً من أصل 329 في وقتها. فتحت الحكومة العراقية تحقيقاً في ملابسات حرق صناديق الاقتراع الذي وصفته بالمُتعمد.

لم تُكشف نتائج التحقيقات بالحادثة حتى الآن، وهذا ما تُرجم حسب مراقبين بأن تجربة انتخابات 2018 وما رافقها في الماضي وما بعدها من ظواهر للسِلاح المنفلت وتأثيرات على العملية الديمقراطية سبب كافٍ لفقدان ثقة الشارع العراقي بالانتخابات القادمة.

محتجو تشرين ومساعي التغيير

يعتقد الشاب حاتم عدي من محافظة بغداد، أن الانتخابات المبكرة لن تكون بنفس الوقت المقرر لها في السادس من يونيو/حزيران من العام الجاري، وعن اهميتها يقول عدي: "إنها المعركة التي ستحدد مصير الأحزاب الفاصلة والحاسمة بين إرادة الشعب والسلطة".

الشاب حاتم البالغ 17 ربيعاً لم يبلغ السن القانونية التي تؤهله للإدلاء بصوته، ومع ذلك يعمل جاهداً للتوعية والتثقيف حول الانتخابات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بما يدعم مسيرة احتجاجات.

وقد طالب المحتجون في مظاهرات تشرين التي اندلعت منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019، في بغداد وبقية محافظات جنوب العراق بتغيير النظام، وتشكيل حكومة مؤقتة، وشددوا على إجراء انتخابات مبكرة، وقوبلت هذه التظاهرات بعنف شديد واستعملت قوات الأمن القمع لاستهداف المتظاهرين بالرصاص الحي، وبلغ عدد القتلى من المتظاهرين أكثر 600 شخص حسب منظمة أمنيستي الدولية.

الانتخابات مقابل تصاعد التوتر

في سياق متصل قال المدون العراقي ياسر الجبوري إن الانتخابات هي الحل الوحيد تفادياً لحربٍ أهلية، أو تدخل عسكري أو أجنبي أو حتى إقليمي في العراق، فوق التدخلات الموجودة مسبقاً.

فالتغيير من خلال صناديق الاقتراع، حسب رأيه، هو الحل الوحيد لتمثيل مطالب الشعب. فإن شارك العراقيون بقوة وانتخبوا الشخصيات والكيانات المدنية والليبرالية والعلمانية فسيكون ذلك نصراً لاحتجاجات تشرين.

يكمل الجبوري حديثه بأن خيار المقاطعة هو سلعة رديئة قامت بتسويقها الأحزاب السياسية الفاسدة للشارع من أجل أن تفرغ الساحة لهم. وخير دليل ما حصل في الانتخابات الماضية، حيث إن جمهور الأحزاب فقط هم من ذهبوا وأدلوا بأصواتهم في الانتخابات التي أعادت للعملية السياسية نفس الوجوه التي انتفض عليها الشعب في احتجاجات تشرين 2019.

وقد بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع في انتخابات 2018 ما يقرب من 44.52 بالمئة، وسط انقسامات طائفية عميقة واتهامات فساد تعاني منها بغداد منذ سنوات طويلة. وتعد هذه النسبة الأدنى منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حسب تصريح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية 2018.

وأكد الجبوري في حديثه بأنه في حال "نجحت الكيانات الصالحة للوصول إلى البرلمان فهذا مؤشر جيد. وإن فازوا ولكن فشلوا بتشكيل حكم بعيد عن المحاصصة والفساد بسبب الأحزاب وتحالف الكتل أو تدخلهم بالسلاح، فهذا سيظهر للمجتمع الدولي والأمم المتحدة التي ستكون مسؤولة عن الانتخابات وسلامتها من التزوير، أن العملية السياسية في العراق مبنية وفق أسس دكتاتورية ومليشيات مسلحة".

وفي سياق متصل، قال الباحث في الشأن السياسي شاهو القرة داغي حول عزم الحكومة التعامل مع السلاح المنفلت بأنه قد "توالت التصريحات الصحفية لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بضبط السلاح المنفلت، ولكن كلامه اقتصر على الجانب الإعلامي فقط، إذ لم يتخذ أي خطوات على أرض الواقع بخصوص هذا الأمر. وعلى العكس تماماً فأصحاب السلاح المنفلت أصبحوا يتحضرون للانتخابات أكثر من الآخرين".

ويكمل القرة داغي حديثه بأن "عصائب أهل الحق"، وهي مليشيا عراقية تمتلك 15 مقعداً في البرلمان الحالي، تتعهد بزيادة عدد مقاعدها، في حين تعهد مقتدى الصدر بالحصول على رئاسة الوزراء القادمة، وهذا يعني أنه لن يكون هناك أي إجراءات لضبط السلاح المنفلت، وأن المليشيات سوف تشارك بقوة في الانتخابات لزيادة تمثيلها السياسي بالتزامن مع زيادة نفوذها العسكري.

ويؤكد شاهو عدم "وجود ضمان في حياد ونزاهة الانتخابات بظل انتشار السلاح المنفلت، وأن الانتخابات في ظل هذه الظروف ستكون عملية تجديد للغطاء الديمقراطي للحكم المليشياوي أكثر من كونها انتخابات لتحقيق مطالب المحتجين الذين ضحوا من أجل التغيير".

غياب شرعية الانتخابات

من جانبه يتوقع المحلل السياسي سجاد جياد أن تجري الحكومة العراقية الانتخابات البرلمانية قبل أبريل/نيسان أو مايو/أيار 2022. وهو بذلك يرى مع آخرين بأن الحكومة ربما تكون غير قادرة على إجراء الانتخابات المبكرة بوقتها المحدد، إذ "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين على الحكومة القيام به قبل ذلك".

كما لفت جياد إلى أن أكبر مشكلة قد تواجه الحكومة هي "إقناع الشباب بالذهاب للتصويت. إن عدم ذهاب الشباب للتصويت سيقلل من شرعية الانتخابات، وعلى أي حال فإن الانتخابات لن تجعل الأمور أفضل فجأة، وهذا هو السبب في أن التركيز المفرط على ما يحدث مع النتائج ليس مفيداً".

ويختتم جياد حديثه بأنه "إذا لم يتم إجراء الانتخابات أو لم يتم إجراؤها بشكل صحيح، أو كان هناك إقبال منخفض، فسيتم اعتبار ذلك فشلاً للعملية السياسية في العراق، وسيفقد المزيد من الناس الثقة في النظام الحكومي، ويتساءلون عمَّا إذا كانت الديمقراطية يمكن أن تعمل في العراق، وهذا يعني مزيداً من الاحتجاجات، و تزايد أحداث القمع من قبل السلطات كما حصل في العامين الماضيين".

TRT عربي