تابعنا
كشفت المفوضية الأوروبية في 5 مارس/آذار الحالي عن خطّتها لإنعاش الصناعات الدفاعية للاتحاد، في وقت تشهد فيه القارة تحديات أمنية، أبرزها الحرب في أوكرانيا، كما تعيش تلك الصناعات متاعب عديدة عقب سنوات من الإهمال وضَعف الاستثمارات.

بعد سنوات من الإهمال وضَعف الاستثمارات والاعتماد أكثر على واردات السلاح الأجنبية، التفت الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى صناعاته الدفاعية التي تعيش وضعاً متردياً، إذ كشفت المفوضية الأوروبية عن خطتها التي طال انتظارها، من أجل دعم تلك الصناعات وإنعاشها من حالة الركود الذي تقبع فيه خلال العقود الأخيرة.

وتأتي هذه الخطوة مدفوعة بتحديات أمنية واستراتيجية خطيرة تواجه الاتحاد الأوروبي، على رأسها استمرار الحرب في أوكرانيا إلى عامها الثالث، ما استنزف مخزونات السلاح الأوروبية، بالإضافة إلى المخاوف السائدة بشأن استمرار اعتماد دول أوروبا على الدفاعات الأمريكية، بعد توعُّد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بعدم الدفاع عن البلدان التي لا تفي بالتزاماتها المالية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في حال انتُخب رئيساً للولايات المتحدة.

اقتصاد حرب وتحديات استراتيجية

خلال تدشينه أعمال بناء مجمع صناعي دفاعي في أونترلوس شمال ألمانيا، في 12 فبراير/شباط الماضي، دعا المستشار الألماني أولاف شولتز إلى تطبيق "اقتصاد حرب" تُولَى فيه الأهمية الكبرى للصناعات الدفاعية الأوروبية، من أجل تفادي تداعيها وتعزيز استجابتها للتهديدات الأمنية التي تشهدها القارة.

وشدّد شولتز على أن "قوة ألمانيا لا تكفي"، وأن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى تعاون صناعي "أوثق" في هذا المجال، بين دوله السبع والعشرين.

ويأخذ هذا التصريح الذي أدلى به المستشار الألماني طابع "دق ناقوس الخطر" بشأن الأزمة التي تعيشها الصناعات الدفاعية الأوروبية، إذ أتى غداة توعُّد المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترمب بأنه في حال عودته إلى البيت الأبيض قد "يشجع" روسيا على مهاجمة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي لا تفي بالتزاماتها المالية.

ويرى محللون أنه لم يعُد في مقدور أوروبا الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الأمنية والاستراتيجية للقارة، بما في ذلك التزود بالعتاد العسكري، في وقت تكشف فيه أرقام المفوض الأوروبي المسؤول عن الصناعات الدفاعية تييري بريتون أن 68% من مشتريات الأسلحة في الاتحاد الأوروبي لمصلحة أوكرانيا تأتي من منتجين أمريكيين.

وحذّر بريتون في يناير/كانون الثاني الماضي من صعود "الترمبية" في الولايات المتحدة الذي أعاد التهديد المكشوف بفك الارتباط العسكري الأمريكي مع القارة العجوز وأثار المخاوف الدفاعية على الجانب الأوروبي.

ويضاف إلى هذا استنزاف الحرب في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث، مخزونات ذخيرة وسلاح دول الاتحاد الأوروبي.

وقال أرمين بابيرغر رئيس شركة راينميتال، أكبر شركة دفاعية في ألمانيا: "مخازن الذخيرة الأوروبية اليوم فارغة، وعلينا أن ننتج 1.5 مليون طلقة (من الذخيرة) لملء المخزون، وهو ما قد يستغرق 5 سنوات على الأقل".

وتحوم شكوك حول قدرة الدول الأوروبية على الإيفاء بوعد منح أوكرانيا "مليون قذيفة مدفعية"، الذي كان من المزمع تحقيقه بحلول مارس/آذار الجاري، إذ لم يصلوا حتى الآن سوى إلى 30% من هذا الهدف.

ورجع وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس هذا الفشل إلى ضعف الصناعات الدفاعية الأوروبية، وقال إنه "من السهل تحديد المليون (قذيفة) والمال موجود، لكن الإنتاج يجب أن يكون موجوداً كذلك".

ويأتي هذا في وقت يواجه فيه الجيش الأوكراني نقصاً حاداً في الذخيرة، ما أدى إلى تقهقره ميدانياً، ورجع محللون سقوط بلدة أفدييفكا أواخر فبراير/شباط الماضي إلى هذا النقص.

وحذّر وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف في رسالة بعث بها في نهاية شهر يناير/كانون الثاني إلى نظرائه الأوروبيين من أن جيشه قادر فقط على إطلاق 2000 قذيفة يومياً عبر منطقة بأكملها، وهو ما يُعَدّ أقل بثلاث مرات مقارنة بالقوة النارية الروسية.

وفي ظل هذا الواقع تتصاعد أصوات القادة الأوروبيين الداعية إلى تلافي فشل الصناعات الدفاعية الأوروبية في الاستجابة للتحديات الاستراتيجية والأمنية للقارة، ولمدة عامين تقريباً أصرّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً على أهمية تطبيق "اقتصاد الحرب" في فرنسا وأوروبا، لدعم كييف بشكل أفضل، وحذّر خلال تحياته للجيوش في 19 يناير/كانون الثاني من أن "انتصار روسيا هو نهاية الأمن الأوروبي".

متاعب صناعة الدفاع الأوروبية

تدفع الصناعات الدفاعية الأوروبية ثمن عقود من ضَعف الاستثمارات وخيارات الدول بالاعتماد على واردات الأسلحة والذخائر الأجنبية. وحسب أنتوني كينغ، أستاذ دراسات الحرب في جامعة وارويك، فإن أوروبا "جردت نفسها من السلاح بشكل منهجي لأنها لم تكن بحاجة إلى إنفاق الأموال".

وكشف تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن ما يقرب من 25 عاماً من الانخفاض في ميزانيات الدفاع الأوروبية، بين نهاية الحرب الباردة وضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، أدى إلى تقليص حجم القدرات الصناعية الدفاعية في أوروبا.

في المقابل قال مارك تيس الجنرال المتقاعد ونائب وزير الدفاع البلجيكي السابق في حديثه لمجلة بوليتيكو الأمريكية إنّ "مسألة الذخيرة هي أحد أعراض مشكلة ثقافية داخل أوروبا"، مشيراً إلى الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية باعتبارها ذريعة لعقود من نقص الاستثمار في القدرة الإنتاجية للكتلة.

وليس في استطاعة الصناعات الدفاعية الأوروبية حالياً الاستجابة للوضع الأمني الجاري، إذ كشف تقرير برلماني فرنسي أن الفترة الزمنية ما بين إصدار الأمر بالتصنيع وتسليم قذائف المدفعية غير الموجهة من عيار 155 ملم تتراوح من 10 إلى 20 شهراً، وترتفع في حال القذائف الموجهة إلى ما بين 24 و36 شهراً، في وقت استهلكت فيه الحرب الروسية-الأوكرانية نحو 200 ألف قذيفة مدفعية أسبوعياً.

وفي ظل هذا الوضع، وحسب أرمين بابيرغر رئيس شركة راينميتال، فإن أوروبا "تحتاج إلى 10 سنوات من أجل أن تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها".

كيف تسعى أوروبا لتدارك هذه المتاعب؟

تطمح وثيقة الخطة الاستراتيجية لإنعاش الصناعات الدفاعية، التي قدمتها المفوضية الأوروبية، إلى تطبيق نوع من الحمائية الاقتصادية على مشتريات السلاح للدول الـ27، وهو ما وعدت به مارغريتي فيستاغر نائبة رئيسة المفوضية وقالت إنه بحلول 2030 سيجري توفير "50% من المُعَدّات العسكرية" التي تطلبها الدول الأعضاء من الصناعة الأوروبية.

وأضافت فيستاغر: "في العامين الماضيين وقفنا على وضع صناعتنا الدفاعية، ووجدناها من دون قدرة إنتاجية كافية لتلبية الزيادة الحادة في الطلب (...). لقد واجهنا بوضوح تفتتاً بنيوياً معروفاً، وهو ما يحدّ من اقتصادات الحجم الكبير، ويخلق حالة من عدم الثقة، في حين يمنع المنافسة الحقيقية بين اللاعبين الصناعيين".

وتتضمن الاستراتيجية الأوروبية الجديدة تخصيص غلافٍ ماليٍّ بقدر 1.5 مليار يورو حوافز للشراء بشكل مشترك من الشركات الأوروبية وتشجيع الصناعة على زيادة القدرات وتطوير تقنيات جديدة.

وأشار تييري بريتون مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية إلى أن هذا التمويل سيمتدّ من عام 2025 إلى عام 2027، وسيعمل كـ"جسر" حتى يفاوض على ميزانية جديدة طويلة الأجل.

وبالإضافة إلى هذا، اقترحت المفوضية أيضاً برنامجاً تجريبياً لإنشاء نسخة أوروبية من خطة المبيعات العسكرية الأمريكية الخارجية، التي بموجبها تساعد الولايات المتحدة الحكومات الأخرى على الشراء من شركات صناعتها الدفاعية.

وفي هذا الصدد قال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "ليس لدينا البنتاغون، كما ليس لدينا مؤسسة تتمتع بقدرة شرائية قوية تقود السوق والصناعة، لكن علينا التعاون والتنسيق في هذا الشأن".

TRT عربي