هل تصمد حكومة اليونان أمام الاحتجاجات الجارية؟ / صورة: Reuters (Florion Goga/Reuters)
تابعنا

خرج الآلاف من المحتجين، يوم الأربعاء، في مختلف المدن اليونانية، من أجل التعبير عن غضبهم تجاه ما قالوا إنه "إهمال حكومي" تسبب في حادت تصادم القطارات بالقرب من مدينة لاريسا، ليلة الـ28 من فبراير/ شباط الماضي، والذي أودى بحياة مالا يقل عن 57 شخصاً، إضافة إلى 14 جريحاً.

هذا وتزامنت هذه المظاهرات مع إجراء إضرابات عمالية واسعة، أعلن عنها سابقاً للسبب ذاته. وهو ما يرى فيه مراقبون أنها الاحتجاجات الأعنف التي تشهدها اليونان منذ أزمة الديون، خلال النصف الأول من العقد الماضي. وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى صمود حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس أمام هذه الموجة الاحتجاجية العنيفة.

إضرابات ومسيرات ومواجهات عنيفة

يقدر عدد المتظاهرين الذين خرجوا في مختلف المدن اليونانية، يوم الأربعاء، بحوالي 57 ألف شخص، وفق ما صرح به متحدث باسم الشرطة اليونانية لوكالة الأنباء الفرنسية. وشهدت العاصمة أثينا وحدها خروج نحو 30 ألف متظاهر، و15 ألف في تيسالونيكي ثاني أكبر المدن اليونانية، و10 آلاف في باتراس.

وكان طلاب الجامعات والعمال أبرز المحتجين، حيث تجمهروا بالقرب من مبنى البرلمان في العاصمة، رافعين شعارات "قتلة!" و"نحن جميعاً في العربة نفسها"، في دلالة على مسؤولية الحكومة في حادث اصطدام القطارات الذي شهدته البلاد قبل عشرة أيام. كما طالبوا باستقالة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، وإسقاط الحكومة.

تزامناً مع هذا قادت النقابات العمالية إضراباً عاماً في معظم قطاعات البلاد، ومنهم الأطباء والمعلمون وسائقو الحافلات وطواقم عبّارات. كما شهدت السكك الحديد شللاً كاملاً، في وقت مدد فيه العمال الإضراب الذي بدؤوه في أعقاب الحادث المأساوي.

ولم تخل هذه الاحتجاجات من أعمال عنف، وصدمات بين قوات الأمن والمتظاهرين. واستخدمت قوات الشرطة اليونانية القنابل المسيلة للدموع في تفريق المظاهرة في محيط البرلمان، بينما رد المتظاهرون بإلقاء القنابل الحارقة وأشعلوا النار في شاحنة صغيرة وصناديق قمامة، حسب ما ذكرت رويترز.

وتُعَد تظاهرات الأربعاء الخامسة في مسار احتجاجي مناوئ للحكومة اليونانية. وقبلها، يوم الأحد، شهدت العاصمة أثينا مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، وعلى خلفيتها جرى إيقاف 14 شخصاً للاستجواب، لاشتباههم بارتكاب مخالفات من بينها نقل أسهم نارية.

هل تصمد حكومة اليونان أمام الاحتجاجات الجارية؟

في أعقاب حادث تصادم القطارات، جرى تحميل المسؤولية لمدير المحطة الذي أقر بنسيانه تغيير مسار أحد القطارين، إذ جرى اعتقاله ووُجّهت إليه تهمة القتل بسبب الإهمال وتعطيل النقل، والتي في حال إدانته بها سيواجه السجن مدى الحياة.

كما استقال وزير النقل والبنية التحتية اليوناني كوستاس كارامانليس من منصبه، في تعبير عن تحمله للمسؤولية السياسية فيما حدث. وقال كارامانليس في بيان له: "عندما يحدث شيء بهذه الدرجة من المأساوية، فإنه من المستحيل الاستمرار والتظاهر كأن شيئاً لم يحدث (...) هذا يسمى مسؤولية سياسية. ولهذا السبب، أعلن استقالتي كوزير للنقل والبنية التحتية".

وكان رئيس الوزراء كرياكوس ميتسوتاكيس، يوم الأحد، قد زار مكان الحادث، حيث ألقى خطاباً متلفزاً حمّل فيه المسؤولية لـ"خطأ بشري مأساوي"، واعتذر لأسر الضحايا وتعهد بالوصول إلى حقيقة ما حدث. وإضافة إلى ذلك أجرى الكثير من اللقاءات العامة في محاولة لتهدئة الغضب.

وبالرغم من هذه الإجراءات، لم يستطع رئيس الحكومة اليمينية اليونانية التخفيف من غضب الشارع، الذي يطالب باستقالة الحكومة كلها. فيما يرى موقع "بوليتيكو" الأمريكي، بأن هذه الاحتجاجات التي تشهدها اليونان، هي الأعنف في تاريخ البلاد منذ أزمة الديون خلال النصف الأول من العقد الماضي.

وتواجه حكومة ميتسوتاكيس ضغطاً سياسياً مزدوجاً، داخلياً من قبل أحزاب المعارضة، على رأسها سيريزا، الذي عاب على رئيس الحكومة أن "اعتذاره جاء متأخراً بخمسة أيام". كما صرَّح المتحدث باسم حزب المعارضة اليساري الرئيسي في اليونان، ناسوس إليوبولوس، بأن: "هذا أكثر من مجرد تصادم قطار وحادث قطار مأساوي (...) نشعر بأن البلاد كلها خرجت عن مسارها".

كما تواجه الحكومة ضغطاً خارجياً، من طرف الاتحاد الأوربي، حيث حذرت لجنة الحريات والحقوق المدنية في البرلمان الأوروبي، والتي زارت اليونان يوم الأربعاء، من أن البلاد تواجه "تهديدات خطيرة للغاية لسيادة القانون والحقوق الأساسية"، مشيرة إلى ضعف شفافية التقارير الإعلامية والتهديدات ضد الصحفيين وسياسات الهجرة والعدالة البطيئة وغير الفعالة، بالإضافة إلى عنف الشرطة.

ووفق "الغارديان" البريطانية، مثل حادث الاصطدام ضربة قاصمة لسعي ميتسوتاكيس للفوز بالانتخابات المقبلة، والتي كان يعول فيها على ما تعتبره حكومته إرثها الأكثر استدامة، كـ"الانتعاش الاقتصادي، والإصلاحات الشاملة، والإدارة الفعالة للأزمات".

وكان من المفترض أن تجرى الجولة الأولى من الانتخابات العامة اليونانية في التاسع من أبريل/نيسان القادم، فيما تحدَّثت وسائل إعلام يونانية عن تأخير محتمل للانتخابات جراء الحادث، وإعادة برمجة تاريخ جولتها الأولى إلى أواخر مايو/أيار والثانية إلى يوليو/تموز.

كل ذلك قد يزيد أمد الضغط على ميتسوكاتيس، ويهدد بإفشال مخططاته للفوز بعهدة إضافية. وهو ما يؤكده مدير مركز أبحاث إلياميب في أثينا، البروفيسور جورج باجولاتوس، بتصريحاته للغارديان: "لقد كانت هذه كارثة أثرت بشكل رئيسي على الشباب (...) ويمكن أن يؤثر على الطريقة التي يرون فيها أن النظام السياسي لا يستجيب لمتطلباتهم، وبالتالي يغذي التصويت المناهض للحكومة أو الامتناع عن التصويت على نطاق واسع".

TRT عربي